في الجنوب حوالي 100 ألف نازح تركوا منازلهم في الأسابيع الأولى للحرب ونزحوا، فاستقرّ أغلبهم في مناطق جنوبية خلفية، في محافظتي النبطية وصور بالتحديد، بينما لجأ بعضهم الى مناطق أبعد في صيدا وبيروت.
إن طول مدة النزوح لم تحصل في لبنان سابقاً في الصراع مع العدو الاسرائيلي، اذا استثنينا مرحلة الاحتلال واضطرار سكان القرى المحتلة الى العيش خارج قراهم، ولكن كنزوح خلال معركة وحرب، فهذه التجربة هي الأولى من نوعها من حيث المدة، فالحرب بدأت منذ تشرين الأول الماضي ولا تزال مستمرة.
في البداية لا بدّ من الإشارة الى أن فعل النزوح ليس أمراً محبباً، ولا يمكن أن يكون سهلاً على من يقوم به، فترك المنزل بما فيه والحياة التي يعتاد عليها المرء، لا يمكن أن يكون أمراً سهلاً أو بسيطاً مهما كانت ظروف النزوح ميسرة، فمن يترك منزله المكون من 4 غرف ليسكن في قصر كنازح لن يكون مرتاحاً ولا مسروراً، ولكن الظروف الميسرة للنازحين قد تسهل عليهم تجربتهم.
يواجه النازح في المدن مشاكل متعلقة ببدلات الإيجار، ففي صور على سبيل المثال سيطر الطمع على فئة واسعة من مالكي الشقق المفروشة، فارتفعت بدلات الإيجار من 300 دولار شهرياً الى 1200 دولار واحياناً أكثر، فعانى النازحون الذين فضلوا العيش في شقق لأجل استقرار العائلة وضمان ولو الحد الأدنى من حياتها العملية والعلمية، ولكنهم اليوم يعانون.
في القرى كان الوضع أفضل، بحيث يعيش النازحون في منازل بشكل مجاني أو شبه مجاني، وهناك تعاون مجتمعي ورعاية حزبية لأوضاعهم، وهو ما جعل ظروفهم أفضل من ظروف أولئك الذين قصدوا المدن، بغية الشعور بنوع من الاستقرار.
في ملف النازحين غابت الدولة بشكل شبه كامل، وبحسب المعلومات فإن أقل من 10 بالمئة من النازحين يعيشون في مراكز الإيواء، التي حضرتها اتحادات البلديات وتعتمد فيها على مساعدات الجمعيات والأحزاب بالدرجة الأولى وليس على الدولة، التي أثبتت فشلاً ذريعاً في مقاربة ملف النزوح والسبب المعلن دائماً هو غياب الأموال، فحتى خطة الطوارىء التي أقرتها الحكومة بداية الحرب، انتهت صلاحيتها قبل أن تبدأ، ولم يُرصد لها الأموال على الإطلاق.
100 ألف نازح لم تتمكن الدولة من التعامل معهم كما ينبغي، فماذا لو وقعت الحرب الموسعة وتضاعف الرقم 10 مرات؟ طبعا لن تكون الدولة قادرة على المواكبة ولا المواجهة، وبحسب المعلومات فإن خطة حزب الله للنزوح لم تفعّل بعد، والسبب أن الخطة معدّة للتعامل مع حرب موسعة يخرج النازح فيها من الجنوب الى مناطق أخرى، بينما ما جرى لم يكن كذلك، لذلك تم التعامل معه من قبل أبناء الجنوب أنفسهم، وبالتالي فهناك خطة للنزوح حاضرة لأي طارىء.
بيوت كثرة هدّمت في الجنوب، وبالتالي من أصبح منزله غير صالح للسكن لا يمكنه التفكير بالعودة فور وقف الحرب، وعليه البحث عن الاستقرار لعام على الأقل قبل إعادة البناء، وهنا أيضاً لا دور للدولة وأجهزتها، إذ تقول المعلومات إن حزب الله باشر بتعويض من يخسر منزله بشكل كامل، بحيث يتلقى النازح مبلغاً مالياً يضمن له دفع بدل إيجار منزل لمدة عام وشراء “عفش” للمنزل بغية الانتقال إليه، الى حين إعادة إعماره.