كتبت “الأخبار” تقول: ما هو معلوم في مطبخ الدولة اللبنانية ان الطهاة المعلنين كثيرون، الا ان الطبّاخ الفعلي واحد. في كل يوم، لزمن قريب، أمثولة عن هذه القاعدة.
احدثها وليس آخرها حتماً، ما رافق في الايام الاخيرة التعامل مع تمديد بقاء قائد الجيش في منصبه في مجلس الوزراء وخارج
ما كان مقرراً لجلسة مجلس الوزراء الثلثاء الفائت أعطبته الساعات القليلة ليل الاثنين.
المحسوب والمتفق عليه ان يصير الى اتخاذ المجلس قراراً بالتمديد سنة لقائد الجيش العماد جوزف عون.
المحسوب ايضاً ان النصاب القانوني الموصوف للانعقاد واتخاذ القرار مضمون.
ليل الاثنين تبلّغ رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي من حزب الله موقفاً مختلفاً، هو رغبته في عدم الخوض في تمديد ولاية قائد الجيش وإرجائه الى موعد آخر لمزيد من التشاور.
اقترن الموقف المستجد للحزب بتأكيدٍ مفاده ان طرح الموضوع سيحمل وزيريْه على مغادرة الجلسة، ما يفترض تطيير نصابها.
تسبّب عدم انعقاد جلسة الثلثاء بتعذر مناقشة جدول اعمالها، فقيل بالعودة اليه في الاسبوع المقبل.
مساء الاربعاء تبلغ الوزراء فجأة موعد جلسة الخميس.
اوحى التئامها بالعودة الى بت تمديد بقاء قائد الجيش في منصبه. بيد ان شيئاً من ذلك لم يحصل
منذ الثلثاء يدور السجال من حول المشكلة نفسها: التمديد لعون ام تعيين قائد جديد للجيش؟
محدلة التمديد كانت تشق طريقها بسهولة بلا عوائق رغم الانقسام السياسي من حوله، واستعصاء المخارج القانونية المتيحة اجراؤه:
1 – رغم الانطباعات الايجابية التي اضفاها رئيس البرلمان نبيه برّي على لقائه بنواب حزب القوات اللبنانية، وتأكيده لهم انه سيدعو مطلع الشهر الى جلسة عمومية للمجلس لاقرار رفع سن تقاعد قائد الجيش، بقانون، سنة متى تعذر اقراره في مجلس الوزراء، الا ان الموقف الاكثر تواتراً على لسان برّي اثنان: اولهما ان لا يُحدث استثناءً لقاعدة درجت منذ آذار الفائت مع اللواء عباس ابراهيم، وثانيهما ليس مجلس النواب المكان المناسب لتمديد الولاية.
2 – ظلت العقبة الفعلية التي تدور من حول الطريقة التي يمكن مجلس الوزراء اخراج تمديد الولاية هي صيغته الدستورية، كون تأجيل التسريح منصوصاً على اجراءاته في قانون الدفاع، وتوقيع الوزير المختص مرسوماً بتأجيل التسريح لا مفر منه لتفادي إبطاله.
كلا المخرجيْن متعذران ويمسك الوزير موريس سليم بمفتاحهما: قرار يصدره هو صاحب الصلاحية بتأجيل المرسوم، او توقيعه الملزم مرسوم تأجيل التسريح يريد مجلس الوزراء اصداره من دون ان يكون صاحب اختصاص في ذلك. لا يملك مجلس الوزراء في الاصل ان يفعل، ولا ان يعتدي على صلاحية ناطها الدستور بالوزير في المادة 66، وقانون الدفاع به في المادة 55 واورد آليتها.
3 – ما كان يُسمع من حزب الله حتى مساء الاثنين، ان بت مصير قيادة الجيش بأحد خياريْن اثنين لا ثالث لهما: التمديد للقائد الحالي، او تعيين رئيس جديد للاركان يتولى للفور قيادة الجيش لتفادي شغورها.
أثار تعيين رئيس للاركان دون سواه فيما ثمة مقعدان آخران شاغران في المجلس العسكري هما المدير العام للادارة الشيعي والمفتش العام الارثوذكسي، حفيظة مزدوجة: معارضة الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تعيين رئيس للاركان دونما ان يسبقه تعيين قائد للجيش او تمديد ولاية عون، ومعارضة ارثوذكسية لاستبعاد تعيين ممثل الطائفة في المجلس العسكري.
عون الرئيس عن عون القائد: احد الصيصان التي ربيتها
ذلك ما سيتسبب قبل ايام بمشكلة عُزي افتعالها الى القائد نفسه. عندما وصل نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب يرافقه النائبان اديب عبدالمسيح وسجيع عطية الى مدخل وزارة الدفاع لمقابلة الوزير والاصرار عليه تعيين العضو الارثوذكسي، منع جنود المدخل «بناء على اوامر» الموكب من الدخول، وسمح فقط لأبو صعب بادخال سيارته الى الحرم فيما على عبدالمسيح وعطية ان يركنا سيارتهما في مرآب السيارات ويدخلا الى الوزارة مشياً. غضب بوصعب وسدّ بسيارته مدخل الوزارة ومنع الدخول اليها او الخروج منها الى ان ارغم قائد الجيش على التراجع عن تعليماته. لم يكن ذلك الحادث الوحيد آنذاك.
4 – الورقة الاخيرة المفترض ان تكون الرابحة في تعطيل التمديد لقائد الجيش هي الرئيس ميشال عون. في الكلمة التي القاها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الاحد الماضي والنبرة العالية التي تناول بها التمديد، عكست يقيناً بحصوله قبل ان تتدحرج تباعاً اسباب مهمة لابطاء سرعة اتخاذ القرار، ومن ثم تأجيله الى موعد لاحق، توطئة لصرف النظر عنه. بالتأكيد من شأن التمديد لقائد الجيش وقوع الطلاق نهائياً بين باسيل وحزب الله.
كلاهما بذل في الاشهر الاخيرة رغم الثقة المترجرجة بينهما جهوداً للحؤول دون افتراقهما في مرحلة يحتاج كلاهما الى الآخر.
ليس خافياً ان الرئيس السابق للجمهورية كان الوحيد من بين الرؤساء الثلاثة اسلافه عيّن بنفسه قائد الجيش ولم يُفرض عليه.
ليس خافياً كذلك عندما اقترح الرئيس اسم القائد الحالي، رفضه باسيل ولم يتحمس له حزب الله، الى ان ابلغ عون الى الحزب انه يكفله شخصياً.
آنذاك قال الرئيس السابق امام زواره عندما راح يعبّر عن ثقته بمَن يحلّه في قيادة الجيش ويتمسك به، انه «احد الصيصان التي ربيتها»، في اشارة الى رعايته العماد عون متدرجاً في الرتب وقريباً منه، شأن اعتياد الرئيس – عندما كان بدوره قائداً للجيش – على التعويل على الضباط الصغار الرتبة. انهارت علاقتهما بعد احداث 17 تشرين الاول 2019. ثلاث مرات استدعاه الى قصر بعبدا وطلب منه فتح الطرق التي اقفلها الحراك الشعبي فلم يستجب اياً منها.
تصرُّف قائد الجيش أشعر الرئيس بالخذلان والخيبة. مذذاك فقد عون الرئيس ثقته بعون القائد في مرحلة وُلد فيها نزاع بين قائد الجيش وباسيل. لكل منهما كمّ وافر من الاسباب يقصها عن الآخر.
تدخُّل الرئيس السابق للجمهورية في خطة تمديد بقاء القائد الحالي للجيش في منصبه ربما عجل في فتح الخيارات المقفلة الى الاثنين الماضي.
4 – ما ينتظر حكومة ميقاتي ما لم يطرأ ما يستجد، شأن ما يحصل باستمرار في بلد مفتوح على المفاجآت في كل آن، هو ذهابها في الايام المقبلة الى حسم نهائي للخيار.
ما يدور في الاروقة السياسية ان المخرج المرشح الى الظهور: إما تعيين قائد جديد للجيش او ايكال قيادة الجيش الى قائد بالوكالة ماروني الى حين انتخاب رئيس للجمهورية.
بت الخيار الاول في الايام المقبلة، قبل الوصول الى موعد احالة عون على التقاعد في 10 كانون الثاني المقبل، مؤداه إما وضعه في تصرّف وزير الدفاع او تعيينه في السلك الديبلوماسي من خارج الملاك (صلاحية تحتم في الاصل وجود رئيس للجمهورية الذي يملك الاختصاص وهو اقرب الى الاستحالة في غياب وزير الخارجية عن مجلس الوزراء). كلاهما مستبعدان متى اوكلت القيادة الى قائد اصيل او قائد وكيل في يوم 10 كانون الثاني.
في ما مضى قبل الحرب اللبنانية، اتخذ مجلس الوزراء مرتين قراراً بتعيين قائد للجيش في السلك الديبلوماسي دونما ان يُعيّنا بالفعل: اولى في كانون الثاني 1970 عند اقالة العماد اميل بستاني وثانية في ايلول 1975 عند اقالة العماد اسكندر غانم.