بعد قضائه ثلاثين عاماً في منصبه كحاكم لمصرف لبنان، انتهت ولاية رياض سلامة في 31 تموز 2023، من دون تعيين خلفٍ له، بسبب الانقسامات السياسية والشلل المؤسساتي. وتسلّم النائب الأوّل وسيم منصوري مسؤولياته بالوكالة في 1 آب، وفق قانون النقد والتسليف، ريثما يتم تعيين البديل، في خِضّم أسوأ أزمة نقدية واقتصادية تمرّ بها البلاد.
وتابع…
وحدّد منصوري طبيعة عمل المصرف بعد انتهاء ولاية سلامة، مؤكداً خلال مؤتمر صحافي عقده في مصرف لبنان، عدم توقيعه أي صرف للحكومة خارج الإطار القانوني، كما عرض لبعض الإصلاحات التي يجب القيام بها خلال الأشهر المُقبلة.
في هذا الصدد، أشار الخبير الإقتصادي نديم السبع الى أن ما لفته في تصريح نائب الحاكم الأوّل وسيم منصوري قوله إنه “عندما دخلوا الى المصرف المركزي أدركوا أنهم ليسوا قادرين على تغيير السياسة النقديّة المُتّبعة”، لافتاً الى أن قانون النقد والتسليف منع الفراغ في الحاكمية وأصبح الحاكم وسيم منصوري بغض النظر اذا كان اسمه حاكم البنك المركزي أو نائب الحاكم الأوّل، لكنّه يملك كامل صلاحيات الحاكم.
كما استوقفه إعلان منصوري رفضه القيام بأي تمويل للدولة خارج إطاره القانوني، فيكون بذلك رفع المسؤولية عنه بعد انتهاء ولايته.
وتابع السبع، في حديث لموقع “mtv”، أن تصريح منصوري يدعو للراحة لا للقلق، اذ انه لم يقُل إنه سيمنع تمويل الحكومة أو تقديم الدعم للقطاع العام والقوى الأمنية ومؤسسات الدولة والأدوية، بلّ سيُبقي الدعم على الأساسيّات التي كانت مدعومة سابقاً. كما شدّد على أن تصريحه يدعو الى راحة ظرفية لأن أي صدمة سلبية في البلد تُساهم في رفع سعر صرف الدولار وتدهور أكبر على الصعيد النقدي، وهذه المرحلة تدعو الى الهدوء. وقال: “هناك انتقال سلس في الحاكمية بغض النظر عن تبرّؤ نواب الحاكم من المرحلة السابقة”.
وعن السياسة النقدية المُتوقع اتباعها قال: “إن السياسة النقدية ستكون مُشابهة لتلك التي اتبعها الحاكم السابق رياض سلامة. والظروف الاستثنائية التي دفعت الحاكم الى إصدار تعاميم استثنائية ما زالت موجودة، وبالتالي لن نشهد تغييراً كبيراً في السياسة النقدية، بلّ سنشهد فقط تعديل تعميم أو زيادة آخر أو حذفه، ولكن السياسة الكبيرة ستبقى ذاتها”.
وأشار الى أن هناك مرحلة استقرار في ما يتعلّق بسعر صرف الدولار لأن القطاع العام سيظلّ يتقاضى رواتبه بالدولار وسط دولرة البلد، إضافةً الى أن البنك المركزي استطاع أن يفهم اللّعبة ويقول الأمر لي في الأمور النقدية وبات مُسيطراً. ونعتقد أننا سنشهد انخفاضاً في سعر الصرف وليس ارتفاعاً.
وهل فعلاً هناك مخاوف من فوضى نقديّة في المرحلة المقبلة؟ وما هي السيناريوهات النقديّة المتوقّعة؟ أجاب السبع: “نحن في رمال مُتحرّكة أي أن أي صدمة نقدية أو سياسية أو مالية أو أمنية كبيرة مُمكن أن تُعيد الفوضى الى الأمور النقدية في البلاد. وبالتالي، لا يُمكننا القول إنه بات لدينا هدوءاً نقديّاً. الدولار سيشهد مرحلة تحرّك هادئة نسبياً في هامش يتراوح بين 85 و90 ألف ليرة في فترة ثلاثة أشهر”.
وفي حال ذهب منصوري الى تحرير سعر الصرف، ماذا سيحدُث؟ يُجيب السبع: “تلك العملية تعني أننا نترك تحديد السعر تبعاً للعرض والطلب على الليرة والدولار، فإذا تمّت فجأة سنُحدث صدمةً سلبيةً. اذاً، إن تحرير سعر الصرف يجب أن يتزامن مع وقف طبع العملة وتمويل الدولة حالاً. وهناك مواطنون في القطاع الخاص مازالوا يتقاضون رواتبهم بالليرة وآخرون ما زالوا تحت خط الفقر، وبالتالي، اذا أردنا التحرير لا يُمكننا تركهم بل علينا توفير حزمة أمان اجتماعي لهم. ومن سيموّلها؟ مصرف لبنان أو وزارة الشؤون المُفلسة أو البنك الدولي؟”.
ولفت الى أنه “لا يُمكننا القول للمودع إننا سنُعطيه أمواله على سعر الـ15000 بل تبعاً لسعر الصرف في السوق، ما يعني أننا سنطبع عملة إضافية ونعطيها للمودع وسنضخّ ليرة في السوق، مما يزيد التضخّم أكثر، وبالتالي يرفع سعر الصرف وتصبح الأمور أكثر تعقيداً. ولا يجب أن ننسى أيضاً أنه قبل تحرير سعر الصرف لدينا الايداعات، فهل الحلّ يكون عبر “بيل إن” أو “بيل آوت” أو صندوق استثماري مع تصنيف الودائع”؟.
وختم السبع مؤكداً أن “الذهاب الى تحرير سعر الصرف من دون ايجاد حل لهذه الأمور سيُحدث صدمة نقدية كبيرة في البلاد وفي الأسواق بطريقة سلبية، وبالتالي ارتفاعات في سعر الصرف ومشاكل في المصارف، مع الاشارة الى أن موازنة الدولة مُعتمدة على سعر صيرفة، وفي حال حرّرنا سعر الصرف سنعتمد على سعر جديد للموازنة وهنا لا سعر ثابت”.