أخبار عالمية

هل يصغي ماكرون للعقلاء؟!

رغم تراجع حدة الاضطرابات في فرنسا، بعد التشييع الضخم الذي شهدته باريس للفتى نائل الذي قُتل برصاص شرطي، إلا انه لا يمكن القول ان الامور ستعود الى طبيعتها ما لم تتخذ السلطات الفرنسية، اجراءات تكسب من خلالها ثقة المتظاهرين، عبر معالجة الاسباب التي ادت الى حدوث الازمة.

من الصعب جدا، القول ان انتشار مقطع مصور على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر رجل شرطة فرنسي في ضاحية نانتير غرب باريس، وهو يطلق النار على سائق سيارة، ويتسبب بمقتله، كان سببا في كل هذا الحجم الهائل من الاضطرابات التي شهدتها فرنسا خلال الايام الستة الماضية، إلا ان تكون الحادثة بمثابة القشة التي قصمت ظهر المهمشين في فرنسا.

عندما تصر الحكومة الفرنسية، على ان الشرطي عندما اطلق النار على سائق السيارة وارداه قتيلا، كان ينفذ القانون، فعليها ايضا ان تراجع مثل هذا القانون الذي يسمح بقتل شاب صغير لا لجريمة ارتكبها، الا انه لم ينتبه الى اشارة الشرطة بالتوقف، فليس هناك مثل هذا القانون القاسي والبعيد كل البعد عن القيم الانسانية، الا في فرنسا والكيان الاسرائيلي، فاذا كان لابد للسلطات الفرنسية ان تنزع فتيل مثل هذه الازمات مستقبلا عليها ان تلغي هذا القانون، وان كان الغاؤه لا ينزع فتيل جميع الازمات التي يعاني منها المجتمع الفرنسي.

الازمات التي تنخر بالمجتمع الفرنسي لا يمكن حلها بالعنف وإنزال عشرات الالاف من الشرطة وقوات الامن، واستخدام المدرعات والمروحيات والدرون و..، فمثل هذه الوسائل والاساليب، هي التي جعلت الاضطرابات تضرب 99 مدينة فرنسية، وأشعلت النيران في ما لا يقل عن 5 آلاف سيارة، كما أضرمت النيران في أكثر من 10 آلاف تجمع للقمامة، وتعرض نحو ألف مبنى للنهب والتخريب، بينها بنوك ومراكز تسوق، ورُصد 250 اعتداء على مراكز للشرطة في عموم البلاد، واصيب المئات بينهم 700 من رجال الشرطة، والقت الشرطة القبض على نحو 4 الاف متظاهر بينهم اطفال.

اذا ارادت السلطات الفرنسية ان تعيد الامن الى المجتمع عليها ان تعالج علل هذه الازمة والازمات التي سبقتها، ولا تتمسك بالمعلول وتضخمه، هربا من تحمل المسؤوالية، وفي مقدمة هذه العلل التي يجب ان تعالجها هي العنصرية التي تنخر بفرنسا، وهذه الحقيقة، كشفت عنها صحيفة لوموند ومجلة لوبس الفرنسيتان، اللتان اتفقتا على أن وقف دوامة العنف وتهدئة العلاقات بين الشرطة والشباب من أحياء الطبقة العاملة يتطلب تغييرات عميقة، تبدأ من الاعتراف أولا بما هو واضح من أن هناك عنصرية مؤسسية في الشرطة، وأخذ ذلك على محمل الجد، وجعل محاربة الشعور بالتهميش وبالإهمال من قبل أفقر السكان أولوية وطنية.

إن اختيار الحكومة إنكار فرضية عنصرية الشرطة ورفضها هو الذي يجعل ما يحدث غير قابل للفهم والتفسير، كما اكدت مجلة لوبس. وحول التجسيد العملي لهذه العنصرية كشفت لوموند، عن حجم المواد التي تخصصها الحكومة للخدمات العامة للمناطق التي يعيش فيها المهمشون، وهي اقل اربع مرات من تلك المخصصة للمناطق التي يسكنها البيض.

ومن ناحيتها، رأت لوبس أن العمل العلمي أثبت منذ أكثر من 30 عاما وجود عنصرية متنامية بشكل خاص في مؤسسة الشرطة، حيث حددت دراسة في عام 2009 حجم الظاهرة، موضحة أنه “اعتمادا على مواقع المراقبة، كان احتمال توقيف السود أكثر بنحو 3.3 إلى 11.5 مرة من البيض”، وأن العرب “تعرضوا لمخاطر أكثر بنحو 1.8 إلى 14.8 ضعف ما تعرض له البيض من التوقيف من قبل الشرطة.

وخلصت المجلة إلى أن الحريق الذي ينتشر في جميع أنحاء البلاد ليس سوى انعكاس لهذا التمييز المؤسسي مضافا إليه تخفيف شروط استخدام الشرطة للأسلحة في عام 2017، ورأت أن إخماده يمر حتما بأخذ العنصرية المؤسسية على محمل الجد.

ما كشفت عنه لوموند ولوبس، عن اسباب الازمة في فرنسا، كان جانبا من رأي العقلاء، وعلى ماكرون ان يصغي اليهم قبل فوات الاوان، اذا ما اراد لبلاده ومواطنيه العيش في وئام وسلام.

المصدر موقع قناة العالم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى