مقالات
الأمن المائي مهدّد … وإنذار أخير قبل وقوع الكارثة!
يعاني لبنان منذ سنوات من أزمات متتالية تتفاقم تردداتها الاجتماعية يوماً بعد يوم ، من دون بوادر للحل تلوح في الأفق، وكأن هذه البلاد محكومة بالأزمات والحروب.
فإضافة الى الأزمة الاقتصادية الخانقة، وتدهور العملة المحلية، ومستويات التضخم غير المسبوقة، والأزمات الأمنية المتلاحقة، والنزوح من دول الجوار، وانفجارمرفأ بيروت “كارثة العصر”، إلى الحرب “الإسرائيلية” التدميرية على البلاد، كلها أزمات قديمة متجددة.
وكأن هذه الأزمات والتهديدات الأمنية والمعيشية لا تكفي اللبنانيين، لتضاف إليها أزمة شح المياه التي تفاقمت، على الرغم من إطلاق التحذيرات منها منذ عدة أعوام، فمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان أصدرت بيانا اعلنت فيه عن أزمة مياه في المناطق كافة الواقعة في نطاق صلاحيتها، لا سيما كسروان والمتن والعاصمة بيروت، بسبب انخفاض مستوى مياه الينابيع بشكل كبير، كما مستوى المياه داخل الآبار، إضافة إلى شبه انعدام المياه في كل من سد شبروح وبحيرة بقليع، معللة ذلك بضآلة المتساقطات.
الجدير بالذكر أن لبنان يعتبر من أثرى الدول العربية بالمياه، لذلك يطلق عليه “بلد المياه” في منطقة الشرق الأوسط ، لانفراده بموقع جغرافي مميز، كونه يضم حوالى 40 مجرى مائيا، والمصنف كثالث بلد عربي في غزارة الثروة المائية.
أزمة المياه تهديد حقيقي
يمس كل جوانب الحياة
أزمة المياه في لبنان اليوم ليست مجرد أزمة بيئية، بل تهديد حقيقي يمس كل جوانب الحياة، حتى باتت محور أحاديث الناس في مجالسهم، فالكل أجمع على قول واحد ” لا يكفي ما نحن عليه، لتأتي أزمة المياه لتخنقنا أكثر فأكثر”.
ومن المعلوم لدى الجميع أن المواطن يدفع فواتير بالجملة للدولة، ولأصحاب الصهاريج، ولمياه الشرب، وربما للري أيضاً. فعدم توافر المياه في الصنابير المنزلية على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، جعل المواطن يتوجه إلى بدائل مائية من مصادر غير رسمية، معتمدا على الصهاريج “التي ظهرت للمرة الأولى في السبعينيات”، لتلبية احتياجاته اليومية.
والدولة لم تفعل للمواطن أي شيء، فهي لا تفكر إلا بالمشاريع الكبيرة التي تخدم مصالحها الشخصية كإنشاء السدود مثلاً، وتتعدى كلفة السد الـ 300 مليون دولار أو أكثر، وينتهي الموضوع بآبار إرتوازية معظمها جاف أو مملح، كسد المسيلحة على نهر الجوز مثلا، الذي يهدر عليه سنويا أموال طائلة دون فائدة تذكر.
ووفقا للصندوق العالمي للحياة البرية، فإن 3 في المئة فقط من مياه العالم عذبة، وثلثاها مجمدة أو غير متاحة للاستخدام بأي شكل آخر، ما أدى إلى افتقار وصول 1.1 مليار شخص عالميا إلى المياه، بينما يجد 2.7 مليار شخص في المياه ندرة لمدة شهر واحد على الأقل من العام.
“الطاقة”: ندرة المياه
أزمة عالمية كبرى
مصدر في وزارة الطاقة والمياه أكد أن الوزارة “أعلنت عن خطط لتجديد شبكات المياه، ولكن تنفيذ هذه الخطط يواجه تحديات مالية ولوجستية كبيرة”، إذا التخطيط أصبح بلا جدوى”.
