يشبه وضع اللبنانيين مع أزمتهم الرئاسية، التي يبدو أن لا نهاية قريبة لها، وضع أهالي تلك القرية من قرى لبنان الجردية. فهؤلاء يعتاشون مما تنتجه أرضهم، التي ورثوها عن الأباء والأجداد.
وليس لهم مورد رزق غير غلاتها. ينتظرون موسم التفاح من سنة لسنة. لكنهم فوجئوا في السنوات الماضية أن مواسم الخير باتت شحيحة، وأن أشجار التفاح، التي كانت “كريمة” في الماضي لم تعد كذلك اليوم. ولم يكن لديهم وسيلة لتحسين وضعهم سوى “النق”، فكانوا يشتكون “عَ الطالع والنازل”، وكانوا يخبرون قصتهم مع أشجار تفاحهم للقريب والبعيد، ولم يكن لهم حديث آخر سوى “النق” وندب حظّهم التعس، حتى أنهم كانوا يلومون بعضهم بعضًا على ما آلت إليه أحوالهم المتعثرة.
ولمّا طفح الكيل بمختار هذه القرية قرر أن يجمع أهاليها في إحدى الليالي، وقصّ عليهم “نكتة” طريفة، فما كان من الحاضرين سوى الضحك من صميم القلب. ولكنه أعاد عليهم “النكتة ذاتها، فمنهم من ضحك قليلًا، ومنهم من لم يضحك أبدًا. وأعاد الكرّة مرّة ثالثة فلم يضحك أحد حتى أنهم لم يبتسموا حتى.
وأمام دهشة الجميع قال لهم المختار، وهو الذي عجنته التجارب وزادته السنون حكمة ومعرفة: عندما قصصت عليكم “النكتة” للمرة الأولى ضحكتم جميعًا، وكاد بعضكم ينقلب على ظهره من شدّة الضحك، لأنكم كنتم تسمعون هذه “النكتة” للمرّة الأولى. ولكن عندما أعدت عليكم تلاوة “النكتة” ذاتها للمرّة الثانية ضحك بعضكم مسايرة لي، ولم يضحك القسم الآخر لأنه لم يجد مبررًا للضحك. أمّا لما أعدت الكرّة ثلاثًا لم يضحك أحد منكم، وقلتم بينكم وبين أنفسكم إن المختار قد ضربه “الخرف”، وهو يعيد علينا “النكتة ذاتها لثلاث مرّات متتالية.
ما أراد أن يقوله هذا المختار الحكيم لأهالي قريته واضح تمام الوضوح، وهو أنهم عندما لا يجدون حديثًا سوى التذّمر من سوء ما تنتجه أشجار التفاح، وهو حديث بات مموجًا لكثرة ترداده تمامًا كتلك “النكتة” التي أصبحت “بايخة” لكثرة تردادها، فإن ما يخبرونه عن “قلة وفا التفاح” قد أصبح كلامًا ممجوجًا، ولم يعد يستهوي سامعيه.
وأضاف، وفي كلامه الشيء الكثير من العتب والملامة: فبدلًا من إعادة تكرار أسطوانة التفاح مرّة واثنتين وثلاثًا، وبدلًا من القاء اللوم على فلان وعلتان، تعالوا نبحث جدّيًا عن السبب المباشر لتوقف أشجار التفاح عن انتاج ما كانت تنتجه في السابق. فهل تساءلتم ولو لمرّة واحدة إذا ما كان السبب هو في التربة، التي استُهلكت وباتت تحتاج إلى رعاية علمية وحديثة، هل تساءلتم عمّا إذا كان السبب في نوعية “دواء الرش” المستعمل، أو طريقة “التشحيل”، وإلى ما هنالك من أسباب أخرى.
وختم: لو قللتم من الكلام “الفاضي”، وأهتمتم بما هو مفيد أكثر، لأتت النتائج أفضل بكثير.
هذا هو حالنا نحن اللبنانيين مع الاستحقاق الرئاسي ومع غيره من الاستحقاقات. لا نجيد سوى “النق”، ولسنا شاطرين سوى بإلقاء التهم جزافًا. يأتي جان ايف لودريان ليستمع الينا عن الحلول الممكنة فلا يسمع سوى كلام لا يقدّم، بل يؤخرّ أي حل ممكن. وكذلك هي الحال مع سائر الموفدين الدوليين.
الطامة الكبرى أن جميع اللبنانيين، وأعني المسؤولين، يعرفون أن “الأشجار الرئاسية” لم تعد تثمر، ولكنهم في الوقت نفسه يتضامنون في ما بينهم على رفض البحث في الأسباب، التي أدّت وتؤدّي إلى هذا العقم في انتاج حلول محلية.
فهل تطول أزمة رئاسة الجمهورية كما هي الحال مع مسلسل “التفاح الحرام”؟