اقتصاد
عملة سوريا الجديدة… زيتون وتوت وبرتقال وقمح و ورود وحيوانات… أين التاريخ والحضارة؟

أثارت التصاميم المتداولة للعملة السورية الجديدة موجة واضحة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، تجاوزت السخرية السطحية إلى نقاش أعمق حول معنى الهوية الوطنية وكيف يجب أن تنعكس على رمز سيادي بحجم العملة.
الاعتراض الأساسي لم يكن على جمال الألوان أو دقة الرسم، بل على الفكرة التي قامت عليها التصاميم، والتي اختزلت سوريا في رموز زراعية مثل الوردة الشامية، والتوت الشامي، والبرتقال، والقمح، والقطن، والزيتون، إلى جانب عناصر من البيئة والحياة البرية كالحصان العربي، والريم، وعصفور الدوري، والفراشة، وصدف البحر، وكأن البلاد تُعرَّف فقط بوصفها أرض إنتاج زراعي.
كثير من المنتقدين رأوا أن هذا الطرح يتجاهل عمق سوريا التاريخي والحضاري، ويقدّم صورة مبسطة لا تليق بدولة تُعد من أقدم مراكز الاستقرار الإنساني في العالم.
فالقمح والزيتون موجودان في عملات وشعارات عشرات الدول، ولا يحملان خصوصية سورية واضحة، ما جعل العملة تبدو بلا سردية، وبلا هوية مميزة يمكن التعرف إليها حتى بعد عقود.
واعتبر المنتقدون أن القائمين تهرّبوا من وضع الرموز، وصور وشخصيات عظيمة في تاريخ سوريا وإلغاء الحضارات السابقة وعدم ذكرها، وهنا لا نقصد عائلة الاسد.
في هذا السياق، طُرحت بدائل عديدة اعتبرها المتابعون أكثر منطقية وتمثيلًا. من أبرزها الرموز المعمارية والتاريخية الجامعة، مثل قلعة حلب، التي تُعد رمزًا للاستمرارية والصمود، وواحدة من أقدم القلاع المستخدمة في التاريخ.
كذلك ذُكر الجامع الأموي في دمشق، ليس فقط كمعلم ديني، بل كأيقونة حضارية ومعمارية تعكس تعاقب الحضارات على المدينة الأقدم سكنًا في العالم.
ومن البدائل المطروحة أيضًا إدراج معالم مثل تدمر، التي ترمز إلى دور سوريا التاريخي كجسر بين الشرق والغرب، أو قلعة الحصن، باعتبارها نموذجًا عالميًا في العمارة العسكرية.
هذه الرموز تحمل قيمة ثقافية عالمية، ولا تثير انقسامات سياسية أو دينية، بل تعكس إرثًا مشتركًا للسوريين جميعًا.
إلى جانب المعالم، اقترح آخرون استخدام عناصر حضارية أعمق، مثل النقوش القديمة، الفسيفساء السورية، أو إشارات إلى بدايات الكتابة والأبجدية في المنطقة، وهي مساهمة سورية أساسية في تاريخ الإنسانية.
حتى الزراعة، التي أراد المصمم إبرازها، كان يمكن توظيفها بشكل أذكى، كعنصر زخرفي ثانوي يحيط بالرمز الرئيسي، لا أن يكون هو جوهر التصميم.
في الخلاصة، لم تكن المشكلة في استخدام القمح أو الزيتون بحد ذاته، بل في جعلها العنوان الوحيد لهوية بلد غني بالتاريخ والرموز.
العملة كانت فرصة لإعادة تقديم سوريا بوصفها دولة حضارة وثقافة وذاكرة إنسانية، لكن ضيق الخيارات جعلها تبدو أقل بكثير من حجم الاسم الذي تحمله.
المصدر: بنت جبيل
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.


