سلايدرمقالات

“التيار البرتقالي”.. تضارب مصالح أم ضياع هوية؟

لا يمر استحقاق في البلد من دون بروز جانب من التخبط الذي يظهر على أداء “التيار الوطني الحر” في مقاربته للملفات، الأمر الذي يضع الأطراف الباقية في حيرة حول كيفية التعامل مع هذا التيار، وخصوصاً في الملفات ذات المصالح المشتركة أو ذات التأثير الوطني الشامل.

على سبيل المثال، أدى تعنت رئيس “التيار” في الملف الحكومي من جهة وفي الملف الرئاسي من جهة ثانية، إلى فك التحالف الذي استمر سبعة عشر عاماً مع “حزب الله”، والذي كان أبرز أسباب بقائه هو إصرار العماد ميشال عون والأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، والتعالي عن الكثير من الخلافات الجزئية والتركيز على المشتركات الكبيرة، بالإضافة إلى الوفاء لدى الشخصيتين.

لكن ما إن أصبح العماد عون رئيساً سابقاً للجمهورية، وانتقلت مقاليد “الحزب البرتقالي” إلى يد صهره بالكامل، حتى ظهر التمايز والإصرار على فرض الرأي لديه، ولو كان على حساب مسائل كيانية بالنسبة للحلفاء.

أصبح الوزير باسيل متهماً بالتعامل مع حلفائه بمنطق الابتزاز وليس من منطلق رجل الدولة، وهو العنوان الذي يجعل الكثير ممن تعاملوا معه ينفرون من أسلوبه، حتى في طرح المساومات على الطريقة اللبنانية.

كما أن الإعلان عن “اتفاق أولي”، وإن كان معيباً بعد سبعة عشر عاماً من التحالف، يُوَصّف الواقع الموجود، خصوصاً بعد ما حصل في الكحالة قبل أيام.

تشير مصادر مطلعة إلى أن باسيل كان مصراً على استبعاد ترشيح الوزير سليمان فرنجية، مقابل التفاهم على أسماء أخرى يمكن الوصول من خلالها إلى مرشح مشترك لرئاسة الجمهورية.

لكن قوبل هذا الطرح بالرفض من قبل “حزب الله” لكون المسألة أبسط في التعامل، فإذا كان الهدف هو الجلوس والتفاهم على الأسماء، ليكن اسم فرنجية أحدها، خصوصاً بعدما سقط إسم جهاد أزعور بالتصويت في جلسة مجلس النواب الأخيرة، ما يعني عدم قدرة باسيل على المناورة لاستبعاد اسم فرنجية مقابل استبعاد اسم ازعور من التفاهم. وبالتالي بقي جزء من الخلاف قائماً لغاية الآن.

لكن يبدو أن مسألة الخلاف أكثر عمقاً من مسألة مرشح، أو حتى من يحدد المرشح، لأن باسيل اكتشف في لحظة من اللحظات أن عليه الميل نحو اليمين المسيحي من أجل إثبات زعامته لدى المسيحيين، على غرار “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وغيرهما، متناسياً أن زمن المارونية السياسية انتهى منذ ثلاثين سنة، وأن التقوقع المسيحي لم يعد ينفع في زمن أصبحت فيه أوروبا في مرحلة الشيخوخة، وأميركا لديها حسابات أخرى لا تتوافق بالضرورة مع المصالح اليمينية المسيحية الضيقة.

في حادثة الكحالة، مثلاً، كيف يمكن تفسير قبول باسيل بالعودة إلى التفاهم مع “حزب الله”، في الوقت الذي اتخذ مع قيادات أخرى من “التيار” مواقف متشددة في حادثة الكحالة؟

تكوّن انطباع أن مواقف “التيار الوطني الحر” من حادثة الكحالة، أتت استغلالاً للمرحلة، فمن جهة أثبت باسيل يمينيته المسيحية وظهر مدافعاً عن “حقوق المسيحيين”، بصرف النظر عن أحقية هذا الدفاع من بطلانه، وفي الوقت عينه حاول ابتزاز “حزب الله”، على عادته، حتى يستغل الحوار الدائر بينهما ويكسب نقاطاً إضافية، عبر الضغط من بوابة الحاضنة المسيحية للمقاومة، وضرورتها الحيوية بالنسبة للأخيرة.

وأما أصل قبوله الحوار مع الحزب، فأتى بعد قراءة المتغيرات الدولية، وخسارته المدوية في الترويج لجهاد أزعور، وبعدما وصلته بعض التسريبات حول احتمالية صعود الجنرال جوزاف عون كمرشح تتوافق عليه القوى الدولية والإقليمية، الأمر الذي يعد هزيمة نكراء لباسيل، فقرر سد الطريق، والظهور بمظهر صانع الرئيس طالما أنه لن يكون هو الرئيس في هذه المرحلة.

وإلى حين يقرر الوزير جبران باسيل تحديد هويته وخياراته وتموضعه، ستبقى الأمور غير مستقرة على مستوى العلاقات الإسلامية ـ المسيحية، وعلى المستوى الوطني بشكل عام.

| علاء حسن |

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى