في مثل هذا اليوم منذ سبعة عشر عاما صبيحة يوم الإثنين، أدركت مرة جديدة ان أرض الجنوب، أرضنا هي امنا وان وجه أمي هو وجه الارض حينها أصر والدي المقيمان في بيروت واللذان حرصا منذ ان غادرا القرية في اواخر خمسينيات القرن الماضي على قضاء كل عطل نهاية الاسبوع والاعياد والمناسبات في “الضيعة”، أصرا على العودة الى الجنوب، وعندما طلبت من أمي، التي كانت تعاني آنذاك من ظروف صحية حساسة، التريث حتى تتضح الصورة وتتأمن الطرق اجابتني بعتب واستغراب : ” معقول يا ماما؟! لقد مضى علينا 33 يوما دون ان نرى أرضنا، نريد ان نطمئن عليها ونرى ما حل بها بعد كل هذا العدوان والقصف الوحشي”.
كأن أمي التي لم تقرأ يوما للشاعر ايميه سيزار كانت تردد مع كل المقاومين والعائدين في ذلك الصباح رغم الركام والدمار وخطر القنابل العنقودية التي زرعها العدو في ارضنا، ابياته الجميلة في كتابه مذكرات العودة الى ارض الوطن: “سوف أذهب إلى أرض وطني وأقول:عانقيني بلا أي خوف، وإذا كان كل ما أعرف القيام به هو أن أتكلم، فأنني لن أتكلم إلا من أجلك وسأقول لها أيضا:فمي سوف يكون صوت كل تلك المآسي التي ليس لها فم، وصوتي سوف يكون صوت حرية كل الذين يقبعون في زنازين القهروعلى الطريق سوف أظل أردد لنفسي وقبل أي شيء، لجسدي وكذلك لروحي:حذارِ حذارِمن القبول بموقف المتفرج العقيم، لأن الحياة ليست مشهدا،ولأن بحرا من المآسي ليس مجرد مقدمة مسرحية،ولأن إنسانا يصرخ من العذاب ليس مجرد دبا راقصا.
منذ حوالي السنتين عدت أمي الى “الضيعة” ليحتضنك ويعانقك الى الأبد تراب الارض التي أحببت وبررت. سلام عليك أمي وعلى الشهداء والمقاومين وعلى الناس الطيبين المتجذرين في تراب هذا الوطن، سلام على أرضنا أمنا”.
المصدر الوكالة الوطنية للإعلام