عناوين المرحلة الثالثة لحرب غزّة لا تبدو محسومة. حسابات الأمن القوميّ الاسرائيلي وحسابات الأمن القوميّ الأميركـي مُتداخلة. ما يصدر عن إدارة الرئيس جو بادين يُشير إلى أن البيت الأبيض يسعى إلى كبح الآلة العسكرية دون أن يوقفها، أمّا مجلس الحرب في كيان العدوّ فيغرق في خلافات أقطابه على وقع أعداد قتلاه المتصاعدة في الميدان. وفي الأجندتيْن تخبّطٌ جليٌّ يدلّ على عُمق أزمة القرار، هل يولي الصهاينة أفضلية لعودة المُستوطنين إلى غلاف غزّة أو إلى الجبهة الشمالية، أم يُركّزون على صفقة الأسرى التي تُنجز الأمريْن معًا؟ وماذا عن واشنطن في كلّ هذا؟ أتضغط فعلًا لوقف العملية العسكرية أو استمرارها؟
يقدّم مُنسّق شبكة “قادرون معًا” وليد محمد علي عبر موقع “العهد” الإخباري قراءته لما أعلنه جيش الاحتلال عن دخوله في المرحلة الثالثة من العدوان على قطاع غزّة، فيجزم بأن “ما صدر ليس سوى جزء من خدع الحرب، فالجيش لم يُنجز حتّى اللحظة المرحلة الأولى من عدوانه العسكري أي الهجوم الشامل، ولم يتمكّن من تنفيذ تمركزه وتثبيت قواته، وكلّ ذلك لم يقُده إلى احتلال غزّة أو السيطرة عليها”.
باعتقاد الأستاذ وليد محمد علي، سيعمل العدوّ في المرحلة الثالثة المزمعة على الحدّ من “الهجمات العشوائية والانتقامية” التي أكَثَر منها وأدّت إلى تحوّل الرأي العالمي إلى مُعادٍ له، والذي من المُرجّح أن يدفع محكمة الجنايات الدولية إلى إصدار حكم واضح بقرار وقف إطلاق النار واعتبار ما جرى جريمة حرب.
ويرى أن الأميركيين والاسرائيليين يريدون أن يستبقوا قرار المحكمة المُحتمل ليقولوا خفّفنا من هذا العمل الإبادي وانتقلنا إلى العمل المُركّز، ولذلك سنشهد تنسيقًا عاليًا بين أجهزة الاستخبارات الأميركـية والبريطانية وغيرها من الأجهزة اللصيقة بها، من دون أن نغفل عن مُساهمة الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو في إعطاء المعلومات لخدمة العدو.
ويستشهد بما ورد في بيان الخارجية الأميركـية بخصوص زيارة الوزير أنطوني بلينيكن إلى المنطقة وتحديدًا الأراضي المحتلة لناحية تبيان هدفها بالإشارة إلى أنها “من أجل الحدّ من تأثير النزاع على المدنيين”، ويقول “هذا ليس من باب العطْف على المدنيين الفلسطينيين بل لأن هذه الحرب أفقدت العدوّ تأييدًا دوليًا، ولا سيّما أن أهمّ ركائز الكيان كانت البراءة الدولية التي نشأت بعد مزاعم “الهولوكوست” حين كان العقل الغربي مغسولًا بأكاذيب الصهاينة”، ويضيف “اليوم أثبتوا أنهم مجرمون بحقّ الفلسطينيين والعرب والمُسلمين وليسوا ضحايا”.
المرحلة الثالثة التي أطلقها العدوّ تعني، وفق الأستاذ وليد محمد علي، أننا أمام عمليات اغتيال نوعية وتصفيات، وكذلك أمام ضرباتٍ مُحدّدة لمواقع عسكرية أو مراكز أسلحة أو شخصيات عسكرية أو سياسية.
ويُشير إلى أنه “ليس هناك ما هو محظور على من يعتقد العدوّ بأنه يضرّ به فيرى استهدافه واجبًا، لذلك ينبغي اليوم الحرص بكلّ الأشكال، وعدم التهاون أو الاستهتار والاستخفاف بأيّة معلومة أو كلمة أو خطوة في كلّ ساحاتنا، فنحن نواجه العدوّ الاستكباري برمّته الذي يستغلّ خيرات أمّتنا، خاصة أن بلادنا هي الجوار الطبيعي لأوراسيا القريبة من شرق آسيا والمُطلّة على كلّ المداخل والمعابر البحرية والبرية في هذا العالم وهي مصدر الثروات الأساسية للطاقة فيه”.
الأمر المحسوم بالنسبة لمُنسّق شبكة “قادرون معًا” أن ما يجري الآن من ضغط أميركـي هو محاولة لإنقاذ العدوّ من الكمين والمأزق الذي وقع فيه، فدخول القوات البرية الاسرائيلية إلى غزّة تحوّل إلى فخّ للعدو يُلحق به يوميًا خسائر فادحة لم يعد قادرًا على تحمّلها بعد أن فَقَدَ عقله الانتقامي كلّ استراتيجيات العمل العسكري المنظّم.
بحسب محدّثنا، مدة الحرب تتوقّف على مدى الهزائم التي يُمنى بها الجيش الاسرائيلي في الميدان، لأن المقاومة الفلسطينية ما تزال تستطيع إلحاق الخسائر به، فهو كان يُريد حصر المواجهة في جبهة واحدة في غزّة، لكن ما جرى أن الجبهات امتدّت إلى شمال فلسطين التي تتجاوز مساحة القطاع وفَتَحَ على نفسه جبهة باب المندب والبحر الأحمر وكذلك الجبهة العراقية وصولًا إلى سوريا، ما يعني أنه فشل في تركيز عدوانه في المنطقة التي حدّدها، كما فشل في السيطرة عليها.
ويخلص إلى أن “لا تضارب بين الأمن القوميّ الاسرائيلي والأمن القوميّ الأميركـي اليوم”، ويُشدّد على “أننا أمام فرصة ذهبية للخلاص من المشروع الصهيوني والهيمنة الغربية الاستكبارية وعودة الأمة لتجد مكانها تحت الشمس بين الأُمَم الحرّة”.