مقالات

بين الكذب والحقائق.. والسير عكس “الطوفان” الآتي!

| نغم حسن |

بين “خلو المناطق الجنوبية من أهلها”، وبين “انسحاب آخر الوكالات الإخبارية من الجنوب”… لبرهة قد يصدق العاقل أن أمراً مريباً يحدث.

لكن مهلاً.. كيف يكون هذا الكلام صحيحاً ونحن الإعلاميون في صلب العاصفة والطوفان، نشاهد ونتابع الحدث من منبعه لحظة بلحظة؟! ولتكتمل الأكذوبة، حتى المصور لشاهد الوحيد والعين التي تنقل الحقيقة، قام بإغلاق عدسته ورتبها في الحقيبة ليعود أدراجه من حيث أتى، ليقول لنا هذا الذي حمل فأسه إن شجره الصمود يجب أن أقتلعها وتبقون بلا حقيقة يشاهدها العالم، على الرغم من الاعتداءات التي يتعرض لها جنوب لبنان…

حسناً، يبدو أن الساعة الرملية قد انقلبت رأساً على عقب، فنقطة الصفر كانت استشهاد مصور “رويترز” الشهيد عصام عبد الله واصابة الزملاء الستة إصابات متفرقة. هنا بدأت الأكذوبة. انسحاب تلو آخر، وكأن الساحة قد خلت إلا من بعض القنوات اللبنانية.

البحث عن الحقيقة لم يكن صعباً بتاتاً، فـ”مديرية التوجيه” في الجيش اللبناني تفتح أبوابها كل يوم، وتتلقى الرسائل والاتصالات من الإعلاميين الوافدين من شتى البلدان الغربية، الأميركية والكندية والاسبانية والبريطانية والإيطالية والباكستانية، وغيرها من الدول العربية. فيما “العلاقات الإعلامية” في “حزب الله” تقوم بتنسيق كامل على طول الحدود الجنوبية، تتابع طلبات الإعلاميين الأجانب والعرب واللبنانيين، وتجيب على استفساراتهم، كما قام الكثير منهم بتغطية تشييع الشهداء الذين ارتقوا، فكانت فرصة لهم ـ حسبما قالوا ـ لـ”رؤية بيئة حزب الله وشجاعته”. كلهم وفدوا إلى لبنان للبحث عن المعلومة، كما الصورة، ينتظرون حرفاً واحداً من نصر الله أو أحد معاونيه..

الفنادق التي عجت بالرواد الإعلاميين، دليل جديد على أن الساحة الإعلامية الجنوبية لا زالت تبحث عن الخبر من مصدره، حيث الحدود الجنوبية مع شمال فلسطين المحتلة، هناك حيث يرابض المقاومون يسطرون أروع الملاحم، يروون الأرض دماً، ليكون طوفان الأقصى شعلة من الحرية.

سؤال وُجِّه لبعض وسائل الإعلام إن كانت ستختار، أو اختارت الرحيل بسبب خوف أو تحذير ما. فكان الجواب أن الفريق يعود أدراجه ليلاً إما للراحة الخاصة أو لتغيير الفريق بشكل عام. كما أن البعض فضّل إلغاء حجز الفنادق، ليس هرباً من مسؤولية نقل الحقيقة والحرب الشاهدة والشهيدة، وإنما لتخفيف أعباء مادية تترتب على المؤسسة.

التهويل المبرمج الذي يستهدف صمود الأهالي من خلال بث الرعب بالأنموذج الذي ينجذب إليه، فالإعلام الذي يتابعه الإنسان يجعله أسيراً إليه من دون أن يشعر، ويحاول تقليده واتباعه. لذلك، فإن هروب المراسل وعدسة الكاميرا يعني أن شيئاً مهولاً قد يحدث… ليتبين في ما بعد أن الكذبة كانت أصغر من تفاهاتهم وخوفهم هم… فاكذب حتى يتبين من أنت، وتسير ضد الطوفان الآتي…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى