أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس موافقتها على صيغة “وقف إطلاق النار”، في اتصال هاتفي أجراه رئيس المكتب السياسي في الحركة اسماعيل هنية مع رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومع وزير المخابرات المصرية عباس كامل. في المقابل نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مصادر في مجلس الحرب الإسرائيلي اعتباره بيان حماس “محاولة تضليلية لتصوير إسرائيل على أنها متعنّتة”. وليلاً بدأت قوات الاحتلال في اقتحام رفح من الجهة الشرقية.
في الأساس المعضلة الحقيقية بين حماس وإسرائيل هو بند وقف إطلاق النار الذي ترفضه تل أبيب وتطالب بهدنة… وفي حين قالت وزارة الخارجية الأميركية إنّها ستدرس مقترح حماس، قرّرت الأخيرة إرجاء عودتها إلى القاهرة بعدما كان مقرّراً أن تعود اليوم. وذلك بعدما اشتعلت عواصم القرار بالضغوط على الأمريكيين للضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ليوقف الدخول الى رفح.
في الساعات الماضية كان رئيس المخابرات الأميركية وليام بيرنز يجول في المنطقة محاولا الضغط لعدم انهيار المفاوضات. من القاهرة إلى تل أبيب مروراً بالدوحة، ضغط أميركي هائل لعدم تدحرج المنطقة إلى مواجهة كبرى وسط حديث عن أنّ الدخول إلى رفح سيعني إمكانية توسع الحرب في لبنان أيضاً وسيعني مواجهة أكبر. كما سيعني ضغطاً على القاهرة من بوابة خرق اتفاقية “كامب ديفيد”، ودفعاً للرياض لتعليق مسارها مع واشنطن وتل أبيب بعدما قال وزير خارجية أميركا انتوني بلينكن من الرياض منذ أيام: “بتنا قريبين جدا من التطبيع”.
تزامنا مع كل هذه الحركة المشتعلة، يبدو أنّ رفح، وقد دخلت في نفق الحرب قد أدخلت المنطقة في حسابات جديدة، لما لهذه الحرب من تداعيات.
ليلاً أعلن مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، قرار كابينت الحرب بالإجماع بمواصلة إسرائيل العملية في رفح من أجل ممارسة الضغط العسكري على حماس، بغية الدفع نحو الإفراج عن المخطوفين وتحقيق أهداف الحرب قدماً. وقال البيان انّ إسرائيل سترسل وفداً إلى الوسطاء في مصر من أجل استنفاد إمكانية التوصل إلى اتفاق بشروط ستكون مقبولة على إسرائيل.
وصول رئيس المخابرات الأميركية وليام بيرنز إلى المنطقة بكلّ ما يمثّله من ثقل يعني أنّ نجاح المفاوضات أو فشلها سيؤثّر على كلّ المنطقة، بدءاً من غزة ووصولاً إلى المملكة العربية السعودية ومروراً بالتأثير المباشر على لبنان ومصر .
يعيش نتنياهو مفصلاً قد يؤدّي إلى انتهاء حياته السياسية. فهو يدرك أنّ الذهاب إلى وقف الحرب يعني ذهابه إلى المحاكمة. ومن جهة أخرى، يخضع رئيس الوزراء الإسرائيلي لضغط كبير من الأميركيين من جهة، والداخل من جهة أخرى. وبالتالي تجاوبه مع مطلب حماس وقف إطلاق النار نهائياً مرتبط بأكثر من عامل داخلي وخارجي.
من جهتها، تقول مصادر حركة حماس لـ”أساس” إنّها لن تقبل بأيّ شكل هدنةً في غزة، بل تطالب بوقف نهائي لإطلاق النار. ودرست في الساعات الماضية البنود العالقة الأخرى، وأهمّها:
إصرار نتنياهو على عودة النساء والأطفال إلى شمال غزة واستثناء من يعتبرهم “مقاتلين”، فيما ترفض حماس هذا الطرح.
