أكثر من 16 ألف مبنى مهدّد بالانهيار بحال وقوع أي زلزال في لبنان!
سنة مرّت على زلزال قهرمان مرعش في تركيا.
فجر السادس من شباط 2023، «انفجرت» قوة موازية لعشرات القنابل النووية تحت الأراضي التركية على شكل زلزال بقوة 7.8 درجات، اهتزّت معها المنطقة بأكملها وصولاً إلى لبنان الذي قُدّرت قوة الهزة التي أصابته بـ4 درجات، واستمرّت أربعين ثانية.
تحرّك فالق الأناضول الشرقي المجاور لفالق البحر الميت، أو ما يُعرف بالأخدود الأفريقي العظيم، الذي يقسم لبنان إلى شطرين، حرّك المياه اللبنانية الراكدة، وأعاد التفكير من جديد في وضع الأبنية وإمكانية صمودها في وجه زلزال حقيقي، في حال حصل، فإن «عدد المباني التي قد يتسبّب بانهيارها وفقاً لعمرها الافتراضي فقط، من دون الأخذ في الاعتبار المواصفات الإنشائية السيئة، سيزيد على 16250 مبنى»، بحسب رئيس شبكة سلامة المباني المهندس يوسف عزام.
المفاجأة أنّ 0.8% فقط من الأبنية التي خضعت للكشف الهندسي عقب هزّة العام الماضي، قام أصحابها بأعمال الترميم اللازمة.
فإثر الهزات الارتدادية التي ضربت لبنان بعد الزلزال الكبير، أطلق مهندسون حملات للكشف على الأبنية مجاناً لوضع ساكنيها في صورة وضعها الإنشائي، وتقديم دراسات حول تكاليف ترميمها في حال لزم الأمر.
لكنّ حملات الكشف لم تتحوّل إلى ورش ترميم حقيقية، فـ«من أصل 500 مبنى كشفت عليها إحدى الشركات الهندسية، 4 فقط تمّ ترميمها»، يقول المهندس أشرف فطايري.
فيما يشير مهندس آخر إلى ترميم مبنى واحد من أصل 100 كُشف عليها العام الماضي، علماً أنّ أغلبها بحاجة إلى أعمال صيانة طارئة.
وسريعاً خفّت وتيرة حركة متابعة وضع الأبنية وطلب الفرق الهندسية للكشف، و«نسي الناس الخطر، وعادوا إلى حياتهم الطبيعية، ولا سيّما أن كلفة الترميم تتجاوز عشرات آلاف الدولارات لكلّ مبنى»، بحسب مهندسين شاركوا في عمليات الكشف.
في المقابل، لم يجر أي مسح رسمي خاص بالدولة، علماً أن مهندسين يؤكدون أن «هناك مبانيَ إذا ما سُحبت إفاداتها العقارية سيتبيّن أنها أراضٍ فارغة لأنها أنشئت من دون تراخيص»، فيما يؤكد عزام أن «المباني الرسمية ليست بأفضل حال.
فخلال العام الماضي أيضاً، كشفت التقارير الهندسية الخاصة عن كوارث: عدد كبير من مراكز الدفاع المدني أقيم تحت الجسور، أي في الأماكن الأشد خطورة في حال وقوع الزلازل، كما أنّ عدداً غير قليل من المستشفيات التي يُفترض أن تكون حاضرةً لمواجهة الطوارئ لا تراعي مبانيها المواصفات الهندسية الأساسية، ومتروكة من دون صيانة، حالها كحال المباني السكنية العادية».
ومن الأمثلة الفاضحة وجود 100 مدرسة رسمية «وضعها غير سليم» بحسب مهندسين كلّفتهم وزارة التربية بالكشف عليها.
ويؤكد رؤساء فرق هندسية شاركوا في عمليات الكشف أن الوضع الإنشائي للمباني «مخيف في لبنان، سواء كانت جديدة أو قديمة. هناك مبانٍ لم ندخلها لخوفنا من أن تنهار على رؤوسنا». ويضيفون: «حتى في المرافق العامة التي كشفنا عليها، الوضع مرعب، ومنها فنادق تغطي صالات الاستقبال الفخمة فيها والغرف الفاخرة أساسات متهالكة»، واصفين المشهد بـ«القنابل الموقوتة».
في ما يتعلق بالمباني السكنية، يلفت فطايري إلى أن المباني التي تمّ ترميمها تعود ملكيتها لأفراد، ولا ملكية مشتركة فيها، فيما «أوقفت المسؤولية المشتركة للسكان عن المباني متابعة كلّ ورش الترميم. فبعد إصدار التقارير الهندسية يُصدمون بالتكاليف العالية، ويتوقف العمل، رغم أنّ سلامة المباني مهدّدة»، مشيراً إلى «هشاشة الحديد لدرجة انكساره عند ملامسته فقط» في بعض هذه المنشآت.
المشكلة الأساسية تتعلق بالرقابة على تطبيق القوانين، ولا سيّما مرسوم السلامة العامة الرقم 7964، الصادر عام 2012، والذي يشترط على كلّ مبنى أنّ يكون مقاوماً للزلازل حتى 7 درجات للحصول على ترخيص. على أرض الواقع، وبغياب الرقابة، الأمور مغايرة تماماً، و«ثقافة الأوفر هي السائدة.
فالمواد المُستخدمة في البناء من نوعية سيئة، خاصة الحجارة والباطون، إذ تُستخدم مياه كلسية في تركيبة مواد البناء، ما يؤدي إلى تلف الحديد، إضافة إلى استخدام مواد مغايرة للباطون، ما يجعل البناء الجديد أسوأ من القديم». ويجزم أحد المهندسين المحلّفين لدى المحاكم «لو أخذنا عينة من 20 مبنى تمّ تنفيذها بعد عام 2012 سنجد أنّ عدداً قليلاً جداً منها نُفذ بناءً على التوصيات الجديدة».
الجزء الثاني من المشكلة يتعلق بغياب الصيانة تماماً عن الأبنية المُشيّدة. ويعيد مهندسون إنشائيون المشكلة إلى «الفوضى الشاملة في لجان الأبنية». ويروي أحدهم عن طوفان مياه في مستودع أحد المجمّعات السكنية تبلغ مساحته 4000 متر مربع، ما أدى إلى تهالك الأعمدة تماماً، لعدم موافقة كل من السكان على دفع 150 دولاراً لشراء مضخّات لتفريغ المياه.
وحول العلاج، يلفت مهندسون إلى أنّه، في غياب الدولة واستقالتها من المسؤولية، فإن على سكان المباني اللجوء إلى إجراءات بسيطة لحماية ممتلكاتهم مثل تركيب أنظمة تفريغ المياه من مستودعات المباني التي تفيض دورياً بسبب مياه الأمطار، وإعادة توزيع الأحمال (خزانات المياه) على أسطح المباني بطريقة سليمة بعيداً عن الأعمدة لتفادي إضعاف هيكل المبنى.