مقالات

الإعلام الغربي لـ… «إسعاف» إسرائيل!

في القانون يعد الاعتراف إدانةً. أما في الإعلام الغربي، فالاعتراف لا يعتدّ به حتى ولو كان صادراً عن إسرائيل. يعرفون مصلحتها أكثر منها. القاعدة المتبعة التي لا حياد فيها هي تبرئتها من كل جرم. وفي حالة الجرم الفاقع والموثّق، فعلى الأقل يجب العمل على تجهيل الفاعل.

في 23 آذار (مارس) المنصرم، أعدم «جيش» العدو الإسرائيلي 15 مسعفاً فلسطينياً في غزة بشكل جماعي، أثناء توجه قافلة من سيارات الإسعاف وسيارة إطفاء شمال رفح في مهمة إنسانية، وتوقّفها فجأة وسط الطريق على إثر اكتشاف سيارة إسعاف تعرّضت لاستهداف سابق.

بعد توقف القافلة وخروج المسعفين وعناصر الدفاع المدني من الآليات، أطلق «جيش» الاحتلال النار عليهم بكثافة وعمد لاحقاً إلى دفنهم في مقبرة جماعية إلى أن عثر عليهم في 30 آذار. جريمة وصفت بالأكثر دموية على العاملين الإنسانيين منذ عام 2017، ليرتفع عدد الشهداء من الطواقم الطبية إلى 1402، إضافة إلى 111 شهيداً من طواقم الدفاع المدني، ويصل الإجمالي إلى 1513 شهيداً منذ بدء العدوان، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة.

طبعاً، الرواية الإسرائيلية كانت مناقضة تماماً للوقائع، إلى أن ظهر مقطع فيديو عثر عليه في هاتف أحد المسعفين ونشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، يبيّن زيف ادعاءات العدو.

«دويتشه فيله» الألمانية

لم تذكر أنّ المسعفين فلسطينيون أو من غزة

وفيما كانت الرواية الكاذبة تزعم أنّ «الجيش» الإسرائيلي «لم يستهدف مركبات إسعاف عشوائياً، إنما رصد اقتراب عدة سيارات بصورة مشبوهة من قوات جيش الدفاع من دون قيامها بتشغيل أضواء أو إشارات الطوارئ، ما دفع القوات لإطلاق النار صوبها» وبأنه قضى على «أحد عناصر الجناح العسكري لحركة «حماس» إضافة إلى ثمانية مخرّبين آخرين ينتمون للحركة الفلسطينية وللجهاد الإسلامي»، أثبت الفيديو أنّ مركبات الإسعاف والإطفاء، التي كان يستقلها المسعفون وعناصر الدفاع المدني، كانت مُعلّمة بوضوح، وأضواء الطوارئ كانت مضاءة، أثناء تعرضهم لإطلاق النار من قبل قوات الاحتلال.

وإذا كان الفيديو غير كافٍ، فقد أتت شهادة المسعف منذر عابد، الناجي الوحيد من المجزرة، لتزيل أي إمكانية للشك، إذ روى تفاصيل الأحداث وتسلسلها وكيف أنه سمع أصدقاءه وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، قبل أن يعتقله جنود العدو حيث «تعرضتُ لتعذيب شديد ولكمات وإهانة وتهديد بالموت والخنق. ضغط أحد الجنود على عنقي ببندقيته».

معطيات دفعت بـ «الجيش» الإسرائيلي إلى التراجع عن روايته الأولى. لكن هذا لم يمنع وسائل الإعلام الغربية من التمسك بتجهيل الفاعل وإن أقرّ بفعلته!

وكما لو أنّ محرّراً واحداً أو يداً خفية حرّكت إدارات تحرير عدد من الوسائل الإعلامية الغربية، تناقلت الأخيرة خبر ظهور الفيديو بالصيغة نفسها تماماً من دون أدنى تعديل. هكذا، اعتمد كل من «بي. بي. سي» و«سي. أن. أن» الصيغة نفسها للعنوان بشكل شبه حرفي وترجمته: «فيديو يلقي الشك على الرواية الإسرائيلية عن قتل المسعفين في غزة».

اللافت استخدام تعبير «الشك»، كما لو أنّ الفيديو لم يفضح بشكل قاطع الجريمة الإسرائيلية، كأنّ الموضوع يحتمل الالتباس، فما شاهدناه قد لا يكون دقيقاً بل تخيلات أو توهمات.

صيغة أخرى لعنونة الخبر كانت أكثر انتشاراً وتشابهاً أيضاً أتت كالآتي: «بحسب ما ورد، فإن لقطات الهاتف تتناقض مع الرواية الإسرائيلية عن مقتل 15 مسعفاً فلسطينياً».

يطلعنا العنوان شبه المشترك بأنّ الفيديو يناقض الرواية الإسرائيلية عن مقتل المسعفين. حسناً ما هي هذه الرواية؟ يحرص العنوان على التهرّب من ذكر الجريمة.

فالرواية قد تكون على سبيل الافتراض بأن المسعفين قضوا في حادث سير، وليس أن «جيش» الاحتلال تعمّد الكذب في روايته الأولى ونكران وجود علامات واضحة تبيّن أنّ القافلة المستهدفة تضمّنت سيارات إسعاف ودفاع مدني. ويجدر التوقف هنا عند عنوان «دويتشه فيله» الألمانية التي لم تذكر حتى أنّ المسعفين فلسطينيون أو من غزة.

ما الذي يمنع أن يكون المسعفون إسرائيليين مثلاً، خصوصاً أنّ الخبر لم يذكر كالبقية كلمة «قتل» بل اكتفى بالحديث عن «وفاة»؟

الأوقح من «دويتشه فيله»، كانت صحيفة «ذا تلغراف» البريطانية التي عنونت بأنّ «إسرائيل تعترف بإطلاق النار عن طريق الخطأ على عمّال الإغاثة في غزة» رغم أنّ متن الخبر يذكر الرواية الإسرائيلية الأساسية عن استهداف مقاتلين من «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، فالعنوان هو أول ما يأسر القارئ ويشده ويعلق في الذاكرة، والعنوان أبداً واضح وواحد أنّ «إسرائيل بريئة».

رضا صوايا ـ الأخبار 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى