لن ينطلق العام الدراسي على مستوى الأعمال الإدارية في الثالث من أيلول المقبل. وذلك في انتظار المفاوضات الدائرة بين ممثلي الأساتذة ووزارة التربية حول الرواتب التي سيحصلون عليها. فقد سبق وطالب الأساتذة بأن لا يقل راتبهم عن 600 دولار بالشهر، بخلاف الخطة التي تقدم بها وزير التربية إلى الحكومة، والتي تنص على أن استقرار العام الدراسي لن يتم إلا في حال حصل الأستاذ على مبلغ يتراوح بين 200 و300 دولار.
لا تسجيل للطلاب السوريين
رفض الأساتذة هذه الخطة وبدأوا مرحلة ضغوط جديدة على منظمة اليونيسف بملف تعليم الطلاب السوريين. فتزامناً مع المفاوضات التي يجريها وزير التربية عباس الحلبي مع اليونيسف هذا الأسبوع، لتمويل ميزانية التربية وانطلاق العام الدراسي في موعده، ومن دون إشكاليات وإضرابات، بدأ ممثلون عن الأساتذة بالتحرك لعدم فتح أبواب المدارس التي تعلم في فترة بعد الظهر أمام الطلاب السوريين. وثمة عريضة ستوزع على مدراء المدارس في فترة بعد الظهر (نحو 350 مدرسة) للتصويت إلكترونياً على عريضة لرفعها إلى وزير التربية. فهو مطالب بالضغط على منظمة اليونيسف لدفع كلفة إشغال المدارس بمبلغ لا يقل عن 600 دولار عن كل طالب سوري. غير ذلك ستبقى أبواب المدارس مقفلة أمام الطلاب السوريين.
واندفع الأساتذة بهذا التوجه ضد منظمة اليونيسف والدول المانحة، بعدما كثرت أقاويل المسؤولين بأن الدول المانحة خفضت المبالغ التي تدفع عن كل طالب من 600 دولار إلى 140 دولاراً. صحيح أن الدول المانحة خفضت قيمة المبالغ التي تدفع عن كل طالب، إلا أن الأرقام ليست كما يشيعها المسؤولون في لبنان. ومرد الانخفاض هو السياسات المالية المتبعة في لبنان، وليس بسبب تراجع التمويل الدولي لمعالجة أزمة النزوح السوري.
سبب تراجع التمويل
في التفاصيل، حددت الدولة اللبنانية -ممثلة بوزارة التربية- المبالغ المتوجبة عن كل طالب سوري بناء على الدراسة التي أجرها البنك الدولي في العام 2015 لكلفة تعليم التلميذ المتعلقة بالمصاريف التشغيلية وأجور الأساتذة والمعلمين والأعمال الإدارية. وحدد المبلغ حينها، أي عندما تقرر فتح مدارس بعد الظهر، بـ600 دولار عن كل طالب سوري: 160 دولاراً لصناديق المدرسة والأهل ومئة دولار كلفة استهلاك المباني ومئة دولار ترميم، ونحو 340 دولاراً رواتب وأجوراً ومصاريف تشغيلية. وحددت قيمة أجر الساعة لأساتذة بعد الظهر وفقاً لأجر الساعة للمتعاقدين، التي كانت نحو 18 ألف ليرة، بما يعادل 13 دولاراً حينها. بعد انهيار العملة المحلية، وبسبب دفع وزارة التربية الأجور للمستعان بهم لتعليم السوريين بالليرة اللبنانية، وبسبب عدم وجود شفافية في الانفاق المالي، انتقل التعامل في هذا الملف إلى الصندوق الائتماني للتربية. وواصلت اليونيسف دفع أموال صناديق المدارس والأهل، وباتت تدفع مباشرة للأساتذة وفق الاتفاق مع وزارة التربية، التي تحدد قيمة الأجور. وعليه، كان تراجع التمويل في هذا الجانب بسبب تحديد وزارة التربية قيمة أجر الساعة للأساتذة بمئة ألف ليرة، عندما فاق سعر صرف الدولار المئة ألف ليرة، العام الفائت.
الدولة تحدد الأجور
مكتب اليونيسف في بيروت أكد رسمياً لـ”المدن” أن المنظمة الدولية “تغطي رواتب الأساتذة المستعان بهم وفقاً لقيمة الأجر والصرف الذين تحددهما الحكومة اللبنانية ووزارة التربية والتعليم العالي للأساتذة المتعاقدين”.
وتم تحديد الأجر الجديد بقيمة 2.5 دولار على الساعة، تغطي أجر ساعة التعاقد بمئة ألف ليرة ونحو 150 ألف ليرة كلفة مواصلات. بمعنى آخر، كان بإمكان وزارة التربية طلب أجر الساعة 13 دولاراً، كما كان في السابق، لكن وزارة التربية فضلت تحديد أجر الأساتذة الذين يعلمون الطلاب السوريين بما يوازي أجر الساعة للأساتذة المتعاقدين، كي لا تقوم قائمة كل الأساتذة في لبنان، في الملاك وفي التعاقد، على الأساتذة المستعان بهم.
أما بما يتعلق بتصريحات وزير التربية عباس الحلبي المحتجة على أن اليونيسف تدفع كلفة الطالب السوري في لبنان 140 دولاراً فيما تدفع في تركيا والأردن 600 دولار، فقد أكد مكتب المنظمة أن “جميع المدفوعات والتحويلات التي تقوم بها اليونيسف إلى الأساتذة وصناديق المدارس، عبر الصندوق الإتماني للتربية، تتم بموجب طلبات رسمية بالدفع من وزارة التربية والتعليم العالي، وبالقيمة التي تحددها الوزارة بالاتفاق مع اليونيسف”.
بمعنى آخر، الحكومة اللبنانية تغطي عجزها في عدم توفر الأموال للإنفاق على التربية، وتهرب إلى الأمام من خلال التصويب على المانحين. والمعضلة التي تعاني منها وزارة التربية هي في تحديد كلفة تعليم الطالب السوري، لا سيما أن الجزء الأساسي من المبلغ مخصص للرواتب والأجور. وعليه فإن المفاوضات الحالية مع اليونيسف هي لرفع بدلات صناديق المدارس وصناديق مجالس الأهل، لاستخدام هذا التمويل لدعم الأساتذة.
ففي حال طلبت وزارة التربية رفع أجور ساعات العمل للمستعان بهم ستصطدم بجيوش الأساتذة المتعاقدين وبأساتذة الملاك، الذين تراجعت قيمة رواتبهم. وإلى حين انتهاء المفاوضات ستكون المدارس مقفلة أمام تسجيل الطلاب السوريين.