فيد إحصاءات نشرتها قوى الامن الداخلي عن تراجع اعمال السرقة بنسبة 6.5% ، مقارنة مع العام المنصرم. لكن، ما يحدث على ارض الواقع مغاير تماما، بحيث ان وتيرة السرقات تتسارع بشكل لافت ومخيف. فلا يكاد يمر يوم من دون ان نسمع عن اعمال سطو تطال الممتلكات العامة والخاصة في القرى والمدن.
واللافت ان مفهوم اللصوصية تطور ليتخطى استلاب السيارات والدراجات النارية ومقتنيات المنازل، وامتد الى مدافن الأموات، ومنشآت ابار مياه الشفة، والغرف الزراعية في السهول ومحلات المجوهرات. وفي هذا السياق، أقدمت بالأمس سيدة اربعينية على سرقة 80 ألف دولار أميركي من محل جابر للمجوهرات في النبطية، الا ان عملية نوعية لفرع المعلومات انتهت بالقبض على السارقة المحترفة. والسؤال المطروح: هل السرقات الضخمة وحدها التي تحرّك الأجهزة الأمنية؟
امام هذا الواقع المأزوم معيشيا واقتصاديا واجتماعيا، تراجع أداء الأجهزة الأمنية بسبب انهيار قيمة رواتب عناصرها ومحفزاتهم، كما ان اعتكاف القضاة أدى الى تأجيل المحاكمات وتزايد عدد الموقوفين في السجون، وأحيانا التغاضي عن اللصوص.
الأرقام تتضاعف
على الصعيد الأمني، تحسّنت المؤشرات بشكل لافت خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، مقارنة بنفس الفترة من العام 2022 وفقا لتقرير أعدته “الدولية للمعلومات”. وبالرغم من ذلك، أظهرت المقارنة بين شهري شباط وآذار من هذا العام تزايدا في معدل الجرائم. فقد تراجعت نسبة جرائم القتل الى 28.2%، وجرائم السرقة بنسبة 40.5% ، وجرائم الخطف لقاء الفدية بنسبة 25% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام مقارنة بالعام السابق. ومع ذلك، تضاعفت جرائم الانتحار بنسبة 71.4% وجرائم سرقة السيارات بنسبة 7.1%.
وفي الإطار، كشف الباحث في الدولية للمعلومات السيد محمد شمس الدين لـ “الديار” عن أحدث التقارير والأرقام، مفندا السنوات ونسب جرائم السرقة خصوصا على الشكل التالي: “في العام 2018 وصلت نسبة جرائم السرقة الى 1391، وفي العام 2019 بلغت 1610، وفي العام 2020 سجلت 2535، وفي العام 2021 ارتفعت نسبة جرائم السرقة الى 5940. ودوّن العام 2022 من اول شهر كانون الثاني وحتى شهر حزيران من السنة عينها 2946 جريمة سرقة، بينما وصلت هذه النسبة في نهاية العام الى 4762، في حين ان جرائم السرقة سجّلت منذ بداية العام 2023 وحتى شهر حزيران 1827″، لافتا الى “ان معدل السرقة تراجع، ولكن على نطاق ضيق، كما يوجد جرائم لا يبلّغ عنها رسميا، ما يعني ان الأرقام قد تكون أكثر بكثير”.
واشار شمس الدين الى “ان الامر المقلق هو الارتفاع الملحوظ في الجرائم خلال شهر آذار مقارنة بشهر شباط من العام 2023. فقد لحظت الأجهزة الأمنية ارتفاعا في جرائم سرقة السيارات بنسبة 34.1% وجرائم السرقة بنسبة 8.8% وجرائم الانتحار بنسبة 50% وجرائم الخطف لقاء الفدية بنسبة 40%”. ولفت الى ان نسبة جرائم القتل لم تتغير، كما لا علم لدى القوى الأمنية بكل الحوادث والسرقات التي تحصل، والأمن يتطلب مقومات لوجستية ومالية الا ان الحلول الجذرية في هذا المجال شبه معدومة”.
جرائم على عينك يا دولة!
يشهد لبنان يوميا عمليات نشل وسرقة وابتزاز وقتل، وكأن الازمة الاقتصادية والظروف المادية، حوّلت الشوارع الى ساحات حرب مفتوحة للاعتداءات. ووصلت الوقاحة ببعض النشالين الماكرين حد مهاجمة ضحاياهم كما في وضح النهار كذلك في سكون الليل.
ففي بلدة المطيلب، بعد أسابيع على سرقة الواح الطاقة الشمسية وكابلات التيار الكهربائي، أقدم مجهولون على سرقة فتحات قنوات مياه الامطار الحديدية وحاويات النفايات وعواميد الانارة.
وفي الإطار، روى جورج لـ “الديار”: “ان شابين يستقلان دراجة نارية قاما بسرقة دراجتي من امام منزلي في انطلياس، حاولتُ تتبعهما عن طريق كاميرات المراقبة المتواجدة في المنطقة، لكن لم أستطع التعرف عليهما والمحاولات باءت بالفشل، لان الدراجة بلا لوحات”.
السرقات أيضا طالت بوابات المدافن وسياجات القبور في أكثر من بلدة لبنانية، وفي هذا السياق قالت زينب لـ “الديار”: “ذهبت لزيارة قبر والدي في الزرارية، فتفاجأت ان السياج الحديدي للقبر تم اقتلاعه بشكل كامل، وأيضا اجتثّوا الاسلاك المحيطة بالأحجار”.
بالموازاة، السيد عامر لم يسلم من لصوص الليل وقال: “بعد ان حاول لصان التسلل الى داخل منزلي لنهبه، تصدّيت لهما بسلاحي لإخافتهما، فقفزا من الشرفة الى الشارع وتواريا عن الأنظار، لكنهما عادا وخلعا البوابة الحديدية الخارجية للحديقة وقاما بسرقتها”.
اما السيدة نسرين فقالت: “فوجئت بأن “الدست” الذي كنت أسلق فيه القمح قبل أيام تمت سرقته من الغرفة الخارجية المخصصة للمستلزمات غير الضرورية وللأدوات التي تحتاج الى مكان واسع، و”الدست” قدر ضخم يحتاج الى حوالي 5 اشخاص لنقله من مكان الى آخر إذا كان فارغا، كونه مصنوعا من الستانلس والحديد السميك”. اضافت: “لا اعرف كيف حُمل او من قام بسرقته، لكن بالتأكيد لا يمكنني شراء آخر لان سعره باهظ ويبلغ حولي 1200 دولار أميركي”.
جسر قصقص
على خطٍ متصل، أقدمت عصابة على نزع “الدَراَبْزين” الحديدية العائدة لجسر المشاة في منطقة قصقص ، الذي كان قد شُيّد للحفاظ على السلامة العامة ليحمي الصاعد والنازل من السقوط، ولتسهيل عملية انتقال المواطنين من جهة الى أخرى، نظرا لخطورة هذه النقطة بسبب الاكتظاظ المروري على الدوام للسيارات والشاحنات والمركبات الضخمة. أيضا لمساعدة رواد ملاعب كرة القدم وكرة السلة على العبور بأمان من جهة الى اخرى. وهذا الجسر الحيوي يربط قصقص وجوارها، بمنطقة حرش بيروت وجامع الخاشقجي والطيونة وسبق الخيل، وصولا الى المتحف والبربير. وفي التفاصيل، تمت سرقة قوائم “الدَرابْزين” الممتدة على جانبي الجسر وهي كبيرة الحجم، ما يعني ان فكّها ليس بالأمر السهل.
وفي هذا السياق، قال السيد حسام وهو من سكان المنطقة لـ “الديار”: “ان البلدية بعد ان علمت بما جرى، غضّت الطرف عن القيام بالإصلاحات الضرورية واجراء اعمال الصيانة اللازمة، والبعض طالب بركن سيارة اسعاف الى جانب الجسر، لان العبور عليه يعد مخاطرة بعد اقتلاع قوائم الدَرَابْزين الحديدية من الجانبين بشكل كلي، كما ان الانتقال والتنقل من جهة الى أخرى بات امرا صعبا وخطرا بسبب حركة المرور الدائمة على هذا الطريق ذهابا وإيابا.
في سياق متصل، ألمح المختار ناصر العرب لـ “الديار” ان “سبب الاهمال يكمن في تقصير البلدية وتقاعسها في اجراء التصليحات المطلوبة”، واكد “ان البلدية على علم بما حصل من سرقة طالت المنشآت العامة، وهذا الجسر الحيوي على وجه التحديد. ووعد المختار بمعاودة فتح هذا الموضوع مع الجهة المعنية أي بلدية بيروت، للتسريع في إيجاد حل للحفاظ على سلامة الكبار والصغار وخاصة المسنّين”.
بالإشارة الى ان “الديار” حاولت التواصل مع رئيس بلدية بيروت السيد عبد الله درويش، لكن يبدو ان الإجابة عن هذه التساؤلات المحقة امر عسير، والحجة ان “الريّس” يهندس الملفات المتراكمة بعد توليه حديثا إدارة البلدية.