أخبار لبنان

هل تخلّى الجولاني حقاً عن ماضيه في القاعدة؟

صحيفة “بوليتيكو” الأميركية تنشر مقالاً تحدّثت فيه عن أبي محمد الجولاني، أو أحمد الشرع، الذي ارتبط في الماضي بتنظيم القاعدة، وعمّا إذا كان حقاً تخلّى عن هذا المسار، وسينتهج مساراً معتدلاً.

جيمي ديتمر

في الماضي غير البعيد، كان زعيم القوات المسلّحة السورية أبو محمد الجولاني يطلق لحية طويلة غير مشذّبة، ويرتدي عمامة يفضّلها الجهاديون، وبدا وكأنّه يختبر انتحال أداء دور أسامة بن لادن مؤسّس تنظيم “القاعدة”.

لكن، الجولاني الذي أطاح بالنظام السوري يقدّم صورة مختلفة تماماً عنه الآن. مثل الحرباء السياسية، يرتدي الملابس الزيتية العسكرية على نمط الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ولحيته مشذّبة بدقة. حتّى إنّه تخلّى مؤخّراً عن اسمه الحركيّ، وعاد إلى استخدام اسمه الحقيقي أحمد حسين الشرع.

فإلى أيّ مدى هذا التحوّل مقنع للسوريين؟ وكم يتوجّب عليهم القلق من أنّ الرجل الذي تعهّد ذات مرّة بالولاء والبيعة لتنظيم “القاعدة”، وشارك في القتال في العراق، هو الآن أقوى رجل في بلادهم، ويستعدّ لتأدية دور رئيسيّ في الانتقال من الحكم الواحد الذي دام 54 عاماً لعائلة الأسد، وهل هو قادر على قيادة البلاد، وهل تغييره الملابس كافٍ لتظهر ماهيّة الرجل حقّاً، وهل كان انفضاضه عن دراسة الطبّ في دمشق لأجل “الجهاد” مسألة ثانوية، أم أنّ اعتناقه للتسامح الآن خدعة؟

هذه هي الأسئلة التي يتصارع معها القادة والمسؤولون الغربيّون أيضاً، وهم يخطّطون للمرحلة التالية. وكانت فرنسا وألمانيا قد وافقتا فوراً على العمل مع جماعات المعارضة السورية التي استولت على السلطة في دمشق، في حين تبحث الولايات المتحدة وبريطانيا ما إذا كانتا ستشطبان “هيئة تحرير الشام”، عن لائحة المنظّمات الإرهابية.

الجميع يراقبون الآن وينتظرون، ويجمعون أدلّة تساعد على تفسير من هو الجولاني فعلاً وما الذي يخطّط له في سوريا، وإلى أيّ خيار سوف يتوجّه بين نظام ديمقراطي يمثّل جميع المكوّنات الاجتماعية ويحتضن تنوّع البلاد وطوائفها الدينية والعرقية، أم دولة تضطهد وتقيّد وترفع من شأن جماعة على حساب كلّ الآخرين، أو أنّهُ سيختار موقعاً بين الخيارين في مكان ما بينهما.

النضج أم التنكّر؟

يصرّ الجولاني البالغ من العمر 42 عاماً، على تكرار تصريحاته الأخيرة في محاولة منه لتهدئة المخاوف. وفي مقابلة مع شبكة “سي أن أن” الأميركية، سعى مع اقتراب قوّاته من العاصمة السورية دمشق في الأسبوع الماضي، إلى النأي بنفسه عن ماضيه المتطرّف وعلاقاته بزعيم تنظيم “القاعدة” أبي مصعب الزرقاوي وأمير تنظيم “داعش” سيّئ السمعة أبي بكر البغدادي وتجربته الحربية في العراق حيث سجن.

يقول الجولاني في المقابلة: “ستكون للشخص في العشرينات من عمره شخصية مختلفة عن شخص في الثلاثينيات أو الأربعينيات أو في الخمسينيات، هذه هي الطبيعة البشرية”.

وأكّد الجولاني أنّ “الأقلّيات” ليس لديها ما تخشاه، وبرّر انتهاكات “هيئة تحرير الشام” للحقوق في أثناء حكمها لجيب إدلب، بإلقاء اللوم “على أفراد معيّنين خلال فترات الفوضى، لكنّنا عالجنا هذه القضايا”.

وأضاف أنّه “لا يحقّ لأحد محو مجموعة أخرى، فهذه الطوائف تعايشت في هذه المنطقة منذ مئات السنين، ولا يحقّ لأحد أن يقضي عليها”.

كذلك، عزّز قائد آخر للمسلّحين رسالة التسامح هذه هو أنس الصلخدي، وقال للتلفزيون السوري الحكومي: “رسالتنا إلى الطوائف كلها هي أنّ سوريا للجميع”.

مع ذلك هناك إشارات تحذيرية من بينها، ما يقوله إدموند حسين لصحيفة “بوليتيكو”، وهو زميل بارز في “مجلس العلاقات الخارجية”، وأحد كبار مستشاري رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير من عام 2014 إلى عام 2017، إنّ “هناك الكثير ممّا لا يزال غامضاً بشأن الجولاني. ولا نعرف، ولا يمكننا حتّى التحقّق، من مكان ميلاده.

يقول البعض إنّ المملكة العربية السعودية كانت مسقط رأسه، ويزعم آخرون أنّه ولد في مدينة دير الزور في سوريا، والأسوأ من ذلك أنّنا لا نعرف عدد الأميركيين والعرب الذين قتلهم كقائد في تنظيم القاعدة”.

ويضيف حسين معرباً عن قلقه أنّ “كلّ ما يدور في واشنطن من حديث عن شطب اسمه ومجموعته من القائمة هو حديث متسرّع وخطير.

وتصريحاته الأوّلية عن التعدّدية مشجّعة. لكنّني أشك في أنّه وحركته من المتطرّفين سوف يلبّون التوقّعات بشأن سوريا المتنوّعة المتناغمة”.

النصر للأمّة الإسلامية كلّها

لم يكن اختيار الجولاني للمسجد الأموي في دمشق لإلقاء خطاب النصر بعد سقوط النظام صدفة. وقد كان بوسعه أن يختار مكاناً حياديّاً أو مدنياً، لكنّه لم يفعل. ورغم أنّه انتقد “نشر الطائفية”، فإنّه ربطها بالشيعة وإيران فقط. كما تجاهل التحدّث عن الاعتدال والتعددية كما فعل في مقابلته مع شبكة “سي أن أن”، وقال إنّ “هذا النصر للأمّة الإسلامية كلّها، وقد ولد من رحم قوم عانوا في السجون”.

لكنّ عناصر قوات الجولاني لا يلتفتون إلى العلمانيين السوريين الأكثر اعتدالاً، والذين كانوا يتصدّرون الوجه العامّ للتمرّد ضدّ النظام. ويشعر هؤلاء الناشطون المؤيّدون للديمقراطية بالقلق إزاء ما تخبّئه “هيئة تحرير الشام” للبلاد.

ويخشى بسّام القوتلي، رئيس “حزب أحرار” السوري، من أن تكرّر القوى الغربية أخطاء الماضي من خلال إعطاء الأولوية للاستقرار على حساب الديمقراطية.

ويقول إنّه “حتّى النظام القديم قبل الثورة، كان ينظر إليه في الغرب باعتباره شريكاً جيّداً”.

ويعتبر القوتلي أنّ الجولاني براغماتي، ويراها صفة جيّدة، “لكنه يلعب لعبة، في الأساس، مع قضية الأقلّيات. ولسوء الحظّ، هذا ما تركّز عليه العديد من وسائل الإعلام الغربية، وقد يكون الجولاني صادقاً، ولكن إلى أيّ مدى ليس واضحاً”.

القلق الأكبر الذي يساور بسّام القوتلي هو أنّ سوريا لن تتحرّك نحو الديمقراطية الحقيقية في ظلّ حكم الجولاني. وقال: “لم أرَ في التاريخ العديد من القادة العسكريين الذين يتولّون السلطة على استعداد للتخلّي عنها بسهولة. ولا أتوقّع أيّ شيء مختلف.

وحقيقة أنّه عيّن رئيس وزراء بقرار منه وحده، تشير بقوّة إلى أنّه يتصرّف باعتباره الزعيم الأوحد. أنا لست متفائلاً للغاية بشأن عملية نهوض شاملة في الأساس.

وأخشى أن يسارع المجتمع الدولي إلى الاعتراف بحكومة جديدة باسم الاستقرار على أمل إعادة اللاجئين، ممّا يعني فقدان الحافز المتمثّل في أن يكون الحكم متعدّداً”.

تغيير الولاءات

لا يستطيع المعتدلون المؤيّدون للديمقراطية في سوريا التخلّص من ذكرياتهم، حين ظهر الجولاني للمرّة الأولى في شمال سوريا الممزّقة بالحرب الفوضوية، ليؤسّس “جبهة النصرة”، الفرع السوري لتنظيم “القاعدة”.

في البداية، حافظت مجموعته على تحالف مع تنظيم “داعش” بقيادة أبي بكر البغدادي، ثمّ سعى للابتعاد بشكل متزايد عن أيديولوجية الجهاد العابر للحدود الوطنية، وبدأ في تأطير توجّهه على أنّه نضال قومي إسلامي. فبدأت الصدامات بين الحليفين “الجهاديّين”، وتنافس كلّ منهما للتفوّق بتنفيذ عمليات اغتيال انتقامية، في ظلّ الولاءات المتصدّعة والصراعات الصغيرة التي خلقتها الحرب الوحشية في سوريا.

وكان الجولاني قد قال في مقابلة صحافية في عام 2014، إنّه يريد أن يرى سوريا تحكمها الشريعة الإسلامية، وأكد أنّه “لن تكون هناك مساحة كبيرة للأقلّيات العلوية والشيعية والدرزية والمسيحية في البلاد”. كذلك حذّر في تلك الفترة المدنيين الأميركيين والأوروبيين، وقال: “لن يدفع قادتكم ثمن الحرب وحدهم، بل أنتم ستدفعون الثمن الأعلى، ما لم تتوقّف الغارات الجوّية في سوريا، وتنسحب أميركا من الشرق الأوسط، فإنّ تنظيم القاعدة سينقل المعركة إلى دياركم”.

في عام 2016، قطع الجولاني علاقاته بتنظيم “القاعدة”، وأطلق على مجموعته اسم “جبهة تحرير الشام”. وحقيقة أنّ تنظيم القاعدة قَبِل هذا القطع للعلاقات من دون إدانته أثارت شكوك البعض، في أنّ الجولاني أقنع رؤساء الجهاديّين بأنّ استراتيجية سرّية وتدريجية قد تكون أكثر ملاءمة لسوريا.

انتقال محفوف بالمخاطر

لكن السؤال حول ما إذا كان الجولاني و”هيئة تحرير الشام” قد تركوا خلفهم جذورهم المتطرفة حقاً. يقول جوليان بارنز ديسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنّ “هناك بالطبع مخاطر حادة بالنسبة للأوروبيين، فالتحوّل الدرامي في سوريا أثار صدمة مرحّباً بها، ولكن حالة من عدم اليقين العميق أيضاً. وهناك مخاوف بشأن الطبيعة الإسلامية لجماعة الجولاني، واحتمال حدوث فوضى جديدة وعنف ونزاع على السلطة تؤدي إلى التفتّت.

ويخشى كثر أن تكون “هيئة تحرير الشام” قد خضعت لتجديدات تجميلية، حيث غيّرت ملابسها، ولكنها لم تغيّر ما تخفيه، وهو قلب متطرّف متشدّد. ويقول الدبلوماسي الأميركي السابق ألبرتو فرنانديز، إنّ “الثقة بالجولاني تشبه إلى حد كبير النكتة الشهيرة التي أطلقها أوسكار وايلد عن الزواج الثاني باعتباره انتصار الأمل على التجربة”.

حسين قطايا-الميادين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى