أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة، في مقر المجلس، والقى خطبة الجمعة التي قال فيها: “نسأل الله العافية في أمورنا كلّها ونستغفره ونتوب إليه إنه هو التواب الرحيم ونتقرّب اليه بموالاة أوليائه وحبّهم ومودّتهم محمد وآله الطاهرين الذي ربما يستدعي السؤال عن السبب في هذه الموالاة وعن هذا الحب وهذه المودة وهذا الاهتمام إلى الحد الذي نحيي فيه ذكرهم وولاداتهم ووفياتهم ونُقيم لهم العزاء والمآتم، كأن الحدث جديد العهد مع بُعد الزمن الكفيل بالنسيان كما يحصل مع كل منا حينما يفقد عزيزاً، لأنه مع مرور الزمن تخفّ العاطفة والشوق والحزن خصوصاً مع كثرة المشاغل والهموم اليومية ولكن مع رسول الله وآل بيته (ع) يبقى الامر حاراً والعاطفة قوية.
هم وصية الله تعالى التي ثبتها في قرآنه حيث قال:( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) والمودة هي خلوص الحب لهم والعاطفة الشديدة نحوهم ووصية رسوله (ص) بهم وتكرار ذلك منه الذي قال: “إنّي تارك فيكم الثِقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي”، وغيرها من الآيات والروايات التي أكّدت هذا المعنى لا أشكال ان لهذه الوصية تأثيرها على المؤمنين في تمسّكهم وحبّهم للرسول وآله، ورسول الله (ص) لُقِّبَ بحبيب الله فكيف لا يكون حبيباً لنا من كان حبيباً له، بل مَن أَمرَنا بحبّهم وأخبرنا بأن الحسين (ع) منه وهو منه وان الله يحب من أحبه فقال: (حسينٌ مني وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسينا”.
وقد أحسن الشاعر التعبير حين قال:
يا آلَ بَيتِ رَسولِ اللَهِ حُبَّكُم فَرضٌ مِنَ اللَهِ في القُرآنِ أَنزَلَهُ
يَكفيكُمُ مِن عَظيمِ الفَخرِ أَنَّكُمُ مَن لَم يُصَلِّ عَلَيكُم لا صَلاةَ لَهُ
وتابع: ” وإذا كان لآل البيت هذه المنزلة والرفعة والدرجة في القُرب من الله تعالى فكيف لا يكون له في قلوبنا هذا المحلّ الذي لم يبلغه أقرب الناس إلينا، بل ورد التهديد من الله تعالى لمن قدّمهم عليهم في الحب والولاء حيث قال: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) ٠
وهم الأقرب إلى النفس وأحبّها وهو خطاب مُوجَّه للمؤمنين كافة لمن كان موجوداً ولمن سيوجد إلى يوم الدين، فنحن معنيون بهذا الخطاب ومشمولون به فهم أولياؤنا وشفعاؤنا اليوم كما كانوا لمن مضى ولمن سيأتي، حاضرون فينا في قلوبنا وعقولنا ووجداننا فعلاً نتعامل معهم تعامل الحاضر لا الغائب أو من مضى وانتهى من حياتنا نأتمر بأوامرهم وننتهي بنهيهم، هذا من حيث الاعتقاد.
أما من حيث السلوك فما قدّموه في سبيل ديننا وأمتنا وما فيه حياتنا عزّتنا وكرامتنا وآخرتنا جدير أن يكونوا منا في هذا المقام، فبهم نفوز بالجنان وننجو من النيران ونجوز الصراط ونروي ظمأ القيامة على الحوض بكأسٍ من يد مولانا أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب (ع) إمام الحقّ وميزانه، فعليٌّ مع الحق والحق مع علي، ” يا علي لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق” لقد ملأوا كل وجودنا، وهل يليق بنا بعد هذا أَلاَّ يملأ الحزن لحزنهم قلوبَنا والفرح لفرحهم وجودَنا”.
وسأل: أليس بعد كل هذا نحيي الدين والايمان بإحياء ذكرهم فتحيا به أنفسنا، فإحياء النفوس إنما يكون بما تغرسه فيها من المبادئ الحقة والقيم الانسانية والاخلاقية السامية التي بها بقاء الامم كما قال شوقي:
وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا
ومن له خلق مثل خلقهم ومن غيرهم حاز عُشر ما حازوا يقول فيهم الشاعر مهيار الديلمي:
• أَنَا الْعَبْدُ وَالَاكُمُ عَقْدُهُ إِذَا الْقَولُ بِالْقَلْبِ لَمْ يُعْقَدِ • وَفِيهِ وِدَادِي وَدِينِي مَعًا وَإِنْ كَانَ فِي «فَارِسٍ» مَوْلِدِي • خَصَمْتُ ضَلَالِي بِكُمْ فَاهْتَدَيْتُ وَلَوْلَاكُمُ لَمْ أَكُنْ أَهْتَدِي
أيها الاخوة والاخوات، هم أهل الإيثار وبهم نزلت ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خاصة (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا)٠
وهم أهل الذكر الذين أمر الله بالرجوع إليهم بالسؤال (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) ٠
أخرج البيهقي: أنّ جارية لعليّ بن الحسين جعلت تسكب عليه الماء ليتهيّأ للصلاة، فشجَّه فرفع رأسه إليها، فقالت له: إنّ الله يقول: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾، قال: “قد كظمت غيظي”، قالت: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾، قال لها: “عفا الله عنك”، قالت: ﴿وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ قال “اذهبي فأنت حرّة لوجه الله“.
اضاف: “نحن كما ذكرت نحيي ذكرى شهادة الامام الحسين (ع) لنحيي بها أنفسنا، السؤال هو كيف نحيي أنفسنا باحياء هذه الذكرى؟ والجواب هو بأن نحيي قيمها في نفوسنا.
أيها الاخوة، نحن نعيش اليوم أزمات متعددة وعلى كل الصعد اقتصادية واجتماعية وسياسية، الازمة السياسية يبدو إلى الآن انها ليست قريبة الحل لأنها ناشئة عن أزمة نظام، وهي أزمة ثابتة لأن هناك في الداخل من يراهن على الخارج ويتحالف معه ويتآمر على الشريك في الوطن ولا يريد الاعتراف بأن العدو الاسرائيلي يُشكِّل خطراً على لبنان، بل على العكس من ذلك يُراد إخضاع لبنان إما لمشيئة العدو الاسرائيلي أو تحطيم لبنان، وحينما أفشلت المقاومة مشروع إخضاع لبنان وإلحاقه بالمشروع الاسرائيلي أرادوا تحطيم لبنان وافتعلوا الازمة السياسية واتبعوها بالأزمة الإقتصادية”.
وتابع: “نحن نقول ان الحل في لبنان لن يكون الا بالعودة إلى الوطن والاعتراف بالشركاء والتوافق معهم على انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة والبدء بتطبيق الاصلاحات كما ورد في اتفاق الطائف للوصول إلى إلغاء نظام السقوف المتعددة، نظام الامتيازات العثماني، نظام المشاريع الخاصة وبناء دولة المواطنة، ليبقى لبنان منبر حوار ورسالة عيش مشترك.
أما بالنسبة للازمة الاقتصادية فالمؤسسات عُجِّزت عن القيام بتأمين حاجيات الشعب اللبناني واُستبدلت بمؤسسات بإسم جمعيات “ان جي اوز” التي اخترعت لتمرير الأموال للقوى المرعية من قبل بعض السفارات والمنخرطة معها بالمؤامرة على لبنان ودوره في المنطقة وعلى قوى المقاومة، وافتعال أزمة المجتمع من أجل الاستسلام لإرادة حماة الكيان الصهيوني، لذلك فأنه ليس أمامنا سوى تنشيط العمل الشعبي والتعاون بين الأفراد والجمعيات في كل حي وقرية وتقديم العون للمحتاجين لإيجاد حالة من التكافل لمواجهة الحالة الاجتماعية التي من الممكن أن تتصاعد في المرحلة المقبلة، لنتجاوز أزمة المجتمع التآمرية ونفشل إرادتهم في دفعنا للاستسلام”.
ورأى الخطيب “انّ ما نشهده من تكرار الإساءة للمسلمين والتوهين لمقدّساتهم ورموزهم ليس أمراً عفوياً ولا يتعلّق بحرية الرأي، وإنما هو فعل متعمّد وهو يأتي في سياق الحرب الإعلامية والعسكرية والإقتصادية بقصد تشويه صورة الإسلام تحت شعار “الإسلاموفوبيا” وإثارة الكراهية والنعرات الدينية بين الشعوب”.
وقال: “إنّنا إذ ندين بشدّة هذا التصرّف للحكومة السويدية نطالب الدول العربية والإسلامية بإتخاذِ موقفٍ حازم وقطع العلاقات الدبلوماسية معها حتى ترعوي عن فعلتها الشنعاء وتعتذر من العالم العربي والإسلامي.“