كتبت صحيفة “الجمهورية”: تلاحقت التطورات على جبهتي الاستحقاق الرئاسي في ضوء تمادي الشغور في سدّة رئاسة الجمهورية، وحاكمية مصرف لبنان، قبيل انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نهاية الشهر الجاري، واحتمال حصول شغور فيها إذا ما لم يُعيّن حاكم جديد خلفاً له. وقد سبقت هذه التطورات وصول الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان وأعقبته، بحيث انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان اول من التقاهم لودريان، اكّد «أنّ كوة في الملف الرئاسي قد فُتحت». وقبيل ذلك اعلن بعد استقباله رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، انّ مجلس الوزراء سيجتمع غداً لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان.
في الموعد المحدّد وصل لودريان بعد ظهر أمس الى مطار رفيق الحريري الدولي في زيارة تستمر ليومين، إن لم يطرأ ما يفرض عليه تمديدها لساعات اضافية، قبل ان يعود الى باريس، بحيث سيعقد خلالها لقاءات مع عدد من المسؤولين اللبنانيين ورؤساء الكتل النيابية والسياسية.
وقال مصدر ديبلوماسي فرنسي لوكالة «فرانس برس»، إنّ لودريان يزور لبنان «لعرض نتائج اجتماع الدوحة ولقاءاته في المملكة العربية السعودية». وسيحاول، وفق المصدر، «التوفيق بين وجهات النظر وتهيئة الظروف الملائمة للتوصل إلى حل توافقي» يُنهي الشغور الرئاسي.
ومن المطار توجّه لودريان الى عين التينة حيث استقبله الرئيس بري والوفد المرافق في حضور السفيرة الفرنسية لدى لبنان آن غريو على مدى أقل من ساعة بقليل، وعرض معه لمهمّته الجديدة والمقترحات التي يحملها بعد لقاءاته قبيل اللقاء الخماسي العربي الدولي الاخير، وبعده في الدوحة مع المسؤولين القطريين ومن ثم في جدة مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، بالإضافة الى ما تبلّغه عن نتائج زيارة وزير الخارجية القطري لطهران الأحد الماضي.
وفي ظلّ غياب اي معلومات دقيقة عن اللقاء وصمت لودريان الذي لم يشأ الإدلاء بأي تصريح، قال بري: «إنّ اللقاء كان جيداً، ويمكن القول إنّ كوة قد فُتحت في جدار الملف الرئاسي».
ومن عين التينة توجّه لودريان الى قصر الصنوبر حيث التقى على التوالي رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» ورئيس كتلة نواب «اللقاء الديموقراطي» تيمور جنبلاط. وافادت مفوضية الإعلام في «الحزب الإشتراكي» في بيان، أنّ الرجلين «عرضا للمستجدات السياسية».
وأكّدت أنّ جنبلاط «أكّد أمام الموفد الفرنسي ضرورة الكف عن إضاعة الوقت وانتخاب رئيس للجمهورية»، وشدّد على «التمسّك بالحوار بلا شروط مسبقة كمدخل للتوصل إلى التوافق الداخلي المطلوب لإنجاز هذا الاستحقاق وإعادة تفعيل المؤسسات».
برنامج لودريان اليوم
وقد التقى لودريان ليلاً عدداً من رؤساء الكتل النيابية، وفي برنامجه اليوم تردّد انّ زيارة صباحية سيقوم بها الى السرايا الحكومي للقاء ميقاتي، قبل ان توضح دوائر رئاسة الحكومة بداية ليل أمس، أن «لا لقاء بين ميقاتي ولودريان لأنّ اجتماعات الأخير تقتصر فقط على المعنيين مباشرة بانتخاب رئيس للجمهورية». اما لقاءاته الأخرى فلم يُعلن الاّ القليل منها. وقد أُعلن من معراب انّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سيلتقي لودريان عند الاولى بعد الظهر، قبل ان يزور الاخير رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.
اما اللقاء الذي سيجمعه بالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي فلم يُحدّد مكانه حتى مساء امس، إن كان في مقره الصيفي في الديمان او في بكركي إن عاد اليها الراعي صباح اليوم.
جلسة للحاكم بلا نصاب
وعلى صعيد قضية حاكمية مصرف لبنان واستكمالاً للورشة المالية التي فُتحت مطلع الأسبوع بين رئيس الحكومة ونواب حاكم مصرف لبنان بعد جولة تمهيدية لهم على اللجان النيابية الأسبوع الماضي، أُعلن امس انّ ميقاتي استدعى نواب الحاكم الى لقاء يُعقد اليوم، قبل 24 ساعة على موعد جلسة مجلس الوزراء التي دعا الى انعقادها قبل ظهر غد، لدرس الوضعين المالي والاقتصادي مع اقتراب إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وسيناقش المجلس كل الخيارات المتعلقة بهذا الملف نهاية الشهر الجاري.
وقالت مصادر قريبة من ميقاتي لـ«الجمهورية»، انّه في ما يتعلق بحاكمية مصرف لبنان انما يقوم بواجبه، فهو يرى انّ هناك فراغاً سيحصل في هذه الحاكمية، ويعمل على تلافيه بتعيين حاكم جديد للمصرف المركزي، ولهذه الغاية دعا الى جلسة لمجلس الوزراء غداً لإجراء هذا التعيين، وإذا لم تنعقد الجلسة سيدعو الى جلسة أخرى الاثنين المقبل، فإذا لم يتوافر نصاب جلسة الغد او جلسة الاثنين فعندئذ على الجميع تحمّل المسؤولية.
غير انّ مصادر مشاركة في الاتصالات اكّدت لـ«الجمهورية» انّ نصاب اي من الجلستين لن يتوافر، ولذلك فإنّ حاكمية مصرف لبنان في هذه الحال ستؤول إلى النائب الاول للحاكم الدكتور وسيم منصوري التزاماً بقانون النقد والتسليف.
وكان موضوع تعيين حاكم لمصرف لبنان محور البحث في اللقاء بين بري وميقاتي في عين التينة، وإذ اكّد الاخير رغبته بدعوة مجلس الوزراء لإجراء هذا التعيين أيّده بري، واعلن بعد اللقاء انّه دعا ميقاتي الى عقد الجلسة لهذه الغاية غداً.
الضرورات والمحظورات
ولاحقاً اكّد برّي، في حديث لقناة «الحرّة» الاميركية، أنّه خلال لقائه وميقاتي اتّفقا على عقد جلسة لمجلس الوزراء غداً لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، مشيراً الى أنّ تعيين حاكم جديد هو مطلَبُه من الأساس.
وردّ برّي على من يقول إنّ تعيين حاكم ليس من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، فتساءل: «هل نحن في ضرورة أكثر من التي نعيشها؟ إذا لم يكن هذا تصريفَ أعمالٍ فماذا يكون؟»، وشدّد على أنّ «الضرورات تبيح المحظورات».
ولدى سؤاله عمّن يجرؤ على حمل كرّة نار الحاكميّة في هذا الوضع الدقيق، أجاب بري: «كتار الشخصيّات، أكتر من الهمّ عالقلب، وجميعهم يريدون تسلّم الحاكميّة». وأكّد أنّ لا أسماء لديه، ولكن الرئيس ميقاتي هو من يملك الأسماء.
وعن صعوبة عقد جلسة لمجلس الوزراء في ظلّ مقاطعة «التيار الوطني الحرّ» لجلسات حكومة تصريف الأعمال، ردّ برّي إنّه «صعب عقد جلسة كهذه، لأنّه لا بدّ من مشاركة «التيار الوطني الحرّ»، ولكن هذا هو الحلّ الوحيد».
وفي ملف رئاسة الجمهورية، كرّر بري تمسّكه بدعم ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، مضيفاً: «لن نتنازل عن مرشّحنا». وقال: «لا حلّ إلاّ بالحوار، أدعو للحوار يوميّاً، المطلوب فقط رئيس جمهوريّة، أدخلنا كل الدول الخارجيّة في أزمتنا، من يريد ومن لا يريد مصلحتنا، وفي النهاية الحلّ الوحيد هو الحوار». مضيفاً: «افتح يا سمسم هو انتخاب رئيس جمهوريّة». وحذّر من أنّ «كل لبنان سيكون في خطر في حال لم يتمّ انتخاب رئيس قبل نهاية السنة».
وذكّر بري بلقائه مع وفدَ سفراء الخماسيّة قبل الاجتماع الأخير، إذ قال لهم: «نشكركم لمساعدتنا ومؤازرتنا على الشخص الذي نحن نختاره». وإذ نفى أي ربط بين رئاستي الجمهورية والحكومة، رأى أنّ «القوّات اللبنانية، و«التيار الوطني الحرّ» ساهما بتعطيل عمل المجلس النيابي الذي يُشكّل اليوم المؤسسة الدستوريّة الشرعيّة الوحيدة في ظلّ الفراغ».
«التيار» و«القوات»
وفي المواقف، دعت الهيئة السياسية في «التيار الوطني الحر» مجلس النواب إلى «تحمّل مسؤولياته الدستورية والوطنية في انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم انتظار الخارج لتنفيذ هذا الإستحقاق الدستوري السيادي والميثاقي وعدم مخالفة ما ينصّ عليه الدستور».
وحذّرت في بيان عقب اجتماعها أمس برئاسة النائب جبران باسيل، «من تمادي حكومة تصريف الأعمال المستقيلة في ضرب الميثاق ومخالفة الدستور، فالشغور في منصب حاكم المصرف المركزي يُعالجه قانون النقد والتسليف. أما إذا كان هناك رفض لتحمّل المسؤولية، فإنّ «التيار الوطني الحر» يرى المخرج بتعيين حارس قضائي وفي كل الحالات، من غير الجائز بقاء رياض سلامة بأي صيغة كانت ولا الإستمرار بسياسته».
ومن جهته رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» الدكتور سمير جعجع اكّد خلال استقباله وفداً قواتياً من منطقة عاليه أنّ «القوات تخوض حالياً، الى جانب حلفائها، معركة استرداد الجمهورية من خاطفيها عبر منع محور الممانعة من السيطرة على موقع رئاسة الجمهورية، الأمر الذي، في حال حصوله، سيؤدي إلى استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية ومضاعفة معاناة اللبنانيين». وقال: «نُدرِك تماماً أننا أمام مسار طويل في عملية تحرير القرار اللبناني من خاطفيه وإعادته الى المؤسسات الرسمية، إلا أننا مصممون على اجتيازه كاملاً، من دون كللّ أو تردّد، حتى يتحقق للبنانيين ما يصبون اليه من حياة حرّة وكريمة في وطن سيّد ومزدهر، تسوده عدالة القانون».
«تجمع العشائر العربية في لبنان»
في عضون ذلك انتقد بيان سني حمل توقيع «تجمع العشائر العربية في لبنان» ما سماه «سياسة التغييب الفرنسية غير الحكيمة التي يتعمدها» الموفد الرئاسي الفرنسي لودريان، «تجاه دار الفتوى ومفتي الجمهورية الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان».
ولفت البيان إلى أن لو دريان «دأب على استثناء عائشة بكار (دار الفتوى) من دون بعض المرجعيات الدينية اللبنانية، من جولاته المكوكية للبحث عن مخارج لأزمة لبنان المستعصية، في حين أن المفتي دريان هو الرئيس الديني لأكبر طائفة لبنانية، وهو شكل على الدوام، ويشكل في هذه المرحلة بالذات، صمام الأمان في حماية السلم الأهلي وتعزيز العيش المشترك والوحدة الوطنية والحفاظ على اتفاق الطائف ومشروعية وانتظام استمرار واستقرار مؤسسات الدولة».
وحذر البيان «الخارجية الفرنسية من الاستغراق في ارتكاب الأخطاء الاستراتيجية التي تتخبط فيها في الملف اللبناني المعقد، فهي بعدما تعاطت مع المكون المسيحي المعارض على أنه «في الجيبة»، خسرته، واشتبكت معه إلى حد تهديده «بزوال لبنان وتجريده من رئاسة الجمهورية»، ثم وقع الافتراق بينها وبين «محور الممانعة والتعطيل» الذي برز جليا في خطاب «التعنيف اللفظي» الذي مارسته السفيرة آن غريو بمناسبة عيد بلادها الوطني بوجه الثنائي الشيعي، والردود الأعنف التي رد الأخير بها عليها، وها هو الموفد لو دريان اليوم قد يرتكب نفس الخطأ تجاه دار الفتوى، ويتعامل مع المكون السنّي على أنه بلا رأس، ومهمش ومتروك على قارعة الطريق، في الوقت الذي أثبتت فيه كل التجارب ألا قيامة للبنان من دون الطائفة السنية المؤسسة للكيان اللبناني».
وختم البيان: «ربما اختلط على الخارجية الفرنسية بأن المفتي دريان غير الموفد لودريان، وبالتالي ننصح الخارجية الفرنسية بتدارك هذا الخطأ الفادح، حتى لا تخرج فرنسا من اللعبة اللبنانية وتخسر مصالحها المحلية والإقليمية بسبب سياسة قاصرة، تتعامل بها مع العالم العربي على أطلال سايكس- بيكو».