كتبت صحيفة “الأخبار”: في انتظار تحديد مواقف مزيد من الكتل النيابية من الاستحقاق الرئاسي، ربطاً بجلسة 14 حزيران الجاري، تطوّر بارز طرأ أمس بإعلان الرئاسة الفرنسية أن «الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سمّى وزير الخارجية السابق جان-إيف لودريان موفداً خاصاً إلى لبنان»، وطلب إليه القيام بزيارة سريعة للبنان لـ«المساعدة في إيجاد حل توافقي وفعّال للأزمة اللبنانية التي تفاقمت بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020».
الخطوة التي لم يكن أحد في لبنان على اطّلاع مسبق عليها، أُعطيت أبعاداً كثيرة. وفيما قلّل البعض من أهميتها باعتبار أن الموفد الجديد سيقوم بالمهام التي كان يقوم بها الوزير السابق بيار دوكان، إلا أن البيان الرئاسي أضفى على المهمة بعداً سياسياً واضحاً، ما فتح باب التحليلات، ووجد الفريق المعارض لترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية فيها «تعبيراً عن تغيير جوهري في السياسة الفرنسية تجاه الملف الرئاسي».
واعتبر مرجع بارز في هذا الفريق أن الخطوة، «تعكس استجابة الرئيس الفرنسي للمطالب الملحّة من جانب الفاتيكان والبطريرك الماروني بشارة الراعي وقوى لبنانية عدة، بتعديل وضعية الفريق الفرنسي المكلّف ملف الرئاسة في لبنان».
ورأى أن القرار «يعني عملياً إنهاء خدمات المستشار الرئاسي باتريك دوريل الذي يُعتبر عرّاب تسوية فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل تعيين نواف سلام رئيساً للحكومة».
وأشار إلى أن الخطوة الفرنسية تعني أنه سيكون لدى باريس «تصور جديد للحوار مع القوى اللبنانية، وسيسقط عنوان المهمة السابقة التي كانت تركّز على إقناع الجميع بالسير في التسوية»، ليخلص إلى أن القرار «خلط الأوراق من جديد، وربما يفتح الباب أمام جولة جديدة من الحوار مع القوى اللبنانية لمنع الذهاب إلى صدام كبير».
ولودريان دبلوماسي عريق سبق أن تولى وزارة للدفاع في عهد الرئيس فرنسوا هولاند، وتربطه علاقة قوية مع دول الخليج، ولا سيما السعودية، وكان له دور بارز في توقيع عقود تسلّح مع هذه الدول بعد عام 2011.
وقد يكون اختياره للمهمة نابعاً من نية باريس استثمار علاقته مع السعودية لتسويق مبادرتها بشأن الملف اللبناني من جديد، ومحاولة إقناع الرياض بأن تبدي مرونة أكبر.
وتأتي خطوة الرئيس الفرنسي في لحظة تحوّل كبيرة يشهدها هذا الملف، بعدَ تقاطع قوى المعارضة والتيار الوطني الحر على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور للرئاسة بهدف الإطاحة بفرنجية الذي تدعم باريس ترشيحه.
ويعكس القرار توجس فرنسا من الإطاحة بمبادرتها، ومن خسارتها دورها في وقت يسود تشنج علاقتها بالقوى المسيحية التي تعتبر أن باريس تخلّت عن حلفائها الطبيعيين في لبنان لمصلحة العلاقة مع حزب الله.
في غضون ذلك، بقيت الجبهات السياسية مشتعلة. ويبدو أن الأسبوع الفاصل عن جلسة 14 الجاري سيشهد تصعيداً كبيراً واستنفاراً سياسياً لدى طرفَي الصراع، خصوصاً أن الكتلة الرمادية التي يُعوّل عليها لحسم الدفة بدأ جزء منها يكشف عن مواقفه.
وعلمت «الأخبار» أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يفترض أن يعود إلى بيروت خلال ساعات. وفيما أشاعت أوساطه بأن كتلته النيابية تميل للتصويت لمصلحة أزعور، نقل عن قيادي مقرّب منه أن خيار الورقة البيضاء لا يزال قائماً، وأن هذا التوجّه قد يعزّزه القرار الفرنسي
وكان أعضاء في كتلة جنبلاط تحدّثوا عن إشارات سعودية شجّعتهم على دعم أزعور، منها لقاء أحد نواب التكتل السفير السعودي في بيروت وليد البخاري وسماعه منه أن أزعور «خيار جيد»، ما فُسِّر بأنه دعم للأخير.
أما النواب السنة الذين ستشكل الجلسة المقبلة اختباراً مهماً لمواقفهم، فقد بدأ بعضهم في الإفصاح عن مواقفهم مثل عضو كتلة «الاعتدال الوطني» نائب المنية أحمد الخير الذي نقل عنه موقع «أم تي في» أن «الكتلة ستؤمّن النصاب في كل الجلسات وفي كل الدورات.
لا يمكن أن نعطّل نصاب أي جلسة، لا دورة أولى ولا ثانية، بمعزل عن أي أمر.
لكن، في الدورة الأولى سيكون موقفنا عدم الاصطفاف، وفي حال كانت هناك دورات متتالية حينها نتحمّل مسؤولياتنا»، مشيراً إلى أن نواب الكتلة «لم يحسموا قرارهم بالتصويت لفرنجية أو لأزعور».
وأكّد نائب صيدا عبد الرحمن البزري أنه «لن يكون جزءاً من تعطيل النصاب»، كاشفاً عن «وجود اسم ثالث نؤيده لرئاسة الجمهورية والبحث لا يزال جارياً في هذا الأمر مع عدد من نواب التغيير».
أما بالنسبة إلى الكتلة الاعتراضية داخل تكتل «لبنان القوي»، والتي سبقَ أن عبّر أعضاؤها عن رفضهم الالتزام بترشيح أزعور أو التصويت له، فقد لفتت مصادر مطّلعة إلى أن «هؤلاء تراجعوا عن اعتراضهم تحت التهديد الذي تعرّضوا له من قبل رئيس التيار النائب جبران باسيل وضغط الرئيس السابق العماد ميشال عون عليهم».
ومع أن «هؤلاء لم يتراجعوا عن نظرتهم إلى ترشيح أزعور أو موقفهم، إلا أنهم أظهروا أخيراً تردّداً لخيار التصويت بورقة بيضاء».