حزب الله – إسرائيل: من الحدود إلى وراء خطوط العدو
سياسة في الواجهة نقولا ناصيف الثلاثاء 6 آب 2024
لا احاديث عن ردّيْ ايران وحزب الله على اسرائيل، بل عن موعديْهما. يكاد يكون التساؤل هذا هو الحدث في انتظار الساعة الصفر. تتصرف الجمهورية الاسلامية وحليفها اللبناني على انهما يمسكان بالزمام.
يتلاعبان بأعصاب المنطقة برمّتها والغرب وصولاً الى الاميركيين، لا بالدولة العبرية وحدها
في حسبان ايران وحزب الله ان عقارب الساعة بين ايديهما فقط. يؤخرانها او يستعجلانها.
يُمسكان بزر إشعال المنطقة او اطفائها والخوف على اسرائيل لا الخوف منها.
من جرائها تُبرَّر حال الذعر مرة، والاستنفار اخرى، والقلق ثالثة في الساعات المنصرمة كما تلك المقبلة، كما لو الرد الايراني اولاً وشيك.
سفارات الغرب قلقة على رعاياها في الشرق الاوسط لا في لبنان فحسب، والسفن الحربية الاميركية إما وصلت او في طريقها الى ساحله كله لا الى قبالة اسرائيل فقط.
بدورها الدولة العبرية تقول انها تتأهب لحرب مزدوجة على حدودها مع لبنان وفي الطريق الطويلة بينها وبين الجمهورية الاسلامية.
منذ الثلثاء 30 تموز، بفارق ساعات قليلة بين اغتيال اسرائيل المسؤول العسكري الاول في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في طهران، تغيّر مسار الصراع برمته بين الافرقاء الثلاثة هؤلاء. ذلك ما عبّر عنه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في يوم تشييع شكر، احد الرجالات الاوائل لنشوء الحزب وعقله العسكري، بتحدثه عن مرحلة جديدة مع اسرائيل بمقومات مختلفة.
تُبقي القديم على قدمه في مكانه وبأدواته، وتفتتح حقبة جديدة بأدوات مختلفة.
كلا الاغتياليْن، بتوقيت متزامن ربما كان متعمّداً، وجّه رسالة مزدوجة الى ايران وحزب الله كافية لاستفزازهما وحملهما على التورّط في حرب مفتوحة.
قُتِلَ هنية وهو في ضيافة الايرانيين وعلى ارضهم، وقُتل شكر في قلب الضاحية الجنوبية.
على ان لكليْ الاعتداءين مؤدّى حتمي:
– اهمية تغييب اسرائيل شكر في محاولة اضعاف البنية العسكرية القوية للحزب، لم تقلّ في الخطاب الاخير للسيد نصر الله اهمية، بقوله ان ما حدث في الضاحية الجنوبية، بعد اغتيال صالح العاروري في كانون الثاني، عدوان تجاوز الحدود الدولية الى العاصمة، كما لو انها اضحت امتداداً لما يحدث يومياً هناك.
– خلافاً لما كانت الجمهورية الاسلامية تجهر به في المرات التي استهدفت اسرائيل علماء نوويين ايرانيين على ارض بلادهم في السنوات المنصرمة بأن راحت تعزو احياناً اغتيالهم الى عملاء في الداخل او تنسبه الى «اعداء الدولة»، قررت اخيراً ان تردّ مباشرة على الدولة العبرية وكررت قولها ان الردّ لن يكون رمزياً كما حدث في مسيّرات نيسان المنصرم.
في ما مضى، من بين اسباب اخرى، عُزي تهرّبها من الردّ الى حرصها على عدم تعريض منشآت المفاعل النووي الى الاستهداف والخطر في مواجهات محتملة. الحجّة نفسها يتسلّح بها حزب الله بتأكيد حتمية ردّ مماثل.
امتناعه عنه يشّرع الجنوب كما الداخل اللبناني في اي وقت لتكراره باستهداف قادته، كما بالوصول الى بيروت في كل حين.
بذلك اضحى من الطبيعي للمرحلة الجديدة اتسامها بطابعيْن مختلفيْن لا تنزلق بأفرقائها الثلاثة الى حرب مفتوحة: ردود متبادلة بين ايران واسرائيل، وحرب امنية بين حزب الله واسرائيل هي تقريباً ما عناه نصرالله في خطاب الخميس:
1 – بالتزامن مع استمرار الإشغال العسكري المستمر منذ 8 تشرين الاول 2023، لحرب حزب الله واسرائيل مسار اضافي هو المواجهة الامنية المفتوحة التي لها قواعدها وشروطها المختلفة عن الحرب الدائرة في الجنوب، كما عن ادواتها.
2 – ليست في الحرب الامنية قواعد ولا حدود تماس.
لا مسرح عمليات على غرار ما يجري عند الخط الازرق وفي مزارع شبعا حيث الاشتباكات من وراء هاتين الجبهتين.
للعمل الامني شرطاه الاساسيان: الهدف المستحق والتوقيت المناسب. كلاهما لازم للآخر للوصول الى النتيجة المتوخاة، وهي محاولة قلب المعادلات او تغيير مسار الصراع او دفعه حتى في وجهة خيارات بديلة.
هو المغزى المتوخى دائماً من الاغتيالات السياسية والعسكرية الكبيرة او المهمة الناجحة. الهدف المستحق في التوقيت الخطأ يُفشل المحاولة. العكس صحيح بدوره.
تمكنت اسرائيل منذ اندلاع حرب غزة من اغتيال عدد لافت من قادة حزب الله متفاوتيْ الاهمية والموقع بيد انهم كانوا حاجة له.
في المقابل لا يتحدث الحزب في الوقت الحاضر عن ردّ مستعجل، مقدار كلامه عن ردّ حتمي لا يعني عند مسؤوليه سوى انه سيكون داخل اسرائيل ان لم يكن داخل تل ابيب على الاقل ما دامت قد استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت. ما يُسمع في الاوساط القريبة من الحزب او تلك ذات الصلة به، ان الهدف المستحق يقتضي ان يساوي عند الاسرائيليين في تداعياته وطأة اغتيال شكر لدى حزب الله.
3 – بالتزامن مع المواجهة المباشرة عند الخط الازرق ومزارع شبعا يومياً، تعلو وتيرتها او تهبط، تتوغل في داخل الجنوب كما في العمق الاسرائيلي، ثمة مواجهة ثانية هي المتفق على وصفها بـ«خلف خطوط العدو» لا تتوقف عند ضوابط ولا تستثني اي مكان، وتملك ان تستبيح اي مساحة او اي احد تنجح في تنفيذ عمل امني معقد.
4 – كلا حزب الله واسرائيل ملمّ – وربما اكثر مما يُعتقد – بجزء كبير مما يملكه الآخر، ويجهل ما يخبئه عنه ويهدد ويهوّل به، وهو مصدر حذر الطرفيْن من الوصول الى حرب مفتوحة يتبادلان فيها المفاجآت القاتلة.
كلاهما ايضاً تبادلا اختبار قدرات الاستخبار واليد الطويلة التي تصل الى اي مكان، كاغتيال اسرائيل قادة حزبيين واستهداف مواكب في الجنوب، لكن ايضاً كتمكّن الحزب من ايصال مسيّرة الى سماء حيفا وتصوير كل ما تحتها والعودة بها سالمة والحصول على كمّ هائل من المعلومات عن المنشآت العسكرية والحيوية اصبحت بدورها تحت مرمى فوهاته.