مقالات

أي إنجازات لمعركة “طوفان الأقصى” بعد عام على انطلاقتها!

لا يختلف عاقلان على أن الأحداث الكبرى على مر التاريخ تحمل في طيّاتها العديد من الإنجازات والخسائر، إذ لا يوجد فعل ما، مهما علا شأنه، قد اقتصرت تأثيراته وتداعياته على الإنجازات فقط، بل إن هناك جملة من الإخفاقات والخسائر رافقته أثناء حدوثه، وهو أمر طبيعي ولا يقلّل من كفاءة أو جدارة ذلك الفعل.

ربما يستغرب البعض لماذا أبدأ بهذه المقدمة التي تبدو متشائمة نوعاً ما، والتي تناقض عنوان المقال الذي يتحدث عن الإنجازات، إذ يعود هذا الأمر إلى رغبتي في أن أكون واقعياً ومنسجماً مع الواقع، خصوصاً أن هناك كثيرين ممن يمكن أن يختلفوا معي في تقييم ما جرى خلال السنة الفائتة، التي شهدت تطورات وتغيّرات بدت في بعضها دراماتيكية، وكشفت عن مواقف وتحالفات ربما كان ينكرها البعض أو، على أقل تقدير، يقلّل من تأثيراتها ونتائجها.

في صباح السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، جرى ما لم يُكن متوقّعاً، وحدث ما لم يُكن في حسبان أحد، سواء في المنطقة أو في العالم، حيث نفّذ المئات من مقاتلي كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وتبعتهم بقية مقاتلي فصائل المقاومة هجوماً كاسحاً على مستعمرات غلاف غزة كافة، والتي تعجّ بعشرات المواقع العسكرية الإسرائيلية المتقدّمة، التي يرابط فيها المئات من جنود الاحتلال الذين يخدمون تحت إطار ما تُسمّى “فرقة غزة “،وهي المسؤولة عن تأمين الشريط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة من جهة، وبين الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 من جهة أخرى، وتبلغ نحو 60 كلم تحدّ القطاع الصغير من جانبيه الشمالي والشرقي.

في ذلك الهجوم الدراماتيكي، تساقطت كل الكتائب العسكرية لـ”جيش” الاحتلال، ودخلت في حالة من اللاوعي لما يجري، ودخلت معها “الدولة” العبرية في دوامة من الشك واللايقين حول قدرتها على التصدّى لما جرى، إذ احتاجت حينها إلى تدخّل سريع من أكبر قوة عسكرية في العالم، وحليفتها الموثوقة الولايات المتحدة الأميركية، ومن ورائها بقية دول حلف الشر مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها الكثير.

وحتى لا نُعيد سرد الأحداث التي جرت في تلك الفترة بتفاصيلها والتي بات الجميع يعرفها، نريد أن ننتقل مباشرة إلى إبراز ما نتج من تلك المعركة التاريخية سواء من حيث الخسائر، أو من حيث الإنجازات، وهي ليست متعلّقة بما وقع في ذلك اليوم فقط، بل بما جرى خلال عام كامل من المواجهة والصمود والتضحيات التي قدّمها الشعب الفلسطيني البطل، وما رافق ذلك من جبهات الإسناد والمشاغلة في المنطقة، والتي تحوّلت خلال الأسبوعين الأخيرين إلى جبهات مواجهة مباشرة كما يجري حالياً في لبنان.

في ما يخص الخسائر هناك نوعان منها: الأول الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بصفوف الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة المحتلة، إلى جانب تلك التي وقعت في جبهات الإسناد الأخرى، وهي خسائر، على الرغم من فداحتها، فبالإمكان تعويضها وتجاوز آثارها، أما الثانية فهي تتعلّق بالمواقف والمبادئ والأهداف، وهي من دون أدنى شك، أكثر أهمية من الأولى، إذ يمكن أن تؤثر في مجمل الوضع الفلسطيني، لا سيّما في ما يتعلّق بمشروع المقاومة، والذي ثبُت خلال تاريخ الصراع الطويل مع المحتل بأنه أقصر الطرق وأكثرها نجاعة لمواجهة صلف “الدولة” العبرية وجبروتها، وهو الوحيد القادر على إفشال مخططاتها وإسقاط رهاناتها، بعد سقوط الرهان على ما سمّي زوراً بمفاوضات السلام، والتي لم تجلب على الشعب الفلسطيني إلا مزيداً من البؤس والمعاناة والفقر والانقسام.

على مستوى الخسائر البشرية والمادية، كانت الفاتورة التي دفعها الفلسطينيون مرتفعة للغاية، إذ سقط منهم حتى الآن أكثر من 50 ألف شهيد، إضافة إلى نحو مئة ألف جريح، إلى جانب دمار هائل في المنازل والبيوت والمنشآت الصناعية والتجارية، والبنى التحتية بمختلف أنواعها، والمؤسسات الخدمية والصحية والتعليمية والإغاثية وغيرها، إذ قدّرت المؤسسات الدولية حجم الدمار الكامل في القطاع الصغير بنحو 60%، فيما تضررت النسبة الباقية بشكل جزئي بليغ وأخرى بشكل جزئي طفيف.

هذه الحال تكرّرت وإن بشكل أقل في مدن الضفة المحتلة، لا سيّما الشمالية منها، وفي جبهة المقاومة اللبنانية أيضاً، خصوصاً في الأسابيع الأخيرة، بالإضافة إلى بعض الخسائر في الجبهات اليمنية والعراقية.

على مستوى النوع الثاني من الخسائر والمتعلّق بالمبادئ والأهداف، فلم يُلحظ الكثير منها، على الرغم من ضراوة العدوان وطول مدّته، إذ تمسّكت المقاومة الفلسطينية وحلفاؤها في الإقليم بجملة الأهداف التي رفعتها منذ بداية الطوفان، والتي تمحورت حول حصول الشعب الفلسطيني على حياة كريمة كبقية شعوب العالم، ورفع الحصار الظالم عنه، بالإضافة إلى الإفراج عن آلاف الأسرى الذين مضى على عدد كبير منهم عشرات السنين في السجون الإسرائيلية، هذا بالإضافة إلى جملة الأهداف والمطالب الأخرى مثل إعادة الإعمار، وانسحاب كامل لـ”جيش” الاحتلال من قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإغاثية بمختلف أنواعها، وعودة النازحين والمهجّرين قسراً إلى مناطق سكناهم في شمال القطاع.

المصدر: الميادين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى