مقالات
عام من الشهداء رغم وقف إطلاق النار!

بين اتفاقات وقف إطلاق نار تُوقَّع على الورق، ودمٍ يُسفك على الأرض، تتكشّف حقيقة المشهد في لبنان وغزة: حروب لم تتوقف، وعدوان مستمرّ يتخذ من الخروقات سياسة دائمة، ومن المفاوضات غطاءً مؤقتًا.
فبعد أكثر من عام على اتفاق وقف الأعمال العدائية في لبنان، ومع دخول اتفاق مشابه حيّز التنفيذ في غزة، لم يتراجع العدوان الإسرائيلي، بل اتّسعت رقعته، وتزايد عدد ضحاياه، فيما عجزت الوساطات الدولية والإقليمية عن فرض أي التزام فعلي.
في هذا السياق، تتداخل السياسة بالنار، والدبلوماسية بالدم، لتطرح أسئلة مصيرية حول جدوى المفاوضات، وحدود الضغوط الدولية، ومن يدفع كلفة هذه الحروب المفتوحة في زمن الاتفاقات المعلّقة.
حرب لبنان
واصل جيش الاحتلال الاسرائيلي خرق اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، على الرغم من مرور أكثر من عام على توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية. ففي الشهر الماضي، اعلنت وزارة الصحة اللبنانية أن خروقات الاحتلال على مدار عام من الاتفاق، بلغت الآلاف (4300 بحسب آخر حصيلة في آب)، نتج عنها 335 شهيداً و973 جريحاً (حتى 27 تشرين الثاني 2025).
لم تلتزم “اسرائيل” بالاتفاق، فعلى الرغم من التزام المقاومة في لبنان “حزب الله”، بشروط الاتفاق، وعدم خرقها لأي من بنوده، يعمد الاحتلال على مواصلة خروقاته في جميع أنحاء البلاد، فلم يكتف بخرق هذا الاتفاق في الجنوب أو في البقاع، بل وسع عدوانه نحو الضاحية ومناطق عديدة في جبل لبنان.
مفاوضات لبنان
على الرغم من المساعي الدبلوماسية والدولية، للجم “اسرائيل” عن اعتداءاتها، تواصل خروقاتها غير آبهة بالنتائج، فبعد أميركا وفرنسا والسعودية وقطر، دخلت مصر على خط الوساطة في لبنان، وعرضت مبادرة لانهاء الحرب الاسرائيلية بشكل نهائي على البلاد، وحصر سلاح “حزب الله” بيد الدولة، وإكمال مساعي خطة الجيش اللبناني.
ولكن، لم تصل المساعي المصرية لأي نتيجة. وعليه، وافقت الدولة اللبنانية كخطوة كبيرة، على إشراك مدنيين بالمفاوضات التي تجري لحصر السلاح، وذلك لا يعني التفاوض مباشرة مع “اسرائيل” أو التوصل لاتفاق سلام معها، فبحسب ما تقول التصريحات الرسمية في البلاد، تأتي المبادرة بعد فشل المبادرات التي سبقتها، لربما أثمرت شيئاً.
وعليه، تم اختيار السفير السابق سيمون كرم، كمفاوض مدني يتولى ملف المفاوضات في لبنان.
بعد عام من الاتفاق، أحدثت “اسرائيل” دماراً واسعاً على مدى لبنان بأكمله، قتلت ، ارهبت، واعتدت على كل ما هو لبناني، ولم تكتف باحتلال البقع الخمسة التي توغلت نحوها خلال “عدوان أيلول”. ورغم جميع المساعي، لم تنجح اي واحدة بإيصال لبنان نحو بر الأمان. فهل ستجد الدولة اللبنانية حلولاً قبل نهاية المهلة الأميركية لنزع السلاح؟
حرب غزة
وقعت حركة “حماس” والكيان الصهيوني في تشرين الأول من العام 2025 على اتفاق وقف الأعمال العدائية في غزة. ورغم ذلك، واصلت “اسرائيل” عدوانها المتكرر، تحت ذريعة وجود “حماس” داخل المناطق التي تقصفها. وبعد انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، والتي تضمنت تسليم الأسرى الصهاينة لسلطات الاحتلال ما عدا أسير واحد قالت الحركة إنها لم تعثر عليه، اعلنت الأطراف المعنية في الاتفاق قرب بدء المرحلة الثانية من الاتفاق، رغم الخروقات المتواصلة.
قتلت “اسرائيل” خلال شهرين فقط أكثر من 400 فلسطيني وأصابت اكثر من 1000، ما يرفع العدد الاجمالي للشهداء في غزة لأكثر من 70 ألف. ورغم ذلك، تواصل اعتداءاتها، وتحاول قدر الإمكان حرمان أهل غزة من جميع سبل العيش، وآخرها كان عبر منع وسائل التدفئة وإعادة الإعمار في القطاع، ما أسفر عنه العديد من الوفيات نتيجة البرد القارس والعواصف وانهيار المنازل. وقد جاء ذلك بعد حرب التجويع التي مارسها الاحتلال على مدار الحرب كلها، وخصوصاُ بعد وقف إطلاق النار، عبر منعه دخول المساعدات عبر المعابر، واتهام جهات مختلفة بفرض الحصار، كمحاولة منه للتنصل من جريمته، كعادته.
مفاوضات غزة
على الرغم من المساعي القطرية والمصرية، والأميركية وغيرها، لا تستجيب “اسرائيل” لأي من الدعوات لوقف الإبادة الجماعية في غزة، ولا يسمع رئيس وزراءها بنيامين نتنياهو من حليفه دونالد ترامب. فعلى الرغم من موصلة المفاوضات، قامت “اسرائيل” باستهداف الوفود المفاوضة عدة مرات، أهمها الاغتيال الذي نفذته في الدوحة، حيث استهدفت مكان إقامة الوفد المفاوض، وأسفر عن ذلك شهداء وجرحى. وهذا ما أكد أن الكيان لا يسعى نحو وقف العنف، بل يحاول جاهداّ قتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء باعتداءته المتواصلة.
يذكر أن نتنياهو يواجه حكماً دولياً، متمثلاُ بمذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، تدينه بتنفيذ جرائم حرب هو ووزير حربه السابق يوآف غالانت، إلى جانب قضايا فساد حاول مراراً التنصل منها. ورغم ذلك، لم يتوقف المجرم عن القتل، ولم يردعه أي حكم حتى الآن.
فهل يستطيع ترامب إقناع نتنياهو بالتوقف عن القتل في القمة المقبلة التي ستنعقد بينهما؟ أم أنه اتفاق مشترك والجرائم الاسرائيلية تنفذ بـ”مباركة أميركية”؟.
| زينب سلهب |
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.



