مقالات
عاشوراء تتكرّر على أرض الجنوب

في الزمن الذي تُطوى فيه الصفحات بسرعة، ويُستهلك الحدث كخبر عابر، يقف لبنان اليوم أمام مشهد لا يُشبه إلا كربلاء.
العدوان الإسرائيلي الأخير على جنوب لبنان لم يكن مجرد تصعيد عسكري عابر، بل كان نسخة دامية من عاشوراء، بكل ما تحمله من ظلم وصبر، من دم وكرامة، ومن مواجهة بين قلة مؤمنة بحقيقتها، وجبروت لا يفرّق بين طفل وشيخ، بين بيت ومحراب.
عاشوراء، كما نعرفها، ليست مناسبة دينية فقط. إنها لحظة وعي تاريخي، لحظة فارقة بين من يقف في وجه الانحراف، ومن يختار الصمت أو التبرير.
وكما وقف الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه في كربلاء، ورفضوا المساومة على جوهر الإسلام، وقف أبناء الجنوب اللبناني، بمقاومتهم وشعبهم، في وجه آلة عدوان لا تعرف للإنسانية معنى.
نعم، كانت عاشوراء جديدة. ليس لأن القاتل هو نفسه في جوهره، يملك منطق القوة ويستبيح الدم، بل لأن الموقف أيضًا تكرّر: الصبر، التحدي، والتشبث بالحق حتى الرمق الأخير. كل مشهد من مشاهد العدوان – من استهداف المدنيين، إلى تهجير العائلات، إلى صمود القرى على حدود النار – كان يكتب سطرًا جديدًا في ملحمة كربلاء الحيّة.
الإعلام، في هذه اللحظة، لا يملك ترف الحياد. فكما كان الامام زين العابدين عليه السلام وعمّة الثورة زينب، شهودًا على المأساة، وناطقين باسم المظلومين، كذلك نحن اليوم مطالبون أن ننقل الحقيقة بلا رتوش، أن نحمي ذاكرة الناس من التشويه، وأن نحرس المعنى من أن يُدفن تحت ركام التحليلات الباردة.
في عاشوراء، لم يُقَس النصر بعدد الناجين، بل بثبات الموقف. وفي لبنان، لم يُقَس الردع بعدد الصواريخ، بل بقدرة هذه الأرض على أن تقول “لا”، وأن تُربك العدو، وأن تصنع معادلة من الألم.
العدوان الأخير لم يكن نهاية، بل كشفًا جديدًا لثنائية كربلاء الدائمة: سيف وظلم في جهة، وكرامة وإيمان في الجهة الأخرى. وبينهما، شعب لا يُهزم، لأن ذاكرته حسينية، ولأن تاريخه كتب بدماء لا تجف.
بقلم: حسين صدقة
مدير مركز صدى للإنتاج الإعلامي
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.



