مجلة “فورين أفيرز” الأميركية تنشر مقالاً للكاتب والباحث سام هيلر، تحدّث فيه عن التخوّف من اندلاع الفوضى بعد سقوط النظام في سوريا ورحيل الأسد.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:
حتى سقوط النظام في سوريا في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، لم تكن هناك دول كثيرة تريد سقوطه، إذ كانت خائفة مما قد يحلّ محلّه: حكم المتشدّدين المتطرّفين، وسفك الدماء الطائفي، والفوضى التي قد تبتلع ليس فقط سوريا بل وأيضاً الكثير من الشرق الأوسط.
كانت هذه الرؤية المخيفة أيضاً حجة حكومة الأسد لنفسها، بأن استمرار بقائها يمنع الفوضى والمذابح. وكان العديد من الناس، بمن في ذلك صنّاع السياسات الخارجية، مقتنعين بذلك. في عام 2015، عندما اقترب المتشدّدون المعارضون من الإطاحة بالأسد، اعتبر المسؤولون الأميركيون إمكانية انتصار المتمرّدين الصريح وانهيار النظام بمثابة “نجاح كارثيّ”.
والآن رحل الأسد. يحتفل السوريون في شوارع دمشق، وتحاول جماعات المعارضة تنظيم انتقال سياسي، والعالم على وشك معرفة ما سيأتي بعد السقوط. وترك الأسد وراءه بلداً ممزّقاً، وأي حكومة جديدة، ناهيك عن ائتلاف من جماعات المعارضة المسلحة المنقسمة، سوف تكافح في ظلّ هذه الظروف. ولكن السجل السيّئ للجماعات المتمرّدة السورية عندما حكمت مساحات كبيرة من الأراضي يجعل من الصعب أيضاً أن نكون متفائلين.
ولكن من مصلحة الجميع أن تنجح سوريا. فالسوريون لا يريدون تحمّل المزيد من الصراع والدمار، والمجتمع الدولي لا يستطيع أن يتحمّل رؤية سوريا تتفكّك. ويتعيّن على البلدان المهتمة الآن أن تبذل كلّ ما في وسعها، بما في ذلك تشجيع الانتقال السلمي الشامل وتوفير المساعدات الإنسانية والاقتصادية الكافية، لضمان عدم تحقّق أسوأ المخاوف بشأن سوريا ما بعد الأسد.
سقوط الأسد
في عام 2011، حاولت حكومة الأسد سحق حركة احتجاجية على مستوى البلاد. وتحوّلت تلك الاحتجاجات إلى تمرّد مسلّح، قابله الأسد بعنف شرس ومتصاعد. وفي عدة نقاط من الحرب التي تلت ذلك، بدا أنّ حكومة الأسد في خطر حقيقي من أن يجتاحها مسلّحون من المعارضة. ومع ذلك، أدّت تدخّلات حلفاء سوريا، إيران وروسيا إلى استقرار الحكومة عسكرياً ومكّنتها من استعادة الأرض. بين عامي 2015 و2020، قصف الأسد جيوباً تسيطر عليها المعارضة في جميع أنحاء سوريا لإخضاعها واستعادة معظم البلاد.
ثم دخلت الحرب في طريق مسدود ممتد. أمّنت تركيا العديد من الجيوب المتبقّية التي تسيطر عليها المعارضة في شمال سوريا، بينما سيطرت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة على شرق سوريا، بما في ذلك الموارد الزراعية والبتروكربونية الأكثر قيمة في البلاد. بفضل العقوبات الأميركية الجديدة والانهيار الاقتصادي في لبنان المجاور، انزلقت سوريا بأكملها إلى أزمة اقتصادية عميقة، وضعفت مؤسسات الدولة والجيش السوري تدريجياً، وأثبتت الحكومة أنها تعاني من نقص الموارد إلى الحد الذي يجعلها عاجزة عن تحقيق الاستقرار وإعادة بناء المناطق التي استعادتها المعارضة بعد أن سيطرت عليها.
ولكن هذا العام، ومع تورّط إيران وروسيا في صراعات أخرى، اغتنمت ما تبقّى من المعارضة المسلحة في سوريا الفرصة. كانت هيئة تحرير الشام وغيرها من فصائل المعارضة تنظّم صفوفها لسنوات في معقل محميّ من قبل تركيا في محافظة إدلب شمال غرب سوريا. وفي 27 تشرين الثاني/نوفمبر، شنّت هذه الجماعات هجوماً على مدينة حلب الشمالية. وعندما اخترقت دفاعات الجيش السوري واستولت على المدينة، أدّى ذلك إلى فشل متتالٍ وانهيار للجيش السوري على مستوى البلاد. وانطلقت قوات هيئة تحرير الشام جنوباً من حلب نحو العاصمة دمشق، بينما انتفض السوريون في وسط وجنوب البلاد، بما في ذلك في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة سابقاً. وفي الثامن من كانون الأول/ديسمبر، مع اقتراب فصائل المعارضة من دمشق من الشمال والجنوب، خرج الأسد إلى روسيا. وبعد أكثر من 13 عاماً من الحرب الأهلية الطاحنة، انهارت حكومة الأسد في أقلّ من أسبوعين.
والآن، في دمشق ما بعد الأسد، تولّت هيئة تحرير الشام زمام الأمور في محاولة إدارة عملية انتقال سياسي منظّمة. فقد نصبت هيئة تحرير الشام حكومة الإنقاذ السورية المؤقتة، التي أنشأتها في إدلب، كسلطة انتقالية وطنية. كما نشرت قواتها الأمنية في العاصمة، وأقامت نقاط تفتيش على نقاط النقل الرئيسية في جميع أنحاء البلاد، وحذّرت مراراً وتكراراً المتشدّدين المعارضين المنتصرين من إساءة معاملة المدنيين والنهب.
المتمرّدون في السلطة
من الواضح أنّ العديد من وسائل الإعلام والدوائر السياسية الغربية يفترضون الآن أن هيئة تحرير الشام ستحكم سوريا. ومع ذلك، هناك أسباب للشكّ في أنّ الأمور ستكون بهذه البساطة. فحتى أسابيع قليلة مضت، كانت هيئة تحرير الشام تسيطر على ثلثي محافظة على أطراف الريف السوري. وسوف يمثّل حكم سوريا بأكملها تحدياً مختلفاً.
إنّ هيئة تحرير الشام هي أحدث تجسيد لجبهة النصرة، التي كانت في الأصل الطليعة السورية لتنظيم “داعش” ثم فرع القاعدة في سوريا. وقد قطعت المجموعة علاقاتها علناً مع القاعدة والجهادية العابرة للحدود الوطنية في عام 2016، على الرغم من أنّها لا تزال تضمّ بعض المتشدّدين المخضرمين والمقاتلين الأجانب في صفوفها. وقد تمّ تصنيفها كمنظمة إرهابية من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والولايات المتحدة وحكومات وطنية أخرى.
في السنوات الأخيرة، عملت هيئة تحرير الشام بإصرار على إعادة تأهيل صورتها وتأمين إزالتها من قوائم الإرهاب الدولية. وبينما كانت قوات المعارضة تزحف نحو دمشق، حاولت هيئة تحرير الشام وزعيمها أبو محمد الجولاني إظهار صورة الجدية والاعتدال.
وأصدرت هيئة تحرير الشام بيانات طمأنت فيها المكوّنات العرقية والطائفية المتنوّعة في سوريا ومختلف الأطراف الدولية المعنية، في حين أجرى الجولاني مقابلات مع وسائل إعلام غربية شدّد فيها على تاريخ سوريا في التعايش والالتزام بالحكم المؤسسي.
ومع تقدّم هيئة تحرير الشام نحو دمشق، يبدو أنّ مقاتليها ظلوا منضبطين نسبياً. وكانت التقارير عن عمليات الإعدام بإجراءات موجزة والانتقام الطائفي محدودة، وربما يرجع هذا جزئياً إلى الطريقة التي تنازل بها جزء كبير من الجيش السوري عن الأراضي من دون قتال. ومن المؤكد أنّ بعض أعمال العنف الانتقامية وقعت بوضوح، وفرّ الآلاف من السوريين الخائفين من سيطرة المتشدّدين إلى لبنان.
ولكن في الوقت الراهن، لم تطلق المعارضة المنتصرة حملة انتقامية ضد أعدائها السابقين أو ضد المجتمعات المرتبطة على نطاق واسع بالنظام القديم.
ولكن من المؤسف أنّ سجل هيئة تحرير الشام على المستوى المحلي لا يبشّر بالخير فيما يتصل ببناء حكومة وطنية تستوعب التنوّع الديني والعرقي والسياسي في سوريا. ففي حكمها لإدلب، لم تظهر المجموعة أيّ التزام حقيقيّ بالتعددية السياسية. وقد نجحت هيئة تحرير الشام في إدارة بعض الممارسات الشرعية لإنشاء حكومة الإنقاذ في إدلب، بما في ذلك مؤتمر دستوري شامل ظاهرياً. ومع ذلك، لم تكن هذه العمليات الديمقراطية مفتوحة وتشاركية قط. وكان الجولاني دائماً في السلطة، على الرغم من أنّه لم يكن يشغل منصباً حكومياً رسمياً؛ بل كان يُنظَر إليه باعتباره رئيس إدلب. وقبل بضعة أشهر فقط، قمعت أجهزة الأمن التابعة لهيئة تحرير الشام بعنف الاحتجاجات في إدلب التي طالبت بالإفراج عن المعتقلين الذين تحتجزهم الهيئة وإنهاء حكم الجولاني.
لقد نجحت هيئة تحرير الشام في خلق النظام والاستقرار النسبي في إدلب. ومع ذلك، يبدو من غير المرجّح أن تتمكّن هيئة تحرير الشام من إعادة إنتاج سيطرتها على إدلب في مختلف أنحاء سوريا. كان توطيد سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب عملية طويلة الأمد، اتسمت بالعنف في كثير من الأحيان، حيث سحقت الهيئة فصائل المعارضة المنافسة وقضت على منشقّيها. ويبدو من المعقول أن تكون هيئة تحرير الشام قادرة على توسيع أجهزتها الإدارية والأمنية من إدلب إلى حلب القريبة بعد استيلائها على المدينة. لكن توسيع نطاق هذا النموذج لتغطية سوريا بأكملها يبدو مستحيلاً. فسوريا أكبر بكثير من الناحية الجغرافية، ويبلغ عدد سكانها نحو عشرة أضعاف عدد سكان إدلب، وهي أكثر تنوّعاً، وهي الآن تعجّ بالرجال المسلحين خارج السيطرة الفعلية لهيئة تحرير الشام. ورغم أن هيئة تحرير الشام ربما عزّزت ثقافة قوية من الانضباط الداخلي، فإن الجماعة، وفقاً لإحدى الإحصاءات الأخيرة، لا تتولى سوى 30 ألف رجل. ويبدو هذا غير كافٍ لحكم سوريا، أو للسيطرة على العديد من الجماعات المسلحة التي قد تسبح في أعقاب هيئة تحرير الشام.
إنّ هيئة تحرير الشام ليست مجموع المعارضة المسلحة في سوريا. بل إنّها لم تكن حتى المعارضة المسلحة بأكملها في إدلب، حيث حشدت هيئة تحرير الشام الفصائل المتحالفة معها والتي عملت كقوات مساعدة لها. ولا تستطيع هيئة تحرير الشام السيطرة على كلّ الجماعات المسلّحة النشطة الآن في جميع أنحاء البلاد. ومن المؤكد أنّ الفصائل التي أعادت تعبئة صفوفها في وسط وجنوب البلاد على مدى الأسابيع القليلة الماضية لا تخضع لأمر الجولاني.
وعندما استولت جماعات المعارضة السورية في السابق على أجزاء أخرى من البلاد بما في ذلك جنوب سوريا، والريف حول دمشق، وفي أجزاء من شمال سوريا استولت عليها جماعات مدعومة من تركيا، كانت النتيجة حكم ميليشيات تعسّفياً واقتتالاً داخلياً بين الأشقاء. وفشلت محاولات توحيد الفصائل المحلية وبناء مؤسسات موحّدة مراراً وتكراراً. ولم تنجح هيئة تحرير الشام في إدلب إلا بعد الكثير من الوقت والمثابرة والإكراه المميت.
ويتطلّع كثيرون الآن إلى تركيا لاستخدام نفوذها على هيئة تحرير الشام وغيرها من جماعات المعارضة للمساعدة في توجيه عملية الانتقال في سوريا. ولكن على الرغم من أنّ تركيا تتمتع ببعض النفوذ على هيئة تحرير الشام، فلا يبدو أنّها تسيطر على الجماعة، التي أزعجت الحكومة التركية في السابق على سبيل المثال بالاستيلاء على الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المدعومة من تركيا في حلب.
هناك أسباب تدعونا إلى الشكّ في صدق التحوّل المعتدل الذي تبنّته هيئة تحرير الشام. ولكن الخطر الأكثر إلحاحاً الذي يهدّد سوريا ليس التطرّف الإسلامي، بل الفوضى التي قد يطلقها انتصار المعارضة. وهناك خطر حقيقي يتمثّل في خروج الوضع في سوريا ما بعد الأسد عن السيطرة، وانزلاق البلاد ليس فقط إلى صراع مفتوح بين الجماعات المسلحة، بل وأيضاً إلى أعمال انتقامية فردية لا حصر لها وتصفية حسابات دموية.
مستعدّون للفشل
مهما كانت الحكومة التي ستحلّ محلّ الأسد، فإنّ هذه الحكومة الجديدة لن تواجه ظروفاً مواتية للاستقرار والتعافي. ويبدو أنّ الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الساحقة في سوريا من المرجّح أن تتعمّق أكثر. ووفقاً للأمم المتحدة، فإن 16.7 مليون سوري يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في عام 2024، أي أكثر من 70% من سكان البلاد وأعلى رقم منذ بداية الحرب في سوريا. ويُعتقد أنّ نحو 12.9 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
كانت الخدمات الحكومية قد انهارت بالفعل قبل الإطاحة بالأسد. وفي المناطق التي تسيطر عليها حكومة الأسد، على وجه الخصوص، أدّى نقص الكهرباء إلى تعطيل الحياة اليومية وتوفير الخدمات العامّة مثل التعليم والمياه الجارية.
تمتلك هيئة تحرير الشام موارد محدودة خاصة بها. تمكّنت المجموعة من الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي في إدلب بفضل المساعدات الإنسانية المدعومة دولياً والتي تمّ تسليمها عبر تركيا. تظلّ منظّمة إرهابية مصنّفة – وقد تتولّى الآن السلطة في سوريا المدمّرة اقتصادياً والتي كانت بالفعل خاضعة لعقوبات واسعة النطاق. ولكن من غير الواضح كيف قد يعمل جهاز الدولة والاقتصاد السوري الخاضع لأنظمة عقوبات متداخلة عديدة، أو ما إذا كان التدفّق الضروري لدعم المانحين سوف يتحقّق. ولا يمكن أن نتوقّع من حلفاء الأسد منذ فترة طويلة أن يُبقوا سوريا طافية؛ فقد أوقفت إيران بالفعل على ما يبدو شحنات النفط التي كانت بالغة الأهمية لتوليد الطاقة. وأفادت وكالات الإغاثة الإنسانية بوجود نقص في السلع الأساسية وارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية في المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد.
وقد اقترح بعض المراقبين أنّ سقوط حكومة الأسد قد يمهّد الطريق لعودة اللاجئين السوريين. ولكن النتيجة قد تكون العكس: تدفّقات جديدة من الهجرة إلى خارج سوريا. وكان من قبيل التبسيط المفرط دائماً أن نزعم أنّ اللاجئين الذين غادروا سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011 كانوا جميعاً يفرّون من اضطهاد حكومة الأسد؛ وكان العديد منهم كذلك، لكنّ كثيرين آخرين كانوا يحاولون الهروب من انعدام الأمن العام والعنف، والتجنيد العسكري السوري، أو الانهيار الاجتماعي والاقتصادي. ولكي يتمكّن اللاجئون من العودة بطريقة مجدية ومستدامة، يتعيّن على سوريا أن تكون مكاناً يمكن للناس أن يعيشوا فيه بالفعل؛ مكاناً آمناً، مع خدمات عامة ووظائف موثوقة. حتى اللاجئون السوريون الذين سعدوا بسقوط الأسد لن يتمكّنوا من العودة إلى ديارهم إذا انهار القانون والنظام أو إذا لم يتمكّنوا من إيجاد سبل لدعم أسرهم.
