مقالات

من بيروت إلى بعلبك: كيف تحول الأمل إلى عيد رغم مآسي الحرب؟

في ظل الأزمات والصعوبات التي تواجهها، لا تزال بيروت مدينة الحياة والصمود، تبرهن على قدرتها الفائقة على تحويل المعاناة إلى فرح.

فحتى في أحلك الظروف، تثبت العاصمة أن الحياة لا تتوقف، بل تواصل سيرها بكل قوة وعزم.

فعلى الرغم من آثار العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، والظروف الصعبة التي يمر بها البلد، أبت بيروت إلا أن تستقبل عيد الميلاد هذا العام بأجمل حلة.

شوارعها تزينت بالأضواء، وأسواقها امتلأت بالفرح، فكانت المدينة بمثابة نقطة مضيئة في قلب الظلام.

أطلق محافظ بيروت مروان عبود، ورئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير، ورئيس مجلس بلدية بيروت عبدالله درويش، ورئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشماس، الزينة الميلادية في ساحة مبنى ستاركو، بحضور عدد من الشخصيات السياسية والتجارية.

وقد كانت تلك الزينة أكثر من مجرد مظاهر احتفالية، فقد كانت بمثابة رسالة من بيروت إلى العالم بأنها لا تزال قادرة على الاحتفال بالحياة، مهما كانت الأوقات عصيبة.

وفي الوقت الذي امتلأت فيه شوارع العاصمة بالأضواء، كان سكان بيروت يخرجون للتنزه والتقاط الصور التذكارية، بعيداً عن الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تثقل كاهلهم.

فالزينة الميلادية في بيروت أصبحت مساحة روحية لكل من يبحث عن لحظات من السعادة وسط هموم الحياة.

وتراوحت مظاهر الحياة التجارية بين المحلات التجارية الكبرى والأسواق الشعبية التي شهدت حركة نشطة بشكل غير مسبوق.

فقد أكدت موظفة في أحد المحلات التجارية الكبرى في بيروت أن الإقبال على المبيعات زاد بشكل ملحوظ خلال الأيام الأخيرة، مشيرة إلى أن معظم البضائع قد نفدت من المحلات.

أما صاحب أحد محلات الهدايا في منطقة الحمرا، فقال إن الحركة التجارية قد انتعشت رغم الأوضاع الصعبة، مضيفاً أنهم قرروا تمديد ساعات العمل لتلبية الطلب المتزايد.

من جهة أخرى، كانت مدينة بعلبك تعيش أجواء مغايرة تماماً. في هذا العام، غابت أجواء الاحتفالات عن المدينة، حيث كانت شوارعها تفتقر إلى الزينة الميلادية التي اعتاد أهلها على رؤيتها.

فقد غابت شجرة الميلاد التي كانت تزين ساحة المطرانية، واستبدلت بأجواء من الحزن والتأمل.

ففي ظل العدوان الإسرائيلي، شعر الجميع في بعلبك، مسيحيين ومسلمين، بضرورة التضامن مع بعضهم البعض، وكان هذا التضامن بارزاً في غياب الزينة في الشوارع، تعبيراً عن احترام مشاعر الذين ما زالوا يعيشون آثار العدوان.

ويقول أحد التجار في بعلبك، الذي يملك محلاً صغيراً لبيع شجرة الميلاد وزينتها، إنه في هذا العام شهد تراجعاً كبيراً في الطلب، مشيراً إلى أن معظم الزبائن كانوا يمرون بخوف وحزن، مما جعل الإقبال ضعيفاً جداً على شراء الهدايا والديكورات الميلادية.

كما أكد أن زبائنه كانوا يفضلون الشراء للزينة الداخلية للمنازل أكثر من تلك الخارجية، وهذا يظهر عمق الجراح التي لا تزال تنزف في قلب بعلبك.

ورغم غياب الزينة في شوارع المدينة، كان هناك بصيص من الأمل يلوح في الأفق من خلال الجهود المبذولة لإعادة الحياة إلى شجرة الميلاد في دير سيدة المعونات للرهبنة المارونية، حيث بذل الأب شربل طراد محاولات حثيثة لإصلاح الشجرة التي تعرضت للتدمير خلال العدوان.

وعلى الرغم من الظروف القاسية التي يمر بها أهل بعلبك، إلا أنهم لا يزالون يتشبثون بالأمل، متوقعين أن تحمل الأعياد معها بشائر الأمن والسلام.

وفي المقابل، كان القادة الروحيون في بعلبك قد قرروا أن تكون الزينة هذا العام محصورة في داخل الكنائس، احتراماً لأرواح الشهداء الذين سقطوا نتيجة العدوان، وللتعبير عن تضامنهم مع الذين يعانون من الحزن والخسائر.

فغياب الزينة الخارجية كان بمثابة تعبير عن مشاركة أهل المدينة في آلام بعضهم البعض، وأن معنى العيد الحقيقي هو في التفاعل مع مشاعر الآخرين.

بينما بيروت كانت تنبض بالحياة والألوان، كانت بعلبك تغرق في صمت الحزن، ولكن الأمل لا يزال ينبض في قلوب أهلها.

ففي بيروت، كانت الأضواء تزين الشوارع في احتفالات تعكس إصرار المدينة على الحياة، بينما في بعلبك، كان غياب الزينة يعكس تضامن أهلها مع بعضهم البعض في وجه مآسي الحرب.

ولكن في النهاية، وفي كلا المدينتين، يبقى العيد رمزاً للأمل، مهما كانت الظروف.

امل سيف الدين – الديار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى