مقالات

بين التهرّب والتهريب… كيف يبدو الاقتصاد الوطني؟

انهيار اقتصادي غير مسبوق يعصف بالبلاد منذ خريف 2019، ازمات طاحنة ضربت الدولة اللبنانية، فتحولت إلى أشلاء تنتظر مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية توقف هذا الانهيار، وسط تحديات سياسية واقتصادية وديبلوماسية، فالطريق وعرة لإعادة بناء الثقة المفقودة، وإحياء اقتصاد لبنان الذي أنهكته الأزمات منذ عام 2019، حيث صنفت أزمته الاقتصادية ضمن أسوأ ثلاث أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر.

يشار إلى أن البنك الدولي أوضح في تقرير له إلى “أن لبنان بحاجة ماسة الى إصلاحات شاملة وعاجلة، واستثمارات ضخمة في القطاعات الحيوية لتجاوز الأزمة”، محذرا من “أن استمرار الأوضاع الحالية دون تغييرات، سيزيد من عمق الأزمة الاقتصادية، ولا بد من تنفيذ خطة شاملة للتعافي والإصلاح”.

وهذا ما أكد عليه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في حطاب القسم بقوله “نحن في أزمة حكم يفترض فيها تغيير سياساتنا الاقتصادية”، من جهة أخرى أشار البنك الدولي في تقريره “أن النشاط الاقتصادي انكمش بنحو 5.7% في العام 2024، وهو ما يعادل خسارة قدرها 4.2 مليار دولار”.

يعاني لبنان وبعد مرور سنوات على أزمته الاقتصادية ، استنزافاً خطراً للموارد وضعفا شديداً وعدم استقرار، فالاقتصاد غير الشرعي “التهريب”، والتهرب الضريبي هي واحدة من الادوات التي أدت الى هذا الانهيار الكبير، وهي ظواهر قائمة في اقتصادات دول العالم.

التهريب عبر المعابر غير الشرعية 

فالتهريب عبر معابر غير شرعية عمره من عمر وجود الحدود بين لبنان وسورية، مشكلة مزمنة تعود جذورها لسبعينيات القرن الماضي ، حيث يتم تهريب أنواع كثيرة من السلع فضلاً عن البشر، مما يؤدي إلى أضرار كبيرة على غالبية القطاعات في لبنان وخسائر فادحة، ويشكل تهديداً للاقتصاد العام، حيث بات أحد أوجه استنزاف المال العام، من دون أن تنجح السلطات اللبنانية في وضع حد لهذه الظاهرة، التي تنمو في مراحل معينة وتخفت في أخرى.

مصدر اقتصادي أكد أن “التهريب عبر المعابر غير الشرعية يحرم خزينة الدولة ملايين الدولارات، ويكبد الإنتاج المحلي خسائر، بسبب إغراق السوق بمنتوجات أجنبية تنافسية”، مشيراً إلى “أن خسائر الدولة اللبنانية من الرسوم الجمركية، نتيجة التهريب عبر المعابر غير الشرعية، تقدر بنحو 600 مليون دولار سنوياً”.

وأضاف المصدر” تكبد الاقتصاد اللبناني خسائر كبيرة تجاوزت 40 مليار دولار مع بداية الأزمة السورية منذ عام 2011 ، وفقاً للبنك الدولي، فازمة النزوح أدت إلى استنزاف البنى التحتية وتدهور الخدمات العامة، إضافة إلى تفشي ظاهرة التهريب عبر الحدود، ما تسبب في هدر مليارات الدولارات”، مشيرا إلى أن “الوضع تبدل مع كل التطورات التي تحدث في المنطقة وخاصة في لبنان وسورية، فمن جهة الجانب السوري تؤكد السلطات الجديدة على ضبط الحدود من جانبها ومنع التهريب، ومن الجانب اللبناني هناك تعهدات ببسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وضبط حدودها ، وإن تم الالتزام من كلا الجانبين، فهذا يعني أن الخزينة اللبنانية يمكن أن تحقق مداخيل إضافية لا تقل عن 3 مليار دولار سنوياً، خصوصاً أن الدول الصديقة تعهدت للبنان بتقديم كل المساعدة المطلوبة، لتعزيز الجيش والقوى الأمنية للسيطرة الكاملة على الحدود”.

أكثر من 136 معبراً غير شرعياً

من جهته، اعتبر الخبير في ملف الحدود البحرية والبرية العميد الركن المتقاعد خليل الجميل أن عملية ضبط الحدود بين الطرفين، لن تكون صعبة إذا كان هناك قرار جدي بذلك”، مشيراُ إلى أن “الاجراءات التي اتخذها الجيش اللبناني أسهمت بشكل كبير بضبط الحدود ومنع التهريب، من خلال إغلاق معابر غير شرعية، كان يتم من خلالها إغراق السوق المحلي بالبضائع، وهو ما كان ينعكس سلباً على الاقتصاد اللبناني”.

وكان مجلس الوزراء قرر خلال جلسته الأسبوع الماضي، تشكيل لجنة وزارية لاقتراح التدابير اللازمة لضبط الحدود مع سوريا، مهمتها بحسب ما أشار وزير الاعلام بول مرقص “مكافحة التهريب والمعابر غير الشرعية”.

ويوجد في لبنان أكثر من 136 معبراً غير شرعياً (بحسب وثيقة أمنية عرضت في البرلمان اللبناني العام 2019) تنتشر على طول الحدود بين لبنان وسوريا، أكثرها نشاطاً هي المعابر اللبنانية المتاخمة للأراضي السورية، بحيث يوجد أكثر من 33 أرض حدودية مشتركة على الجانبين سكانها من اللبنانيين، بالمقابل ينظم هذه الحدود سيادياً، 6 معابر شرعية على الجانبين اللبناني والسوري وهي: المعبر الحدودي الساحلي العريضة، معبر الدبوسية، معبر تلكلخ، معبر جوسيه، معبر حمرا الحدودي الذي تم افتتاحه العام 2022، ومعبر المصنع (جديدة يابوس) الّذي يعد المعبر الرئيسي بين البلدين.

ووفق العديد من الدراسات، تقدر خسائر عمليات التهريب التي كانت تحصل عبر الحدود اللبنانية السورية، بما لا يقل عن 2 مليار دولار، وتصل إلى 4 مليار دولار على الأقل سنوياً.

التهرّب الضريبي

تحديات تواجه الاقتصاد اللبناني في ظل الأزمات المتعددة التي تمر بها البلاد، فإضافة إلى التهريب هناك التهرب الضريبي، الذي يعد من أبرز التحديات في هذ المرحلة، والذي يؤدي إلى فقدان الدولة مصدراً مهماً من الإيرادات التي تحتاج إليها، لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة.

فمنذ الأزمة الاقتصادية عام 2019، شرعت معابر التهريب أبوابها، بينما وجد الكثيرون في الأزمة فرصة ذهبية للتهرب من الضرائب، فانعدام الثقة بالحكومة بسبب الفساد المستشري في اداراتها، واعتماد الرشوة في تخليص المعاملات بهدف توفير المال، إضافة إلى تعقيدات بالنظام الضريبي المعتمد وقيمة الغرامات القليلة، التي لا تؤدي دورها كرادع من التهرب الضريبي، وانعدام ثقافة الالتزام، كلها أسباب دفعت هؤلاء إلى التهرب من دفع الضرائب، مستخدمين طرقاً عديدة للالتفاف على القوانين الضريبية، بهدف تجنب دفع الضرائب والرسوم الجمركية كالتلاعب بالفواتير، تسجيل إيرادات وأرباح أقل مما يتم تحقيقه فعلياً، إدخال بضائع من دون التصريح عنها أو بتصريح جزئي لتخفيض قيمة الرسوم الجمركية، وتهريب السلع عبر الموانئ غير الشرعية والحدود البرية، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى الرقابة الصارمة واستغلال الإعفاءات الضريبية.

يشار إلى ان التهرب الضريبي هو قيام الشخص الملزم بموجبات ضريبية بشكل متعمد، بعدم التصريح عن الضرائب والرسوم المستحقة للدولة والمترتبة على دخله أو ثروته، وعدم دفع الضرائب والرسوم التي يتوجب عليه اقتطاعها أو تحصيلها أو تخفيض تلك الضرائب والرسوم، أو إلغائها، أو تنزيلها ، أو استردادها دون وجه حق، وذلك من خلال استعمال طرق وأساليب غير مشروعة.

لاعتماد الضريبة الموحدة

نقيب خبراء المحاسبة المجازين في لبنان إيلي عبود أكد أن “كلفة التهرب الضريبي من الجمارك والـ TVAعلى الدولة نحو مليار أو مليار ونصف مليار دولار”، مضيفاً “إن تطبيق القوانين أساسي لمكافحة التهرب، والالتزام بالفاتورة الإلكترونية من خلال منصة تنشأ للغاية، ستدر نحو مليار أو 1,5 مليار دولار كإيرادات ضريبية على الخزينة، على أن يصار بعدها إلى إعداد قانون لاعتماد الضريبة الموحدة بدل الضريبة النوعية”.

من جهته، رأى صندوق النقد الدولي في تقريره السابق عن الموضوع الضريبي، أن مكافحة التهرب الضريبي، ترتب محاربة الاقتصاد النقدي، إنشاء قاعدة بيانات مشتركة عن العمليات التجارية بين وزارة المالية والجمارك ووزارة الاقتصاد ومصرف لبنان، بالإضافة إلى ضمان استقلالية القضاء وتطبيق القوانين بفعالية.

و قدر صندوق النقد قيمة التهرب الضريبي في تقرير له عام 2023 تحت عنوان “إدارة الضرائب والجمارك حاجة ملحة للتدخل” بما يتراوح بين 4 و5 مليارات دولار سنوياً، بسبب ضعف تطبيق القوانين، تدخل أصحاب النفوذ، انتشار الاقتصاد النقدي، وبعض جوانب النظام الضريبي، فيما يقدره اقتصاديون بنحو 2 مليار دولار أو نحو 3% من إجمالي الناتج المحلي.

إجراءات جريئة؟؟؟

خسائر بالجملة تعرض لها الاقتصاد الوطني الذي كان ضحية العوامل السياسية التي تحكمت به، ووضعته في ادنى المراتب وعطلته. واليوم التحدي الأكبر لاعادة ما فقدناه، يكمن في وضع خطة اقتصادية واضحة، وإجراءات جريئة تعيد لبنان إلى دائرة الاهتمام الاقتصادي العالمي، وتحفيز تدفق رؤوس الأموال التي تترقب إشارات واضحة للعودة إلى لبنان، فاللبنانيون يحتاجون لما تحدث عنه الرئيس عون في خطابه اقتصاد قوي منتج متمايك ومستقبل واعد.

وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط أكد أن “الاقتصاد اللبناني مهيأ للتعافي والطريق مفتوح بوضوح نحو التعافي الشامل”، موضحا أن “هناك نافذة فتحت من أجل التفاؤل، وأنا من الناس الذين يقدرون أن النصف الثاني من عام 2025 سوف يشهد ازدهارا، ونحن كشعب لبناني نقول له إننا ننتظر على أمل الا يطول الانتظار”.

وقد سجل لبنان انكماشاً يصل إلى 5.7 % في 2024، ووصل إجمالي الانكماش الاقتصادي منذ عام 2019 إلى أكثر من 38 % ، وهو ما يجب أن يدفع إلى المباشرة بالإصلاحات الاقتصادية عاجلاً.

ربى أبو فاضل- الديار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى