القواعد الروسية هي الهدف التالي للغرب، فالجولاني يريد موافقة الشرعية الدولية على سلطته وهذا لن يتحقّق إلّا بطرد القواعد الروسية التي لا يقبل الغرب بوجودها.
بدأ الصراع لإعادة تشكيل سوريا مع هيئة تحرير الشام وتقوم الولايات المتحدة بتوجيه العملية مؤكّدة أنّ “سوريا الجديدة لا ينبغي أن تهدّد جيرانها” فالأولوية ستكون لتأمين “إسرائيل”، وتعتبر أنقرة، الدولة الأكثر قرباً من القوات الموجودة في دمشق.
وبالرغم من شعور “إسرائيل” بالامتنان لهيئة تحرير الشام على انهيار النظام وإبعاد إيران وإغلاق خط إمداد حزب الله، فهي جعلت سوريا من دون عظام وأصبحت تحتل مساحة كبيرة في جبل الشيخ والقنيطرة وريف دمشق، وأعلن الجولاني الذي تولّى السلطة في دمش رغبته بعدم الصراع مع “إسرائيل”، ومحاولته نزع سلاح التنظيمات الفلسطينية في سوريا لم يبدُ كافياً لوقف الهجمات الإسرائيلية عليها.
الغرب لا يحرّك ساكناً.
فالمطلوب أن تصبح سوريا دولة منزوعة السلاح حتى في ظلّ دولة المعارضة،ولن يستطيع الحكم المقبل في سوريا تسليح الدولة، فهل يمكن لتركيا أن تسلّح سوريا وهل ستتمكّن من فرض سيطرتها في ظل انفتاح الحكم الجديد على الأميركيّ؟
من بين أكثر القضايا التي يتمّ تجاهلها أثناء مناقشة أسباب نجاح المعارضة، هو الدور الحقيقي لتركيا، التي عالجت الصراع في سوريا بما يتلاءم مع مصالحها ومُتطلّبات أمنها القومي ورؤيتها لدورها الجديد في الشرق الأوسط كوسيط وتشكيل مستقبل سوريا، وتعزيز موقفها في صراعها مع المشروع الانفصالي للوحدات الكردية في شمال سوريا.
التحديات كبيرة على تركيا في إدارة سوريا مما سيجعلها مسؤولة بشكل خاص عن ضمان التحوّل السوري، إنّ مُجرّد إخراج سوريا من دائرة التحالف مع أنظمة معادية للغرب مثل إيران يعتبر نصراً لتركيا وأكثر فائدة للإسرائيليين، أما إخراج روسيا فهو هدية للغرب.
لكن ما حصل في سوريا أقلق العرب من صعود جماعة الإخوان المسلمين في مصر، واستيقاظ الجماعات المتطرفة في لبنان، وتزايد قوة الإسلام السياسي في الإمارات العربية المتحدة، وإعادة إحياء “داعش” في المثلّث السني في العراق.
جاء الاجتماع الموسّع لوزراء الخارجية لمجموعة الاتصال العربية في العقبة، ليؤكّد تقديم الدعم لعملية الانتقال السياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
وطالب بوقف العمليات العسكريةـ كافة وشدّد على حماية مؤسسات الدولة ووحدة أراضيها وسيادتها وعدم الوقوع في الفوضى، وأعطى قرار دعم الفترة الانتقالية وعملية إعادة الإعمار الشرعية للحكومة المؤقتة بقيادة هيئة تحرير الشام.
رفعُ هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية، وضمان الشرعية الدولية، وإلغاء قانون قيصر، وتمهيد الطريق أمام المساعدات هي الخطوة المطلوبة.
تركيا وأميركا والكرد بينهما:
يظهر التناقض بين الولايات المتحدة وتركيا عندما يتعلق الأمر بجعل قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب شريكاً في النظام الجديد، تبدو أنقرة مستعدة للمخاطرة بقدر معيّن من التوتر لتغيير موقع “قسد”.
بعد انسحاب إيران وحزب الله، ترى أنقرة عبر وزير خارجيتها أنه على العناصر غير السورية داخل وحدات حماية الشعب، وعلى كوادر حزب العمال الكردستاني من تركيا وإيران والعراق وأوروبا، مغادرة البلاد في أقرب وقت ممكن في مرحلة أولى.
وعلى قيادة وحدات حماية الشعب بأكمله مغادرة البلاد في مرحلة ثانية، أما الكوادر غير التابعة لحزب العمال الكردستاني فعليهم العودة إلى حياتهم الطبيعية، ومواصلة حياتهم الوطنية والمساواة داخل سوريا، في وحدة تفاهم مع الإدارة الجديدة.
في الوقت الحالي، تتبع الولايات المتحدة خطة ذات شقين. الأولى إيقاف بوادر التفكّك العربي عن “قسد” الذي جاء في دير الزور.
ويحاول الأميركيون ضمان الوحدة الكردية، كذلك يفعل الفرنسيون.
أما الهدف الأساسي فهو تشكيل وفد كردي مشترك للتفاوض مع هيئة تحرير الشام في دمشق.
دعا قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي إلى الوحدة بين الأحزاب الكردية وطلب الدعم من إدارة كردستان. من الصعب على زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني أن يتخذ خطوة بتجاهل الخطوط الحمر التي وضعتها أنقرة، فهدف الوحدة الكردية المستهدفة هو الحفاظ على ما تقوله أنقرة.
طلب عبدي من الولايات المتحدة: ممارسة الضغط الكافي على أنقرة لوقف عملية “فجر الحرية” والحفاظ على الوجود العسكري الأميركي في المنطقة.
لكن وزير الدفاع التركي يشار غولر: كان واضحاً بأنه ستتمّ تصفية حزب العمال الكردستاني في سوريا في الفترة المقبلة.
وفي هذا السياق، أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصالات مباشرة مع هيئة تحرير الشام بعد الاجتماع في عمان حيث حدّد ثلاثة مبادئ تتبعها واشنطن؛
وهي حماية جميع الأقليات، تأمين أمن “إسرائيل”، وتدمير مخزون الأسلحة الكيميائية.
هذه التحوّلات تؤمّن دوراً للعالم العربي من أجل تأدية دور في سوريا الجديدة عبر الإمكانات والموارد المالية الكبيرة التي تبدو حاجة لإعادة إعمار سوريا.
هذا التحوّل، يظهر إيران وروسيا خاسرين بعد استثمارات،فطهران خسرت سوريا، وتأمين طريق بري من أراضيها عبر العراق وسوريا إلى حليفها حزب الله في لبنان.
وأصبح واضحاً أن القواعد الروسية هي الهدف التالي للغرب، فالجولاني يريد موافقة الشرعية الدولية على سلطته وهذا لن يتحقّق إلا بطرد القواعد الروسية التي لا يقبل الغرب بوجودها، والقصف الإسرائيلي لا يزال مستمراً في طرطوس ليس على القواعد الروسية إنما على كل مَواطن السلاح ومراكزه.
خسارة سوريا بالنسبة إلى روسيا، كبلد حليف تاريخياً يأتي على دورها ومكانتها في الشرق الأوسط، ويمثّل كارثة جيوسياسية لها، فروسيا تحصد التكاليف الباهظة لحربها مع أوكرانيا.
ومع هذه التحوّلات يشكّل احتفاظ روسيا بقواعدها العسكرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط حاجة، فهل ستحاول روسيا تثبيته من أجل دورها في الشرق الأوسط وأفريقيا التي يتمّ الصراع عليها.