مع رفع نسبة الرسوم الجمركية وانهيار قيمة الليرة، أصبح حجم الكتلة النقدية المتوجّب تسديدها عن كل معاملة ضخماً جداً لجهة عدد الأوراق النقدية.
لذلك، لجأ المخلّصون الجمركيون إلى إرسال كميات هائلة من الأوراق المالية في صناديق أو أكياس كبيرة (شوالات) إلى أمناء الصناديق في مديرية الجمارك في المرفأ، يُدوّن على كل منها قيمة المبلغ واسم المخلّص ورقم البيان، على أن يتأكد أمين الصندوق من قيمة الأموال قبل تسليمها لأمين الصندوق الرئيسي لنقلها إلى مصرف لبنان. في النصف الثاني من العام الماضي، وعلى مدى خمسة أشهر، كان موظفو مصرف لبنان يتسلّمون الصناديق والأكياس من دون عدّها فوراً للتأكّد من قيمتها. لاحقاً، عند العدّ، تبيّن وجود نقصٍ بقيمة مليارين و600 مليون ليرة، (نحو 29 ألف دولار)، فأبلغ المصرف المركزي أمين الصندوق الرئيسي في محتسبية الجمارك في المرفأ ن. ع. بالأمر. حمّل الأخير المسؤولية للمخلّصين الجمركيين وطلب منهم تسديد الفروقات، ما أدّى إلى حال من الفوضى، خصوصاً أنّ المسؤولية في فقدان المبالغ لا تقع على المخلّصين، بل هي مسؤولية أمناء الصناديق، خصوصاً أمين الصندوق الرئيسي ورئيسة دائرته. وشكا مخلّصون جمركيون من «إجبار» أمين الصندوق الرئيسي لهم ولموظفين في صندوق الجمارك على تسديد المبلغ المفقود، ما أحدث «إشكالاً بين الأمين الرئيسي وأمين أحد الصناديق». علماً أن الموظفين شكوا من صعوبة عدّ الأوراق المالية بعد تضخّم حجم الكتلة النقدية في الصندوق من مليار ليرة يومياً إلى حوالي 120 ملياراً، فيما لم يتم تزويدهم بآلات لعدّ الأموال.
بعد مراجعة النيابة العامة المالية، استدعى جهاز أمن الدولة عدداً من المخلّصين الجمركيين، وثلاثة موظفين في الجمارك، إضافة إلى رئيسة دائرة المحاسبة في الجمارك وأمين الصندوق الرئيسي. وبمراجعة كاميرات المراقبة التي استحدثتها إدارة الجمارك في غرف أمناء الصناديق وغرفة أمين الصندوق الرئيسي، تبيّن أنّ الأخير «تلاعب مرات عدّة بالكاميرا الموجودة داخل مكتبه وحرفها عن مسارها». وبعد مواجهة ن. ع. بمعطيات تفيد بأنّه «عمد أكثر من مرة إلى فتح كراتين الأموال الموضوعة في عهدته، والمعدّة للإرسال إلى مصرف لبنان، وسحب منها أوراقاً نقدية»، أقرّ بالأمر، زاعماً أن ذلك كان لـ«تغذية صندوق الدفع المكلّف به، كون عمله لا يقتصر على تسلّم الأموال، إنما على الدفع أيضاً إلى بعض الجهات»، فيما ادّعى بأنه غيّر اتجاه الكاميرا لأنها موجّهة عليه شخصياً.
وبعد مراجعة الكاميرات العائدة لإدارة المرفأ، أظهر أحد التسجيلات أمين الصندوق الرئيسي يفرغ حقيبة أموال في سيارته بعد عودته من مصرف لبنان. وبسؤاله عن الأمر، أفاد بأنّه «كان يضع أوراقاً نقدية حديثة الإصدار أحضرها من المصرف المركزي، بعد إبدالها بأخرى قديمة». غير أن الموظفين المسؤولين في مصرف لبنان أكّدوا في التحقيق معهم أن «تبديل الأموال اقتصر على مبلغ مليون ليرة ولمرة واحدة».
كذلك بيّنت التحقيقات أن «مخلّصين جمركيين يدفعون مبلغاً مالياً على سبيل الرشوة لموظفي صندوق الجمارك عن كل بيان جمركي، كي يتسلّم الموظف المبالغ المالية (الرسوم) المتوجّب عليه تسلّمها ضمن مهامه الوظيفية»! كذلك تبيّن تلقّي عدد من مخلّصي البضائع اتصالات من دائرة المحاسبة التابعة للجمارك لطلب تسديد مبالغ مالية إضافية خلافاً للتعليمات.
وعلمت «الأخبار» أنّ تشكيلات صدرت من قيادة الجمارك، بعد الفضيحة، تتضمّن استبدال أمناء الصناديق في المرفأ بموظفين آخرين، لكنها، لأسباب مجهولة، لم تُنفّذ حتى اليوم.
في كانون الثاني الماضي، ادّعى النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم على ن. ع.، أمين الصندوق الرئيسي في محتسبية الجمارك في مرفأ بيروت، بتهم الاختلاس والإثراء غير المشروع وهدر المال العام، وأصدر مذكّرة منع سفر بحقّه، وأحال الملف إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي.