تصدَّرت محافظة حماة المشهد العام في سوريا خلال كل الأزمات التي عاصرتها البلاد، منذ ثمانينيات القرن الماضي؛ فمن معارك الفصائل المسلحة مع الجيش السوري قبل سقوط النظام، انتقلت المحافظة إلى مرحلة جديدة تتمثّل في الهجمات المسلّحة والاعتداء على الأهالي والتهجير القسري بعد سقوطه. وتشهد حماة، اليوم، ولا سيما قرى ريفها الشمالي والشرقي، عمليات تصفية على الهوية، من دون الحاجة إلى تحضير تهمة كـ«فلول نظام» أو «ضدّ الثورة» قبل الإيذان بالقتل، فضلاً عن ترهيب الأهالي من أبناء الطائفة العلوية، والضغط عليهم لإخلاء منازلهم، وخصوصاً في بعض القرى الشرقية التابعة للسلمية، ما سيحتّم تغيير الوجه الديموغرافي لهذا الريف، في حال استمرار الفوضى، وعدم تدخُّل الإدارة السورية الجديدة لضبطها.
ففي قرى الزغبة ومبطن ومريود والفانات ومعان في الريف الشرقي، تجري عمليات سرقة ونهب للممتلكات، فيما تقدِم الفصائل المسلّحة على حرق البيوت، لضمان عدم عودة الأهالي إليها.
ويؤكد أحد سكان قرية الزغبة، لـ«الأخبار»، أنّ «المسلحين الموجودين في القرية يمنعون عودة أصحاب المنازل إليها، وإذا كان الغرض من العودة تفقّدها أو جلب بعض الأغراض والحاجيات منها، فيكون دخول الأهالي على مسؤوليتهم الشخصية».
والسيناريو نفسه تكرّر في قرية مريود التي هَجَرَها معظم سكانها منذ معارك «هيئة تحرير الشام» والجيش السوري المنحل، والتي سبقت سقوط النظام بأيام؛ إذ يقول أحد الأهالي المهجّرين إلى قرى الساحل السوري، لـ«الأخبار»، إنّه «لم يَعُد يفكر بالعودة إلى قريته، بفعل الانتهاكات التي تحصل على أيدي مسلحين لا أحد يعلم إلى أيّ جهة يتبعون».
ويضيف أنّ «المسلحين أقدموا على قتل رجل مدني من القرية عاد لتفقّد منزله، خلال اليومين الماضيين.
ولدى التواصل مع الهيئة لمعرفة انتماء هؤلاء القتلة، أجابت أنّ المنطقة خارج سيطرة فصائلها، ولا علاقة لها بما يجري فيها من انتهاكات».
أيضاً، لا تخلو هذه الانتهاكات من تطاول على المقامات الدينية التابعة للطائفة العلوية، إذ أثار مقطع مصوّر للحظة تفجير مقام الشيخ محمد العجمي، في ريف السلمية، غضباً واسعاً، وخاصةً أنّه جاء بعد أسابيع فقط من نشر مقطع للاعتداء على مقام الشيخ «الخصيبي» (في حلب)، والذي يُعدّ أحد مؤسّسي المذهب العلوي.
وما يجري في حماة اليوم، شهدته قرى حمص سابقاً بعد سقوط النظام بأيام، حيث لا تزال الانتهاكات التي تطاول قراها مستمرّة، في ظلّ ما تسمّيه «هيئة تحرير الشام» حوادث انتقامية فردية، أو ترفض التعليق عليها في أحيانٍ أخرى، بحجّة أنّ الفصائل التي تُقدِم على هذه المجازر لا صلة لها بها.