إصرار نتنياهو على إبقاء المحكومين مؤبّداً في السجون الإسرائيلية والتحكّم بالأسماء التي يفترض أن يطلق سراحها، فيما تصرّ حركة حماس على إطلاق المحكومين بالمؤبّد وعدم وضع إسرائيل شروطاً لتبادل الأسرى.
وبينما تستضيف القاهرة هذه المفاوضات المصيرية، يدرك المسؤولون المصريون أنّ نتائج المفاوضات ستنعكس مباشرة على مصر، وتحديداً على رفح المصريّة. صباح الإثنين بدأت إسرائيل بعملية محدودة في شرق رفح داعية السكان إلى مغادرتها. وفيما قرأ البعض في ذلك تفاوضاً تحت النار، تحدّثت مصادر القاهرة لـ”أساس” عن أنّ هذه العملية جاءت بعد استهداف “القسام” معبر كرم أبو سالم وإسقاط قتلى وجرحى إسرائيليين. وبالتالي قرأت هذه المصادر رغبة لدى البعض في إفشال المفاوضات. أمّا عن الإشكالية الكبرى حول الهدنة أو وقف إطلاق النار، فقالت المصادر إنّ القاهرة تدعو حماس إلى القبول بهدنة لمدّة 4 أشهر لأنّه بعدها سيكون نتنياهو قد غرق في أزماته الداخلية ولن يكون الرأي العام الإسرائيلي مرحّباً بالعودة إلى الحرب.
من جهة أخرى، تجد نفسها القاهرة اليوم أمام منعطف تاريخي بسبب إمكان تمدّد العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى رفح المصرية. ووفق مصادر القاهرة، بدأت اتصالات بينها وبين تل أبيب منذ صباح الإثنين لوقف هذه العملية وعدم تمدّدها إلى فيلادلفيا، أي لعدم خرقها اتفاقية كامب ديفيد، لأنّ الخرق إن حصل سيعني حشوداً عسكرية مصرية وإسرائيلية من الجهتين، وهو أمر سيصعّد الأمور في المنطقة.
وسبق أن أعلنت طهران قبل أيام أنّ الشعب الفلسطيني هو من يقرّر مصيره. كان ذلك بعد إعلان حكومة حماس قبولها بحلّ الدولتين وإعلان دولة فلسطين وفق حدود الـ67.
في المملكة العربية السعودية حصلت لقاءات موسّعة انتهت إلى أن يقول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنّ الطريق إلى التطبيع أصبحت قصيرة جدّاً.
أمّا المملكة فمتمسّكة بشروطها للتطبيع: الاستخدام السلمي النووي، اتفاقية أمنيّة مشتركة مع الولايات المتحدة، وإعلان حلّ الدولتين وفق المبادرة العربية للسلام. وبالتالي يرتبط هذا المسار التاريخي بين الرياض وتل أبيب وواشنطن بنجاح هذه المفاوضات التي ستحدّد استكمال المسار أو عدمه.
يطابق الكلام السعودي الكلام الأميركي والأوروبي والعربي ويضغط على نتنياهو للعودة إلى المسار الدولي ووقف الحرب والدخول في مفاوضات ستغيّر وجه المنطقة، على أن يتوَّج ذلك في مؤتمر دولي في الرياض.
كما هي المفاوضات مصيرية في القاهرة والرياض كذلك هي في بيروت. أصبحت كلّ الملفّات متعلّقة بوقف إطلاق النار في غزة، على اعتبار أنّها تقف أمام مسارين، إمّا مسار المفاوضات وكلّ ما سبق، وإمّا استمرار نتنياهو بحربه على رفح، أي استمرار الحرب في لبنان وربّما توسّعها. هذا الكلام لاقته إيران صباح الإثنين بالقول إنّ أيّ توسيع للحرب الإسرائيلية على لبنان لن تكون طهران بمعزل عنه. يختلف موقف طهران في بيروت عن موقفها في غزة. لا يقين لدى أحد بمستقبل المنطقة في حال توسيع الحرب وسط كلام عن أنّ دخول نتنياهو رفح يعني أيضاً حرباً إقليمية.
كلّ هذه المخاوف حقيقية حتى إعلان مصير هذه المفاوضات.