إنّ الحرمان الاقتصادي قد يشجع على المزيد من المنافسة العنيفة بين الجماعات المسلحة السورية على الأراضي والإيرادات. فبعد أكثر من عقد من الحرب، طوّرت هذه الجماعات مصالحها واحتياجاتها المستقلة.
إنّ الهجرة الجديدة من سوريا واستئناف الصراع الداخلي من شأنه أن يخلّف آثاراً مزعزعة للاستقرار على جيران سوريا، حتى مع أنّ هؤلاء الجيران أنفسهم قد يؤدّون دوراً مزعزعاً للاستقرار داخل سوريا. فقد حافظت تركيا على خط خطابي صارم ضد “الإرهابيين الانفصاليين” من قوات سوريا الديمقراطية في سوريا وشجّعت الهجمات المستمرّة من قبل وكلائها المحليين على القوات التي يقودها الكرد. كما قصفت “إسرائيل” ودمّرت منشآت عسكرية سورية في جميع أنحاء البلاد واستولت على أراضٍ إضافية على طول مرتفعات الجولان. ومن المرجّح أن تشعر بعض البلدان في المنطقة، بما في ذلك مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة، بالقلق إزاء احتمال استيلاء جماعة إسلامية متشدّدة على السلطة في دمشق. وهناك خطر حقيقي الآن يتمثّل في احتمال قيام البلدان الإقليمية بتجنيد فصائل محلية لتأمين حصصها في سوريا، وربما من خلال الاستيلاء على مناطق عازلة على طول الحدود السورية. ومن غير المرجّح أن تؤدي كلّ هذه الظروف إلى انتقال سياسي ناجح.
تجنّب الكارثة
الآن يتعيّن على جميع الأطراف أن تضمن عدم تحقّق أشدّ التوقّعات قتامة بعد سقوط النظام السوري، وأنّ ما يحلّ محلّ الأسد ليس مجرّد الفوضى والعنف. ولا شك أنّ السوريين أنفسهم سيؤدّون الدور القيادي في تقرير مستقبل البلاد. ومع ذلك، تستطيع البلدان الخارجية أن تساعد أيضاً من خلال تشجيع هيئة تحرير الشام وغيرها من الجماعات السورية على السعي إلى انتقال سياسي سلمي وشامل إلى أقصى حد.
وبالتوازي مع ذلك، ينبغي للدول المانحة أن تعمل على تعزيز برنامج كبير من المساعدات الإنسانية والاقتصادية لسوريا، بما في ذلك تقديم المساعدات للسوريين الضعفاء ودعم الخدمات الأساسية على مستوى البلاد. إنّ هذه الدول لا بدّ وأن تعمل على تخفيف العقوبات المفروضة على حكومة الأسد السابقة على الفور، بما في ذلك الإعفاءات أو التراخيص التي تحيّد العقوبات المفروضة على مؤسسات الدولة مثل البنك المركزي السوري وعلى قطاعات اقتصادية بأكملها. ويتعيّن على الأطراف الخارجية أن تعمل بقوة على تثبيط أيّ صراع فصائلي جديد ومقاومة إغراء تعزيز مصالحها الخاصة من خلال دعم مجموعة على أخرى.
ورغم أن بعض البلدان قد تكون لديها تحفّظات مفهومة بشأن هيئة تحرير الشام، فإنها لا تزال ترغب في نجاح عملية الانتقال في سوريا، ولا ينبغي لها على الإطلاق أن تتدخّل وتجعلها تفشل. وسوف يكون تفكّك سوريا أسوأ، بالنسبة للسوريين والمنطقة. وإذا غرقت سوريا في الفوضى، فلن تكون مجرّد كارثة إنسانية، بل يعني هذا أن بقاء الأسد كان وأصبح مبرّراً.