وشدد على ان “أزمة المياه تحولت إلى أزمة حقيقية بعد تدمير شبكات المياه في مناطق لبنانية عديدة جراء الغارات “الإسرائيلية”، تلك الشبكات التي تعاني اصلا من تدهور شديد، حيث يقدر أنّ حوالى 50% من المياه تضيع بسبب التسربات في الأنابيب القديمة، مما يزيد في تفاقم الأزمة بشكل كبير، فمشاهد الأنابيب المتفجرة والمياه المهدرة في الشوارع باتت مألوفة في العديد من المدن اللبنانية”.
واكد المصدر “ان ندرة المياه أزمة عالمية كبرى تؤثر في المليارات من الناس حول العالم، ناتجة من عدة عوامل، بما في ذلك تغير المناخ، ناهيك بالتلوث وسوء إدارة الموارد المائية بالإفراط في استخدامها، إضافة إلى التوسع السكاني وزيادة الطلب على المياه، والبنية التحتية المهترئة والتسربات و تلوث المصادر المائية.
خبراء بيئيون يطرحون حلولا
خبير البيئة الدكتور سمير حداد، أكد أن “التغيرات المناخية وسوء الإدارة المائية، هي العوامل الرئيسية التي قادت البلاد إلى هذا الوضع، ونحن نتجه نحو كارثة مائية حقيقية إذا لم تتخذ إجراءات جذرية وسريعة”.
بدوره، كشف الخبير البيئي ورئيس حزب “البيئة العالمي” البروفيسور ضومط كامل، “أن الأمن المائي مهدد بسبب عدم تساقط كميات الثلوج والأمطار المطلوبة، لتغذية مياه الينابيع والمياه الجوفية، ونشهد اليوم شحاً في مناطق وسدود عديدة في لبنان، وأبرزها سد شبروح الذي بات فارغاً اليوم، والينابيع التي تقلصت فيها كمية المياه بنسبة 60%.”، ويعاني لبنان من انخفاض حاد في معدلات هطل الأمطار، حيث تراجعت الأمطار بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بالسنوات السابقة.
لبنان يتجه نحو كارثة مائية حقيقية إذا لم تتخذ إجراءات جذرية وسريعة، فبحسب البروفيسور كامل يمكن الاعتماد على الحلول الاتية:
– تحسين كفاءة المياه: يمكن القيام بذلك عن طريق استخدام أنظمة الري بالتنقيط وإصلاح التسربات واستخدام الأجهزة الموفرة للمياه.
– تحلية المياه: وتشمل إزالة الملح من مياه البحر، والتي يمكن أن تكون مصدرًا للمياه العذبة في المناطق الساحلية.
– إعادة استخدام المياه وإعادة تدويرها: يمكن القيام بذلك من خلال تقنيات مثل إعادة استخدام المياه الرمادية، والتي تتضمن استخدام مياه الصرف المنزلية، لأغراض غير صالحة للشرب مثل الري.
– إدارة المياه الجوفية: تتضمن تنظيم استخراج المياه الجوفية لضمان استخدامها على نحو مستدام.
– إدارة مياه الأمطار: يتضمن ذلك جمع مياه الأمطار وتخزينها لاستخدامها لاحقًا، مما قد يساعد في التخفيف من آثار الجفاف.
– الحد من هدر المياه: يمكن أن تساعد الأشياء البسيطة مثل إصلاح التسربات، والاستحمام لفترة أقصر، واستخدام مكنسة بدلاً من خرطوم لتنظيف الممرات في الحفاظ على المياه.
– التثقيف بشأن الحفاظ على المياه: يمكن أن يساعد تعليم الناس حول أهمية الحفاظ على المياه وكيفية الحفاظ على المياه في تقليل الاستخدام العام للمياه.
لتحرك سريع وجذري
إذا يواجه لبنان اليوم تحديا كبيرا يتطلب تحركا سريعا وجذريا لإبعاد شبح الجفاف، الذي يهدد الحياة اليومية لكل مواطن، والمسؤولية تقع على الجميع للتصدي لهذه الأزمة، التي ربما تكون الإنذار الأخير قبل حلول الكارثة، لذا على المسؤولين التحرك واتخاذ قرارات سريعة تؤدي إلى حلول أقل كلفة وأكثر فعالية، أو لا حياة لمن تنادي، وتصبح المياه سلعة نادرة يتنازع عليها الجميع.
ربى ابو فاضل- الديار