مقالات

هل من بديل للتفاوض مع العدو؟

قرار الرؤساء جوزيف عون ونبيه بري ونواف سلام خوض مفاوضات مباشرة مع الكيان الإسرائيلي الذي يتمادى بارتكاب إبادة جماعية بحق البشر وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يعني (1) اعترافاً بشرعية المجرم، إذ إن التفاوض المباشر مع العدو يُضعف الجهود القانونية لمحاسبته ويُنظر إليه كاعتراف بشرعية كيان قتل ولا يزال يقتل لبنانيين وفلسطينيين وسوريين ويمنيين، ومغتصب لأرض فلسطين ومحتل لأراض لبنانية وسورية؛ (2) الإضرار بمئات آلاف الضحايا، لأن الجلوس مع من يقتل اللبنانيين في قصف القرى والبلدات اللبنانية (بشكل متواصل قبل الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار وبعده) ويرتكب تطهيراً عرقياً في فلسطين، يُعد خيانة أخلاقية وتقليلاً من وحشية الجرائم التي تعرضوا لها.

والأخطر من ذلك، أن خوض لبنان الرسمي التفاوض مع العدو الإسرائيلي يعدّ (3) تشجيعاً لسلوكه الإجرامي. فحين يرى الطرف المجرم أن جرائمه تمنحه مكاسب تفاوضية، سيستمر أو يزيد منها. كما أن التفاوض مع العدو الإسرائيلي يشكل (4) تقويضاً للقانون الدولي ولنظام روما الأساسي واتفاقيات جنيف التي تشير إلى وجوب محاسبة مرتكبي الجرائم وليس مكافأتهم سياسياً.

تسعى أوساط الرؤساء اللبنانيين إلى تبرير خوض التفاوض رغم فداحة الجرائم الإسرائيلية. ويصرّ بعض مستشاري بلاط القصور الرئاسية على أن دوافع التفاوض مع العدو ليست تبريراً لجرائمه، بل ضرورة لإنقاذ الأرواح في ظل تزايد التهديدات الإسرائيلية بتوسيع الحرب.

لكن، ألا يعني ذلك رضوخاً للتهديدات؟ وكيف يتعامل العدو الإسرائيلي مع من يرضخ له؟ كيف تعامل العدو الإسرائيلي مع رضوخ حكام سوريا الجدد لـ«السلام مع إسرائيل»؟ ألم يقصف العدو دمشق ويوسّع احتلاله في الجولان إلى درعا وجبل الشيخ وريف دمشق بعد إعلان أحمد الشرع رضوخه للإسرائيليين والأميركيين؟

في أوساط الرؤساء الثلاثة من يتحدث عن الواقعية في النزاعات، ويدّعي أن التفاوض هو السبيل الوحيد لوقف القتل وإعادة الإعمار وانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان.

علماً أن المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم قالوا إنهم لن ينسحبوا من تلة الحمامص واللبونة والدواوير (بين مركبا وحولا) وجبل بلاط (بين مروحين وراميا) وجل الدير (بين عيترون ومارون الراس) ولن يوقفوا سرقة مياه نهر الوزاني بعدما دمّروا محطة الضخ التابعة للدولة اللبنانية.

الخلاصة الأخلاقية هي أن التفاوض مع جهة لا تتوقف عن القتل وترتكب إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتخطف لبنانيين وتعذبهم في سجونها، غير أخلاقي من حيث المبدأ. ولا يمكن أن يصبح خياراً صحيحاً حتى لو كان الهدف من التفاوض إنقاذ المدنيين أو تقليل الضرر، لأن العدو الإسرائيلي كان قد أعلن مسبقاً رفض الانسحاب (ولم يعلن أو يُلمّح لجدول زمني للانسحاب)، ولم يقدم حتى الآن معلومات عن المخطوفين اللبنانيين والأسرى الذين يحتجزهم.

استعجال التفاوض المباشر مع الإسرائيليين يفتح الطريق لمرحلة قد تكون أكثر تدميراً للبنان من أي عدوان أو احتلال إسرائيليين

على أي حال، لا بد من التأكيد أن لا التفاوض المباشر ولا غير المباشريمكن أن يُسقط المسؤولية الجنائية للعدو الإسرائيلي، وكل من يقف معه ويحرّضه ويطالبه بالقتل والقصف والتدمير (أعلن الإسرائيليون أنفسهم أخيراً أن المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس طلبت من الجيش الإسرائيلي قصف مئات آلاف اللبنانيين في المدينة الرياضية أثناء تشييع القائد الشهيد السيد حسن نصر الله).

بما أن التفاوض مع العدو لن يحقق المرجوّ منه لبنانياً، فما هو البديل؟
في ظل وجود الرئيس السابق لمحكمة العدل الدولية على رأس الحكومة، ألا يمكن البحث في البديل القانوني – القضائي الدولي؟ ولماذا لا يتم اللجوء إلى محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية مثلاً؟ ألا يمنح ذلك لبنان شرعية دولية في التعامل مع العدو الإسرائيلي؟

صحيح أن هذا المسار يتطلب إجراءات طويلة ومعقّدة، وقد يصطدم بتصميم واشنطن على حماية العدو من أي ملاحقة أو قرار قضائي، لكنه مجدٍ على المدى الطويل لتثبيت حقوق لبنان واللبنانيين، علماً أنه لا يردع عسكرياً، ولا يغيّر موازين القوى.
ماذا عن البديل السياسي – الديبلوماسي غير التفاوضي؟

ألا يمكن للرؤساء اللبنانيين الذين يتغنّون بصداقاتهم الدولية والعربية السعي إلى بناء جبهة ديبلوماسية عبر الأمم المتحدة مثلاً، عبر تقديم شكاوى دورية إلى مجلس الأمن في نيويورك ومجلس حقوق الإنسان في جنيف عن العدوان والاحتلال الإسرائيلي المتواصل؟ ألا يمكنهم الضغط بقوة عبر «أصدقاء لبنان» لانسحاب العدو من الجنوب وفقاً للقرار 1701؟

في الخلاصة يتبين أن البديل الأكثر استدامة للتفاوض مع العدو يبقى البديل الاقتصادي والصمود الداخلي عبر
بناء قوة اقتصادية تمكّن لبنان من تحمّل الضغوط. ويستدعي ذلك إصلاحات داخلية وتنشيط قطاعات الإنتاج المحلية وتخفيف الاعتماد على الخارج.

والعمل بموازاة ذلك على تطوير استراتيجية دفاعية عسكرية تضم كل القوى والطاقات في لبنان.

هذا المسار يطوّر استراتيجية وطنية لبنانية على المدى الطويل ويقلّل من هشاشة لبنان في مواجهة الضغوط الخارجية، ويمنح الدولة قدرة تفاوضية أكبر في المستقبل.

لكن هذا المسار، بكل أسف، يحتاج إلى سنوات من العمل وإلى بيئة سياسية غير متوافرة حالياً.

الرؤساء اللبنانيون استعجلوا التفاوض المباشر مع الإسرائيليين وفتحوا الطريق لمرحلة جديدة قد تكون مدمّرة للبنان، أكثر بكثير من أي عدوان أو احتلال إسرائيليين.

عمر نشابة-الاخبار

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى