كتبت صحيفة “النهار”: مع ان العنوان العريض الذي اطلقه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي لموقف بكركي وتحركها الذي شرعت فيه باتجاه جميع الافرقاء السياسيين بدءا بـ”حزب الله” تحديدا جعل مقولة “لا غالب ولا مغلوب” تتصدر الدعوة الى “التفاهم والتوافق”، فان هذه المعادلة لم تحجب المشهد الرئاسي الحار الذي تصاعدت معالمه بقوة عقب الإعلان الرسمي لجهاد ازعور مرشحا لـ”تقاطع” قوى المعارضة و”التيار الوطني الحر” وعدد من النواب المستقلين والتغييريين. فما لم يكن ممكنا تجاهله وانكاره في اللحظة التي أعلن فيها النائب ميشال معوض سحب ترشيحه لمصلحة التقاطع العريض حول تسمية الوزير السابق جهاد ازعور، ومن ثم اعلان النائب مارك ضو باسم المعارضة والنواب المتحالفين معها تقديم ازعور كمرشح انقاذ انفتاحي وغير استفزازي وغير طرفي، اسقط ذلك عمليا كل الذرائع الواهية وغير الدستورية التي استعملت في الأشهر الأربعة السابقة بعد الجلسات الانتخابية الـ11 التي عقدت ولم تؤد الى انتخاب رئيس الجمهورية العتيد.
وفيما صارت بذلك كرة اعادة الصراع السياسي والانتخابي الى مجلس النواب فورا وبلا ابطاء في مرمى رئيس المجلس نبيه بري، لم يكن خافيا اطلاقا مغزى مسارعة “حزب الله” الى استباق كل تطور ستحتمه مبادرة ترشيح ازعور باطلاق “منصات” التصعيد بالهجوم المقذع عليه واسقاط اللياقات بدليل وصف النائب في كتلة الحزب حسن فضل الله ازعور بـ”المستجد” كأنه يتعمد النبرة “التحقيرية” في معرض استحقاق دستوري يفترض فيه احترام الأصول التعبيرية بالحدود الدنيا.
ولكن هذا التعبير عكس دلالات قلق الحزب من المعطيات الجديدة والتحفز المستمر للمواجهة خصوصا ان المعطيات التي افضت بها بعض قوى المعارضة اشارت الى تقدم جدي على طريق توفير أكثرية 65 صوتا لازعور وما يزيد في حال بلوغ الدورة الثانية وعدم لجوء فريق “الممانعة” وعلى رأسه الثنائي الشيعي الى تعطيل افقاد النصاب للحؤول دون انتخاب ازعور.
ومع ان توجيه بري الدعوة الى عقد الجلسة صار امرا لا مفر منه، فان الأنظار تتجه حاليا الى مواقف كتلة “اللقاء الديموقراطي” الذي سيعقد اجتماعا مفصليا غدا الثلثاء، والعدد المتبقي من النواب التغييريين والمستقلين الذين لم يحسموا مواقفهم من ترشيح ازعور باعتبار ان مجمل أصوات هؤلاء سيشكل واقعيا الثقل اللازم لترجيح الكفة نهائيا في التصويت الحاسم، علما ان المعطيات التي تؤكدها أوساط المعارضة و”التيار الوطني الحر” تجزم بان جميع نواب “التيار” والطاشناق سيلتزمون التصويت لازعور التزاما بالتفاهم الذي حصل والذي كرسته كلمة رئيس التيار النائب جبران باسيل مساء السبت الماضي في جبيل .
اعلان الترشيح
وعصر امس استكملت فصول اعلان ترشيح ازعور، فاعلن النائب ميشال معوّض في مؤتمر صحافي من دارته سحب ترشّحه للانتخابات الرئاسية مؤكدا انه “لا يمكننا أن نبقى كقوى المعارضة مكتوفين وأصبح الخيار الوحيد هو توسيع رقعة التقاطعات والتي أوصلت الى المرشح جهاد أزعور وتؤمن له شبه إجماع مسيحي وهو مرشح مقبول وقادر على حماية لبنان من المزيد من الانهيار والهيمنة.
كما أشار إلى أنه “أمام واقع تخيير اللبنانيين بين الفرض والتعطيل أصبح الحل الوحيد أمامنا أن نوسع رقعة تقاطعات نصل عبرها إلى ترشيح جهاد أزعور الذي حصل على شبه إجماع مسيحي حتى ولو لم يكن مرشحنا المفضل”.
وبدوره أعلن النائب مارك ضو ترشيح المعارضة للوزير السابق أزعور بوصفه “المرشح القادر على حماية لبنان من الانهيار والهيمنة”. وأضاف باسم المعارضة: “جهاد أزعور لديه القدرة على جمع 65 صوتاً في جلسة الإنتخابات الرئاسية المقبلة، ويدنا ممدودة للتلاقي مع حزب الله وحركة أمل ومن بقي من حلفائهم وفي الوقت عينه مستعدون لمواجهة كل محاولات التعطيل”. كما دعا باقي النواب “وخاصة رئيس المجلس إلى الدعوة لإنتخاب رئيس للجمهورية فوراً في جلسات متتالية”. وشدد على أن أزعور “ليس مرشح المعارضة فقط وليس مرشحا حصريا لأي من الكتل وتنوي المعارضة التقاطع عليه لخوض المعركة الرئاسية باسمه وهي تعتبر ان ما تعلنه اليوم يهدف إلى إيصاله”وشدد على أن “ترشيح أزعور ليس مناورة ولا تكتيكاً بل محاولة جدّية من أجل إطلاق مسيرة الإنقاذ عبر اسم وسطي غير استفزازي لأي فريق في البلاد تتوافق عليه كتل من ضمنها لبنان القوي”.
تحرك بكركي
تزامن ذلك مع اطلاق بكركي رسميا التحرك الذي سبق للبطريرك الراعي ان اعلن اعتزامه على القيام به عقب عودته من الفاتيكان وفرنسا. وأصدر المكتب الاعلامي في الصرح البطريركي في بكركي بيانا افاد فيه ان البطريرك الراعي اوفد السبت المطران بولس عبد الساتر رئيس اساقفة بيروت للقاء امين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله “في اطار المشاورات والاتصالات التي بدأها مع الاطراف اللبنانية كافة، تسهيلا لاتمام الاستحقاق الرئاسي وانهاء الفراغ القاتل في سدة الرئاسة الاولى”.
وأفادت قناة “المنار” الناطقة بلسان “حزب الله” ان الموفد البطريركي سمع من نصرالله استمرارا لدعم ترشيح سليمان فرنجية والتأكيد لأهمية الحوار من اجل انجاز الاستحقاق الرئاسي
وبدا الراعي مقلا جدا في تناوله الشأن السياسي في عظته فقال : “لو استحضر المسؤولون السياسيّون الله، بحسب رتبهم، لكانوا انتخبوا رئيسًا للجمهوريّة ضمن فترة الشهرين السابقة لنهاية عهد الرئيس العماد ميشال عون وفقًا للمادّة 73 من الدستور.
ولو يستحضرون الله اليوم بعد مضيّ ثمانية أشهر على فراغ سدّة الرئاسة، وأمام الإنهيار الكامل سياسيًّا واقتصاديًّا وماليًّا واجتماعيًّا، لسارعوا إلى التفاهم والتوافق على انتخاب رئيس يحتاجه لبنان في الظروف الراهنة.فإنّا نبارك كلّ خطوة في هذا الإتجاه بعيدًا عن المقولة البغيضة: “غالب ومغلوب” بين أشخاص أو بين مكوّنات البلاد. فهذا أمرٌ يؤدّي إلى شرخ خطير في حياة الوطن، فيما المطلوب وحدة لبنان وشعبه وخيرهما”.
وفي “دردشة” إعلامية قال الراعي رداً على هجوم “حزب الله” عليه: “ما بردّ عَ حدا وما بحياتي ردّيت عَ حدا لا سلبًا ولا إيجابًا”.
واكد “أنني إلتقيت رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وسألتقي الجميع ويجب أن نخرج من المأساة التي يعيشها لبنان ولا مشكلة لدينا مع أحد”.
وأضاف “لن أدخل في جدال التوافق على إسم جهاد أزعور وشغلي بعملو ووقت فيه لزوم بعلن عنّو”.
باسيل
اما أولى طلائع ترشيح ازعور فجاءت ليل السبت على لسان النائب جبران باسيل عبر خطاب القاه في العشاء السنوي لـ”التيار” في جبيل بحضور الرئيس ميشال عون اذ اعلن باسيل انه “صار معروفا اننا تقاطعنا مع كتل نيابية أخرى على اسم جهاد ازعور من بين أسماء أخرى مناسبة وغير مستفزة وهذا التقاطع هو تطور مهم وايجابي كي لا نتهم بتعطيل الانتخاب ” وأشار الى “اننا اعطينا موافقتنا على عدد من الأسماء وهم اختاروا واحدا منها وبرأينا انه يجب التقاطع على اكثر من اسم لمزيد من المرونة لان المطلوب أيضا هو التوافق مع الفريق الاخر من دون تحديه “.
واكد “اننا مدركون ان الظروف الحالية لا تسمح بوصول رئيس للجمهورية من التيار وهمنا وصول رئيس يناسب المرحلة” واعتبر ان “الفرض من أي جهة يؤدي الى فشل الرئيس ولو نجح في الانتخاب ونريد رئيسا لا احد يفرضه علينا ولكن نحن أيضا لا نفرضه على احد وهذه هي المعادلة الممكنة اليوم أي تفاهم اللبنانيين وتوافقهم على الرئيس والبرنامج هو الحل “.
تصعيد “الحزب”
في المقابل مضى “حزب الله” في خطابه التصعيدي ضد ازعور وداعميه فقال امس النائب حسن فضل الله، أن “حزب الله يرحب بالدعوة الى الحوار والتلاقي، وإيجاد توافقات لانتخاب رئيس للجمهوربة بعيدا عن الفرض والتحدي، وتعاطى مع هذه الدعوة بإيجابية وانفتاح ويد ممدودة لشركائنا من موقع الحرص على الشراكة الوطنية، وعلى تفاهم اللبنانيين على قضاياهم، وفي مقدمها انتخاب الرئيس، وما عدا ذلك إضاعة للوقت وإطالة لأمد الفراغ الرئاسي، وتعطيل للحلول الممكنة، بما يؤدي إلى زيادة معاناة اللبنانيين”.
ولكنه شن هجوما على ازعور وقال “ان كل التوصيفات التي أعطيت لمرشحهم المستجد، لا تنطلي على أحد، وهي توصيفات مصدرها الفريق نفسه ولا تعني لنا شيئا، فهو بالنسبة الينا مرشح مواجهة وتحد قدمه فريق يخاصم غالبية اللبنانيين، ولا يمكن لهذا المرشح أن يحوز على ثقتهم أو يحظى بتأييد الغالبية النيابية المنصوص عليها في الدستور، ولذلك لا أمل لهم ولمرشحهم الجديد في لعبتهم المكشوفة، فهو جزء من معركتهم السياسية التي يحاولون فيها الاستقواء بالخارج وتهديداته بالعقوبات، وهذه المعركة ستفشل كما فشل غيرها، لأننا ومن داخل نصوص الدستور، والعملية الديموقراطية، سنحول دون تحقيق أهدافهم، ولن يتمكنوا من فرض مرشحهم على بقية اللبنانيين، لا دستوريا، ولا سياسيا، ولا إعلاميا