مقالات
فادي بودية vs رامي نعيم: «الكلاسيكو» الإعلامي انتهى على خير!

شهدت حلقة «الاتجاه المعاكس» أمس مواجهة حادّة بين فادي بودية ورامي نعيم، خيّبت توقّعات الجماهير الباحثة عن انفجارٍ تلفزيونيّ.
ورغم محاولات فيصل القاسم إشعال الحلبة، بقي الاشتباك كلامياً فقط، تاركاً جدلاً واسعاً على المنصّات.
منذ سنوات، طوّر فيصل القاسم أسلوباً «خاصاً» في برنامجه «الاتجاه المعاكس» على قناة «الجزيرة» القطرية.
أسلوب بلغ ذروته مع اندلاع الحرب السورية واعتماد الإعلامي السوري عملية ضخّ وشحن مذهبي وطائفي في البرنامج حتى استحال الاخير حلبة مصارعة فعلية (أحياناً) بين الضيوف.
يلجأ القاسم عادةً إلى استفزاز ضيفه الأوّل، من ثم يجرّ ضيفه الثاني إلى أقصى الانفعال، بينما يحرص هو أن يظلّ بينهما كـ «قائد للحلبة»!
في الحلقة التي استضافت الإعلاميين فادي بودية ورامي نعيم أمس الثلاثاء، كرّر القاسم الأسلوب نفسه.
لكنّ المفارقة أنّ «الكلاسيكو» اللبناني خيّب القاسم، إذ لم يبلغ «لحظة الانفجار» الكفيلة بزيادة نسبة متابعة البرنامج: لم تنطلق شرارة الحرب الأهلية اللبنانية ولم تسجّل أي إصابات، ولا تضارب، ولا تطاير للكراسي، ولا تراشق بالطاولات كما اعتدنا في هذا البرنامج الشهير بالحوادث المماثلة.
وكان الترقّب ساد وسائل التواصل الاجتماعي لانطلاق المعركة المنتظرة بين فادي بودية ورامي نعيم، فيما انطلقت النكات والفيديوات الساخرة على تيك توك.
نتنياهو في بعبدا؟
رغم عدم ارتقاء المواجهة إلى مستوى التوتّر المرجو من الجماهير، إلا أنّ ما تضمّنته «سرديّة» رامي نعيم السياسية ارتقت إلى ما هو أسوأ من ذلك بكثير.
ومهما حاول الاختباء خلف اللغة الفصحى المستجدّة في حواره لإظهار أنّ خطابه متوازن، إلا أنّ طبعه غلب تطبّعه، لينزلق مراراً في فخّ أهوائه، كاشفاً عن الحقد العميق الذي يُغذّي لسانه المُتسرّع.
وبين الخطايا الوطنيّة الكثيرة التي أشعلت اللبنانيين المترقّبين للنزال، ضجّ الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي بسقطة لنعيم ـــ رغم كثرتها ــ حين أجاب على اتّهامه من قبل بودية بأنّه يرغب في رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في قصر بعبدا.
صدم نعيم المشاهدين على امتداد العالم العربي بالردّ عليه بدون تردّد: «يا ريت».
شيطنة المقاومة
بدأت الحلقة بإيقاع منضبط، رغم «القلوب المليانة».
أدار فيصل القاسم الحوار من دون إفساح في المجال للنقاشات المباشرة بين الطرفين.
ورغم أنّ نعيم بدأ الحلقة بإعلان نهائي بأنّ السلاح غير مجد ولا ينفع بشيء، إلا أنّه ناقش على مدى 50 دقيقة ضرورة تسليم هذا السلاح.
وقدّم ضيفا الحلقة شرحاً تاريخياً حول النظرة إلى المقاومة، بين بودية الذي استشهد بمجازر إسرائيل في لبنان منذ خمسينيات القرن الماضي، حين لم تكن هناك لا مقاومة لبنانية ولا غيرها، وبين نعيم الذي ادّعى أنّه كان إلى جانب «حزب الله» في حرب عام 2006 وهلّل لانتصاره، معتبراً أنّ المقاومة حظيت بإجماع وطني حينها، قبل أن ينطلق إلى مجال عمله في شيطنة الحزب واللعب على الوتر المذهبي بالتطرّق إلى أحداث سابقة في سوريا.
ثم قفز من هذه القراءة إلى التحسّر على ما اعتبره خطيئةً، بانسحاب فريقه السياسي من اتفاق 17 أيّار، في إشارة إلى اتفاق الاستسلام الذي حاول حزب «الكتائب اللبنانية» تمريره في عام 1983، بعد أشهر من الغزو البرّي الإسرائيلي في ظلّ احتلاله أجزاءً واسعة من الجنوب والبقاع الغربي.
حتى فيصل القاسم ضحك على نعيم
من جهته، بدأ بودية بخلع ثوب الحوار الهادئ ليُهاجم ادعاءات نعيم كونها «تزويراً للحقائق لتنفيس الحقد»، كما شكّك بقدراته العقلية، متسائلاً ما إذا كان هناك «عاقل يقول إنّ الحزب حرس حدود لإسرائيل».
وتواصلت الحلقة بالأسلوب نفسه. يُلقي رامي نعيم استفزازات متلاحقة، بدءاً باعتبار خطر المقاومة وإسرائيل في المستوى نفسه بالنسبة إلى لبنان، مروراً بالاستهزاء بحرب الإسناد، وصولاً إلى اعتبار أنّ «حركة «حماس» تشمت بـ «حزب الله» من خلال رفضها اتفاقات مشابهة لما حدث في لبنان».
وكما يمضي نعيم عمره، استثمر كامل وقته على الهواء في تخوين المقاومة واستهداف سلاحها الذي «يخدم هدف إسرائيل في تدمير لبنان ومنع قيام اقتصاده ليتمكّن من منافسة العدو».
لكنّ سيل الاتهامات يميناً ويساراً أوقعه في أحضان فيصل القاسم نفسه، حين ادّعى رامي نعيم أنّ الحزب موجود في السويداء في جنوب سوريا، ويتكاتف مع الإسرائيلي في تلك المنطقة.
لم يستطع القاسم تمالك نفسه من تمرير ضحكة ساخرة بوجه هذه الادعاءات، خصوصاً أنّه ضليع بالسويداء التي ينحدر منها. كما وافق بشكل صريح على جواب بودية على هذه المعلومات بكونها «مهزلة فكريّة».
«سلام» تحت الجزمة الاسرائيلية
بعد مداخلة سريعة لـ «تشات جي بي تي» استعان بها بودية لتبيان أطماع إسرائيل في لبنان والمنطقة، ورفضها نعيم كونه «يعلم أكثر من الذكاء الاصطناعي»، عاد القاسم ليسأل نعيم: «لماذا تريدون سحب سلاح الحزب وحماس بينما إسرائيل تتسلّح حتى أسنانها؟ ولماذا تريد أن تخصي المنطقة برمّتها من أجل أن ينام هذا الكيان قرير العين؟».
لكنّه كما عادته، هرب إلى الأمام متجنّباً الإجابة عن السؤال عبر إلقاء سيل من خطاب الكراهية تجاه إيران.
من ثمّ أعاد قاسم إحراجه سائلاً: «هل يستطيع جيشك مواجهة إسرائيل؟».
هذه المرّة، كان جواب نعيم أسوأ من الهرب: «ليس هذا دور جيشي».
حَرص نعيم على إظهار أنّ جلّ مشروعه السياسي والشخصي هو «حزب الله».
تغنّى برؤية ما اعتبره مشاهد ضعف الحزب من خلال استبدال صور قادته الشهداء عن لوحات إعلانية على طريق المطار، بلوحات أخرى تحمل شعار «لبنان يريد السلام».
لكنّ الاحتدام عالي النبرة وصل إلى ذروته في حرب الحقائق حول ما إذا كانت المبعوثة الأميركية، مورغان أورتاغوس، قد دخلت إلى مقرّ رئيس مجلس النواب، نبيه بري، مرتديّة نجمة داوود أم لا.
عند الخطر، لم يكن نعيم «قوّات»، إذ سرعان ما استدرك حديّة بودية على النقطة الشائكة، قائلاً بطريقة وديّة: «عم نتناقش يا فادي روق».
واستمرّ التصعيد قبيل انتهاء الحلقة، بين تركيز بودية على أولويّة استعداء إسرائيل، وبين نعيم الذي تعهّد بالانضمام إلى الحزب إذا ما قدّم أمينه العام تعهّداً بتسليم السلاح في حال خرجت إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلّة.
وبينما خسر القاسم السيطرة على نقاش الضيفين للمرّة الوحيدة في الحلقة، تقاذف الطرفان الصراخ العالي لثوانِ معدودة، اعتبر فيها رامي نعيم أنّ السلاح أصبح خردة، ليُجيبه فادي بودية عن استعداده لأخذه إلى المخازن للتأكّد من وجوده.
حسرة في القلب
انتهى التراشق الكلامي مع بوديّة، الذي ردّ على مطالب نعيم بإغلاق «مؤسسة القرض الحسن»، بتذكيره بأنّه عاجز عن سحب أي قرض من المصارف اللبنانيّة التي نهبت أموال المودعين، غامزاً لنعيم بأن يتّصل به لمساعدته في رهن كيلو الذهب الذي يملكه لأخذ قرض من المؤسسة المالية التابعة لـ «حزب الله».
ختم القاسم الحلقة بتنهّدٍ طويل يُحاكي ما تضمّنته من صراخ عالٍ، مع حسرة في القلب بعدم حصول المشاهدين على ما ترقّبوه من تطوّر الكباش اللفظي إلى مستويات أعلى. وبينما خرج الطرفان كلّ على موقفه، استخلص المشاهدون العبر الجليّة عن فحوى المشروعين المتناحرين في لبنان: الأوّل يقاتل بكل ما يملك في وجه عدو لبنان، وبين الطرف الثاني الّذي يدّعي تشخيصه لهذا التهديد، لكنّه لا يكترث بتسليح الجيش اللبناني ولا إيجاد ضمانات، فمطلبه الوحيد تسليم السلاح بدون بديل.
لا يملك أي مشروع لبناء الدولة ويتمحور مشروعه السياسي الوحيد حول الانصياع الكامل للإرادة الأميركيّة بسبب «عدم القدرة على مواجهة طلباتها».
علي سرور-الاخبار
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع "صدى الضاحية" بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.



