مقالات

“نداء الوطن” أم “بوق الأعداء”؟ يتساءل القرّاء.

حين يعود الغائب عن ساحة العمل، يُتوقَّع منه عادة أن يقدّم نفسه بحلّة أفضل من تلك التي سبقت الغياب، أو على الأقل بحلّة لا يتفوّق فيها على نفسه بالكذب والتضليل.. وحين يُفتضحُ “نداء الوطن” بالتلفيق الواضح والافتراء الصريح والتزوير المكشوف، ينبغي على كاتب سطوره أن يخجلَ ويتراجع، إن لم يكن على سبيل المهنية وأخلاق الصحافة، فأقلّه على سبيل استعادة المصداقية التي وثّقت فقدانها البراهين الساطعة والأدلّة القانونية. وحين تتحول عبارة “مصادر خاصّة” إلى شمّاعة تعلّق عليها صحيفةٌ ما الأضاليل والافتراءات المتحدّرة من بنات خيال كتّابها وفي سياق تلبية أوامر الأجندات الخارجية، يصبح الحبر الذي خُطّت به الكلمات مادة ملوّثة لذهن القرّاء والمتلقّين.. وحين يرصد المرء بموضوعية شديدة مسارًا صحفيًا ويلحظ مدى اعتماده على “مصادر خاصّة” مجهولة وغالبًا وهمية، يأسف على الكمّ الهائل من الورق الذي يذهب هباءً تحت ادّعاء النّطق بنداء الوطن.

أمّا بعد، فقد أذهلت صحيفة “نداء الوطن” جميع المدارس الصحافية والقانونية بأخبار خاصّة يجري تكذيبها بالوثائق وبالوقائع، وليس آخرها على ما يبدو، مقال في عددها الصادر في الحادي والعشرين من الشهر الجاري، عنوانه “القاضية زوجة وزير الثقافة تعيد أسلحة لـ “حزب الله”.

يُقرأ المكتوب من عنوانه، توجّه الصحيفة اتهامًا مباشرًا للقاضي مايا كنعان، معاونة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، على خلفية كونها زوجة وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال السيد محمد المرتضى، إذ تزعم “نداء الوطن” أن القاضية كنعان قد قامت خلال الحرب بإعطاء إشارة لأحد الأجهزة الأمنية بإعادة مضبوطات إلى “حزب الله”، وهي بحسب ادعاء الصحيفة حمولة باصين من “المسيّرات المفخّخة” كان الجهاز الأمنيّ الذي لم تحدّده الصحيفة قد ضبطها في بيروت. إثر ذلك، وجّه وكيل القاضي كنعان المحامي زياد بيضون كتاب ردّ إلى الصحيفة التي نشرت هذا الافتراء وتضمّن الكتاب الرواية الحقيقية المدعّمة بالإثباتات والأدلة والتقارير ومحاضر التحقيق والتي تؤكد جميعها أنّ المضبوطات كانت مجرّد أجهزة إلكترونية ولا وجود لأي مسيّرات أو مفخّخات أو مواد متفجرّة وفق ما أكدّه خبير المتفجرات ومكتب اقتفاء الأثر في قوى الأمن.

بالمختصر، ضُبطت صحيفة “نداء الوطن” بجرم التزوير المشهود، بعد أن كانت قد استقرّت على ما يبدو في خانة التضليل المتعمّد والتحريض الذي يخجل فاعله من الظهور بمظهر المخبِر الكاذب، والذي يتوخّى تقديم خدمات للعدوّ، قد لا تكون مجانية ولكنّها حتمًا رخيصة!. فقد سبق التزوير والافتراء سيل من الارتكابات الموثّقة علمًا أنّ “نداء الوطن” استهدفت القاضي كنعان هذه المرّة فقط على اعتبار كونها زوجة وزير محسوب على حزب الله، في محاولة يائسة للتصويب على الحزب الذي لم تتمكّن منه آليات العدو وقوّات نخبته عند الحدود.

أمّا موضوع السلاح، والذي يؤرق على ما يبدو كلّ الأصوات “السيادية” التي تطرب عادة لسماع الخروقات “الإسرائيلية” وتحسبها لحنًا مناسبًا لنداء الوطن، فهو موضوع يشغل في هذه المرحلة بال الصحيفة، فترصد له الكثير من الحبر تحت عبارة “خاص”، وتخصّص له حيّزًا جيّدًا في مساحة تحريض العدوّ على استهداف بعض الأماكن من جهة، وتحريض الناس من جهة أخرى ضدّ حزب الله عبر الادعاء أنّه يخزّن السلاح في أماكن سكنية ومدنية تحدّدها الصحيفة وتعطي إحداثياتها المتوّهَمة: فقد عنونت قبل أيام “فضيحة الفضائح: أسلحة الحزب داخل مستودع مستأجر لصالح الجامعة اللبنانية” وتساءلت في الفترة نفسها “مداهمة مخزن سلاح لحزب الله في جبيل؟”. بغضّ النظر عن حجم التزوير والافتراء، ما الذي تريده صحيفة اسمها “نداء الوطن” من بثّ أخبار كهذه سوى محاولة تحديد أهداف مفترضة للعدوّ واستباق استهدافها، إن حصل، بذرائع تمهّد له؟ ألا يقع هذا الفعل في خانة التحريض المباشر وإعانة العدو على إلحاق الأذى بلبنان بحسب المواد ٢٧٤ و٢٧٥ و٢٧٦ من قانون العقوبات؟.

وأكثر من ذلك، لا تكتفي الصحيفة المذكورة والمضبوطة بجرم الكذب والتزوير بمحاولة تحديد أهداف للعدو “الإسرائيلي” في عدوانه على لبنان، بل تلعب اللعبة المشبوهة نفسها مع السوريين، فتخصّص مساحات إخبارية لأسماء شخصيات سورية مرتبطة بالنظام السابق في سورية، كزوجة ماهر الأسد وعلي مملوك وضباط وأقارب لآل الأسد تزعم أنّها في بيروت. وكأن مُراد الصحيفة استدعاء جماعات المعارضة السورية إلى لبنان أو تحريضهم على ارتكاب ما لا تُحمد عقباه في البلد. ولا تنسى الصحيفة هنا أيضًا الزجّ باسم حزب الله في أخبارها المختلقة هذه، فتدّعي أيضًا تحت عبارة “خاص” أن الحزب يسعى لإطلاق سراح موقوفين في لبنان من “فرقة الإعدامات في سجن صيدنايا”! وبالطبع، تتهمه بذلك بالعبث بأمن بيروت. وهنا، يصح السؤال، من الذي يعبث حقًّا بأمن الناس والبلد؟ أليس من يستجدي الخراب ويحرّض فريقاً سوريًّا على الحزب بذريعة أسماء وشخصيات تدّعي الصحيفة وجودها في لبنان تحت حماية حزب الله؟ على ما يبدو، كتّاب هذه المقالات يحاولون استجداء أيّ عدوان ضد “الوطن”، ليصبح اسم صحيفتهم كذبة أيضًا، ومكشوفة.

التحريض يستمرّ، يتواصل، كأنّه تعليمة لا تملك “نداء الوطن” تجاهلها ولو في عدد واحد، وهو يتخذ وجوهًا عدة فلا يكتفي بالتوجّه إلى “إسرائيل” أو إلى “النظام السوري الجديد”، بل يتعدَّاه إلى تحريض الناس وأهل بيئة المقاومة على وجه الخصوص ضد حزب الله: تارة تؤكد أن مؤسسة القرض الحسن ذاهبة إلى الإفلاس، علمًا أن جميع الوقائع كذّبت الأمر ولو كاحتمال ضئيل، وجميع الغارات الصهيونية المباشرة فشلت في منع المؤسسة من مزاولة عملها في خدمة “أشرف الناس”، وطورًا تدّعي أنّ “فدا المقاومة” عبارة إعلامية فقط، ولا وجود لها على أرض الواقع، وهو أمر لا حاجة لتكذيبه ولا سيّما أنّ في الغالب مصدر الصحيفة الخاص في هذا المجال هو أمنية لطالما راودت العدو ولم يتمكّن من تحقيقها بالنار وبالبارود! أيّ وهم عاشت فيه الصحيفة حتى تبلغ حضيضاً حاولت معه بالكلمات الركيكة تحقيق ما عجز عنه العدو بالنار؟! ولا مجال لحسن الظن هنا، فنداء الوطن عملت طوال فترة الحرب ولم تزل على تعويم “التحذيرات الإسرائيلية” وتصدّت للعمل ناطقاً باسم العدوّ، إذ كانت تقتفي أثر أي كلمة ترد في إعلامه وتنشرها بالخطّ العريض، ومعظمها تهويل في إطار الحرب النفسية.

أي “وطن” يحتمل أن يكون نداؤه على هذا القدر من الانكشاف في مناداة العدوّ واستجلابه من كلّ صوب؟! أيّ أفق لنداء محمّل بهذا المقدار من التزوير والافتراء والتحريض والتضليل والكذب والمجاهرة بمعاداة أهل الأرض؟ كيف يختار عاقل طوعًا أن ينخرط في محاولة استكمال ما عجز عنه أكثر من سبعين ألف جنديّ معادٍ عند الحدود؟ أسئلة كثيرة لن تجيب عنها الصحيفة طبعًا، ولكن وجب أن تجيب عليها وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام والقضاء المختص وجميع المعنيين بما يُنشر في صحف البلد، وبما يرد في أوراق صحيفة جميع مصادرها “الخاصّة” مجهولة النسب ومكشوفة الأهداف ومفتضحة بالهويّة! بكلّ الأحوال، قد يتفهّم القارىء ما تنشر الصحيفة تلك بحالة واحدة فقط، وهي أن تبدّل اسمها من “نداء الوطن” إلى “بوق الأعداء”، وبذلك تكتسب على الأقل مصداقية التجانس بين الاسم والمحتوى، وربّما شرف الخصومة بشرط أن تعمل بشكل محترف أكثر، على سبيل احترام عقول قرائها، إن وُجدوا، ليس أكثر!

ليلى عماشا-العهد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى