انبثقت عن القمّة العربية ـــــ الإسلامية، التي دعت إليها وترّأستها المملكة العربية السعودية لبحث تطوّرات الأوضاع في قطاع غزة ولبنان، مقرّرات اعتبرت بمثابة رسالة إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، تؤكّد مطالبة القمّة مجلس الأمن الدولي بقرار ملزم لوقف إطلاق النار في غزة، وحظر تصدير أو نقل الأسلحة إلى “إسرائيل”، واتهامها بارتكاب إبادة جماعية.
أكدت المقرّرات أن لا سلام مع الكيان قبل انسحابه حتى خط الرابع من حزيران/يونيو 1967، وحمّلت “إسرائيل” مسؤولية تراجعها عن الاتفاقات التي توسّطت من خلالها كلّ من قطر ومصر من أجل إطلاق الرهائن ووضع حدّ للحرب في غزة.
لا يبدو أنّ الرسالة قد وصلت إلى الرئيس الأميركي فهو يستعدّ للعودة إلى البيت الأبيض بعد انتخابه للمرة الثانية، مع وعود حملته الانتخابية بإنهاء الحروب في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط، بأسماء تنتمي إلى “المسيحية الصهيونية” لتولّي زمام القيادة في الإدارة الجديدة. هذه المجموعة ترى أنّ مستقبل الولايات المتحدة يعتمد على حماية “الدولة” اليهودية. تمّ اختيار وزير للدفاع، من المحافظين المتطرّفين وهو يعتبر الصهيونية والأميركية الخطوط الأمامية للحضارة والحرية الغربية”.
وأصبح القسّ الإنجيلي المتطرّف مايك هوكابي سفيراً لـ “إسرائيل”، وهو مؤيّد شرس لها ويرى أنه “لا يوجد شيء اسمه الضفة الغربية، إنها يهودا والسامرة ولا تسوية في هذا المضمار.
أما السيناتور ماركو روبيو الذي تمّ ذكره في وزارة الخارجية فهو أيّد الإبادة الجماعية، واعتبر أنّ الصين تعمل بقوة مع إيران وفنزويلا، ويرى أنه ينبغي إعلان الحرب على إيران إذا تجاوزت العتبة النووية. أما ممثّل ترامب الخاص للشرق الأوسط، فهو لا يتمتع بخبرة في سياسة الشرق الأوسط إلا أنه مؤيّد شرس لـ “إسرائيل”، يعتبره ترامب صوتاً من أجل السلام والبناء وخياراً مناسباً لنهج يعتمد على الحوافز والبرامج الاقتصادية بعد مرحلة العملية العسكرية الثقيلة.
يبدو أنّ مشروع ضمّ الضفة مقابل وقف إطلاق النار في غزة ولبنان هو المشروع المتقدّم عند نتنياهو الذي قام بتعيين شخص مناسب لهدف الضمّ، وهو يحيئيل ليتر في سفارة واشنطن الذي قتل نجله موشيه ليتر في الحرب ضدّ غزة العام الماضي.
وكان نتنياهو قد أرسل وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر إلى فلوريدا لعرض خططه بشأن غزة ولبنان وإيران على ترامب، الذي يتضمّن احتلال جزء من الضفة الغربية، وجزء كبير من غزة مقابل وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى غور الأردن. وتأتي المستوطنات الواقعة بين القدس وبيت لحم في المرتبة الأولى في خطة الضمّ.
ويطالب ديرمر بحقّ “إسرائيل” في مهاجمة لبنان متى ترى الأمر مناسباً ومراقبة أجوائه براً وبحراً وجواً، بالإضافة إلى مهمة موسّعة للأمم المتحدة لنزع سلاح حزب الله وتدمير بنيته التحتية.
هل لمقرّرات القمّة العربية الإسلامية أيّ مكانة في حسابات ترامب؟
لا يبدو أنّ هناك فرصة حقيقية لتحقيق السلام الذي وعد به ترامب، هو يريد إغلاق صفحة الحرب وتتويج اتفاقيات إبراهيم مع السعودية وفتح الخطوط الاقتصادية. في المقابل، نتنياهو يأخد الأمور جميعها إلى دائرة الحرب والصراع.
ماذا سيفعل ترامب بكلّ هذه الإدارة التي تدعم الاحتلال والاستيطان والمعادية لإيران؟ هذا الكادر يوحي بالاستعداد لحروب غير متناهية، هل سيتمّ إنهاء الحروب على أيدي الصقور؟
معادلة الشرق الأوسط معقّدة وهذه الطريقة في العمل لا تتناسب معها، لا يمكن أن يحدث أيّ سلام من دون إنشاء معادلة الأخذ والعطاء. استراتيجية الضغوط القصوى التي سينتهجها ترامب، لن تؤدّي إلى نجاح أيّ خطة لإنهاء الحروب. خلال فترته الأولى كانت إيران وجيرانها في صراع خطير لكن خلال السنوات الثلاث التي مضت تمّ تحقيق تقارب، نشأت أوضاع تقلّل من عدد الشركاء المحتملين لخارطة طريق ترامب. مع هذا الفريق، قد يضطرّ ترامب إلى إعادة النظر في بعض الأمور أو سيصطدم بالحرب.
ما هو موقف إيران من تعيين فريق أولويّته محاصرتها؟
أتت تصريحات علي لاريجاني، وهو الرئيس السابق للبرلمان الإيراني وأحد المرشحين للانتخابات الرئاسية وكبير مستشاري المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي، لتوضح رأياً ساد في إيران عشية انتخاب ترامب لولاية ثانية مؤدّاه وجوب اتباع “أقصى درجات العقلانية” والابتعاد عن الردود العاطفية “غير المدروسة”، عند مناقشة الردّ الإيراني على الهجوم الجوي الإسرائيلي الأخير على إيران.
يعكس هذا التصريح دقّة في قراءة المتغيّر بفوز ترامب، وكان ملاحظاً دعوة مسؤولين إيرانيين ومنهم وزير الخارجية عباس عراقتشي بضرورة “مراجعة العقيدة النووية لإيران”، وكأننا أمام دعوة إلى بناء مشروع استراتيجي للردع المتبادل مع “إسرائيل”.
كان ترامب قد أطلق تصريحات تعبّر عن استعداده لتطبيع العلاقات مع إيران، إن هي التزمت بالابتعاد عن “القنبلة” النووية. فهل يمكن لطهران استبدال سياسة التحدّي والتصعيد في مواجهة إدارة يمينية متطرّفة؟ وهل ستتعامل بحذر مع محاولات نتنياهو و”إسرائيل”، جرّ الولايات المتحدة، تحت قيادة ترامب، لتوجيه ضربات “قاتلة” لبرنامجيها النووي والصاروخي؟
ترامب في الوقت عينه هدّد إيران بالابتعاد عن “القنبلة”، والالتزام بالمقرّرات الدولية. من الواضح أن ترامب ووزير خارجيته روبيو سيعملان على فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية، على قطاعي النفط والبتروكيماويات، الأمر الذي يمكن أن ينعكس على تمويل حلفائها. المدخل بالنسبة لترامب هو المدخل المالي، وقد يعيد بعض العقوبات التي رفعها بايدن.
بهذه الطريقة يودّ ترامب إيصال رسالة لدول المنطقة بأنّ الولايات المتحدة عادت من جديد لتؤدّي دورها كعنصر فاعل، لكن من يضمن تحقيق السلام مع صقور سياساتهم قد تؤدي إلى عكس ما أعلن عنه ترامب. إيران ستراقب وتدرس خطواتها بعقلانية فهي دولة محكومة بالعلاقات الدولية ومن بينها أميركا.
الميادين