كتبت صحيفة “النهار”: على وقع “التهاب” ميداني متجدد في الجنوب وعبر الحدود الجنوبية مع إسرائيل، ومع بدء المرحلة الأخيرة من العد العكسي لاحتمال تعرض قيادة الجيش لفراغ يلحقها بما سبقها في رئاسة الجمهورية ومن ثم في حاكمية مصرف لبنان، تنزلق ازمة ملء الشغور في القيادة العسكرية تدريجا نحو تفجير الاشتباك السياسي الأشد حدة منذ توقف وتعليق جلسات انتخاب رئيس الجمهورية العتيد في 14حزيران الماضي.
والواقع ان معطيات ملف ازمة الشغور المحتمل في القيادة العسكرية اتجهت في الأيام الثلاثة الأخيرة نحو منعطف لم تحسب قوى واوساط عدة لمدى خطورته في ظل وقائع اتخذت طابع دق جرس الإنذار بوجوب الحسم العاجل لهذا الاستحقاق قبل شهر وبضعة أيام من موعد إحالة قائد الجيش العماد جوزف عون على التقاعد في العاشر من كانون الثاني المقبل.
فالمعطى الأشد خطورة أولا يتمثل في التصعيد المتدحرج يوما بعد يوم الذي تعيشه جبهة الجنوب ميدانيا والتي شهدت في الساعات الثماني والأربعين الماضية تطورات تعتبر ذات دلالات ميدانية خطيرة لجهة ارتفاع مستوى المواجهات عبر خطوط الاشتباكات والهجمات المباشرة والتي علت معها نبرة التهديدات الإسرائيلية للبنان و”حزب الله” على نحو لافت ومثير للتدقيق.
هذا العامل وحده شكل ويشكل احد ابرز ركائز التصعيد السياسي المنتظر من جانب المروحة السياسية الواسعة للقوى المؤيدة والداعمة لخيار التمديد للعماد جوزف عون وهو الامر الذي يضع “حزب الله” نفسه في موقع محرج ان ناهض خيار التمديد بيد، فيما يمسك بيده الأخرى خيار المواجهة الميدانية بلا أي شريك الامر الذي يفاقم الاخطار المصيرية بكل المعايير على لبنان.
اما المعطى الاخر المتصل بصلب المأزق والذي يملي استعجال حسم لعبة تقاذف ألكرة وتبادل رميها في مرمى الحكومة او مجلس النواب، فهو ان ثمة حقيقة باتت مثبتة تتصل بتوافر أكثرية مؤكدة ومحسومة الى جانب التمديد للعماد عون فيما يتعذر تسييل هذه الأكثرية في الحكومة بفعل المعركة الطاحنة التي يشنها “التيار الوطني الحر” على التمديد ويمارس الابتزاز الموصوف على “حزب الله” لجعله يبقى في مساحة اللاموقف الحاسم. ومع ضغط الوقت سيتعين الاتجاه بشكل شبه نهائي نحو مجلس النواب لإخراج الحل التمديدي على يده من خلال الجلسة التشريعية المقبلة التي سيدعو اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري والتي ستكسر مقاطعة القوى المعارضة لجلسات التشريع استثنائيا مقابل التمديد للعماد عون .
ولعل ما عزز هذا الاتجاه ان زيارة وزير الدفاع قبل أيام لبكركي أخفقت بقوة بل زادت بكركي تشبثا بالتمديد وهو ما برز في عظة البطريرك الماروني امس.
التصعيد جنوباً
ولكن مجمل هذا المشهد الداخلي يبدو كأنه استعاد القلق والتوجس امام معالم التصعيد الذي تشهده الجبهة الجنوبية والذي اتسم بعنف متزايد امس. وقد سجلت مجموعة هجمات مركزة لـ”حزب الله” على مواقع إسرائيلية أوقعت على ما يبدو عددا كبيرا من الإصابات في صفوف الإسرائيليين اذ أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي إصابة 11 إسرائيلياً بينهم 8 جنود في إطلاق صاروخ على بيت هليل بالجليل الأعلى .
وعلت نبرة التهديدات الإسرائيلية فحذر المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية “حزب الله” من “ان ارتكاب خطأ قد يجلب الخراب للبنان” .
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حذر قبل ذلك من انه “اذا دخل “حزب الله” في حرب فهذا يعني نهاية لبنان”.
واعلن “حزب الله” في سلسلة بيانات استهداف اكثر من سبعة مواقع وتجمعات للجيش الإسرائيلي ابرزها آلية عسكرية في قاعدة بيت هليل ومواقع زبدين والرادار ورويسات العلم في مزارع شبعا المحتلة وتجمع للجنود شرق موقع حانيتا وموقع الراهب .
ورد الجيش الإسرائيلي بقصف مناطق لبنانية حدودية وأغلق محاور طرق عدّة في منطقة الجليل الأعلى على طول خط الحدود مع لبنان.
واستهدفت المدفعية الإسرائيلية سهل مرجعيون، وألقت القذائف الفوسفورية على وادي شبعا.
كذلك طال القصف المدفعي الاسرائيلي خراج برج الملوك أطراف بلدة كفرحمام وبلدة سردا قرب مركز الجيش، كما تعرضت منطقة اللبونة في الناقورة لقصف من عيار 155 ملم .
واستهدف الجيش إلاسرائيلي بقذيفتين منزلاً في أطراف بلدة مروحين مقابل مقر الكتيبة الغانية، وكان المنزل نفسه تعرض للقصف مرات عدة سابقاً. كما استهدفت غارة إسرائيلية المنطقة بين راشيا الفخار وكفرحمام فيما افيد عن غارة استهدفت اطراف حولا ووادي السلوقي.
في التحركات المتصلة بالوضع الحدودي والداخلي، إجتمع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي امس مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركتهما في”قمة المناخ” في دبي وجرى خلال الاجتماع بحث الوضع في لبنان وغزة والجهود المصرية لوقف العدوان الاسرائيلي على القطاع والتوصل الى وقف اطلاق النار تمهيدا للعودة الى البحث في حل شامل، يأخذ بعين الاعتبار الحقوق الفلسطينية.
وكان ميقاتي التقى السبت الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وبحث معه الوضع في غزة وجنوب لبنان.
كما تطرق البحث الى نتائج زيارة موفد الرئيس ماكرون الى لبنان جان ايف لودريان والمحادثات التي أجراها مع المسؤولين والقيادات.
الراعي على موقفه
اما في المواقف الداخلية البارزة فاسف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي “لإنتهاك الهدنة في غزّة، والعودة إلى حرب الهدم والقتل والتهجير، وتحميل الشعب البريء الآمن نتائج حرب التدمير والإبادة”.
واكد ان “لا أحد في لبنان يريد امتداد الحرب إلى الجنوب، إلى أهلنا اللبنانيّين الآمنين هناك. فإذا امتدّت إلى الجنوب، لا أحد يعرف أين تتوقّف وماذا تخلّف وراءها من دمار وضحايا.
فلنصل إلى الله كي يبعدها وليكن المسؤول أكثر حكمة وفطنة. وتواضع ودارية. فلا يمكن ان يُرغم اللبنانيون على حرب لا علاقة لهم بها”.
وفي الملف الداخلي قال الراعي “إنّ عدم انتخاب رئيس للجمهورية وإقفال القصر الجمهوري منذ سنة وشهرين تقريبًا جريمة موصوفة آخذة بهدم المؤسّسات الدستوريّة والإدارات العامّة وانتشار الفوضى والفساد وتشويه وجه لبنان الحضاري.
إذا تكلّمنا من باب القانون وروحه وفلسفته منذ الشرع الروماني إلى اليوم، كلامًا منزّهًا عن السياسة ومصالحها الخاصّة، نقرّ بأنّ القوانين تُعلّق بقرار من السلطة المختصّة بسبب الظروف القاهرة منعًا لنتائج قد تكون وخيمة، فنقول: يجب في هذه الحالة عدم المسّ حاليًّا بقيادة الجيش، بل تحصين وحدته وتماسكه، وثقته بقيادته، وثقة الدول به.
فالجنوب اللبناني متوتّر، والخوف من امتداد الحرب إلى لبنان يُرجف القلوب، والحاجة إلى الجيش متزايدة لتطبيق القرار 1701، واستقرار الجنوب، ولضبط الفلتان الأمني الداخلي، ولسدّ المعابر غير الشرعيّة بوجه تهريب البشر والسلع والمخدّرات وما سواها”.