جاء في الفقرة الرابعة من اتّفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان و«إسرائيل» الذي أوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان فجر الأربعاء الماضي: «لا تقيّد هذه الالتزامات إسرائيل أو لبنان من ممارسة حقهما المتأصل في الدفاع عن النفس، بما يتفق مع القانون الدولي». ولا بد من الإشارة هنا إلى ملاحظتين جوهريتين:
أولاً، إن ممارسة لبنان عملياً حقه في الدفاع عن النفس تتعلق بثلاثية الشعب والجيش والمقاومة لأن الاميركيين والفرنسيين منعوا تزويد الجيش اللبناني بالأسلحة المناسبة التي يمكن أن يستخدمها للقيام بمهماته الأساسية، أي الدفاع عن لبنان من الاعتداءات الخارجية.
ثانياً، إن القانون الدولي (مثلاً الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة) يشرّع مقاومة الاحتلال.
وبالتالي من حق أبناء القرى والبلدات وأصحاب الأراضي التي لا يزال الجيش الإسرائيلي يحتلها أن يقاتلوا المحتلّ الإسرائيلي بكل الوسائل المتاحة لهم. فيما الالتزام الإسرائيلي بالانسحاب من لبنان وفقاً للفقرة 12 من الاتفاقية، يفترض أن يبدأ «تدريجياً الى مواقع جنوب الخط الأزرق»، وهو ما لم يحصل بعد مرور أكثر من 48 ساعة على إقرار الاتفاق.
تحديد اطار الحلّ الدائم والشامل
الفقرة الثالثة من الاتفاقية تشدّد على احترام قرار مجلس الأمن الرقم 1701 «في تعزيز السلام والأمن الدائميْن ويتعهد (الطرفان) باتخاذ خطوات نحو تنفيذه الكامل والحازم».
كما يذكر مطلع نص الاتفاقية استعداد لبنان و«إسرائيل« لـ«اتخاذ خطوات من شأنها أن تعزّز الظروف المؤاتية لحلّ دائم وشامل».
ويذكّر بوجوب تطبيق القرار الرقم 1701 «بالكامل»، ويؤكد على «الحاجة إلى الالتزام بقرارات مجلس الأمن السابقة، بما في ذلك نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان».
لا بد من العودة أولاً الى النصّ الحرفي للفقرة 18 من القرار 1701 لأنه يحدّد إطار الحلّ الدائم والشامل من دون انتقائية ومن دون تفضيل القرار 1559 الذي يدعو إلى «نزع السلاح» على القرارات الأخرى الصادرة عن مجلس الامن.
فقد جاء في الفقرة 18 أن مجلس الأمن «يؤكد أهمية وضرورة تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط، استناداً إلى جميع قراراته ذات الصلة بما في ذلك قراراته 242 (1967) و338 (1973) و1515 (2003)».
وتدعو هذه القرارات إلى انسحاب «إسرائيل» من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية والجولان السوري وقيام دولة فلسطينية مستقلّة.
ولا يحترم الكيان الإسرائيلي هذه القرارات الملزمة قانونياً، لكن البعض يشدد على وجوب التقيّد بالقرار 1559 من دون الالتزام بالإطار القانوني للحل الدائم والشامل وبـ«قرارات مجلس الأمن السابقة» كما ورد في نص الاتفاقية.
لا التزام بسلامة قوات حفظ السلام؟
تعرّضت قوات حفظ السلام (الـ«يونيفل») في جنوب لبنان لاعتداء مسلح مباشر من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في الشهر الفائت.
ووثّقت الأمم المتحدة وقوع جرحى وأحصت أضراراً جسيمة في قواعد الـ«يونيفل» في عدة مناطق من الجنوب.
واللافت أن نص الاتفاقية يشير في الفقرة 9 (ج) إلى «مواصلة اليونيفل عملها المنوط بها»، وفي الفقرة الخامسة إلى عدم «المساس بدور ومسؤوليات قوات الأمم المتحدة المؤقّتة في لبنان (اليونيفل)»، من دون أن يذكر وجوب عدم التعرض لهذه القوات، ومن دون الإشارة إلى أي آلية لمحاسبة الجهة التي اعتدت على موظفين وعسكريين تابعين للأمم المتحدة.
ممنوع تسليح الجيش بأسلحة حزب الله
اللافت في نص اتفاق وقف الأعمال العدائية إلزام حكومة لبنان «بيع وتوريد الأسلحة والمواد ذات الصلة، ويشمل هذا جميع الواردات إلى لبنان وكذلك إنتاج الأسلحة والمواد ذات الصلة» (الفقرة السادسة) بدل تسليمها للجيش اللبناني ليكون قادراً على القيام بمهماته الأساسية، وهي حماية لبنان من أي تهديد خارجي.
غير أن الفقرة الثامنة تقول إن «الولايات المتحدة وفرنسا تعتزمان العمل مع المجتمع الدولي لتقديم المساعدة اللازمة لتعزيز مستوى انتشار القوات المسلحة اللبنانية وتحسين قدراتها».
وبالتالي فإنهما تعتزمان تحسين قدرات الجيش اللبناني لمساعدته في مواجهات داخلية لبنانية، لا لمواجهة العدوان الخارجي.
أليست مهمات الجيش الدفاع عن لبنان؟
الفقرة 13 من الاتفاق تذكر «التزام الولايات المتحدة وفرنسا بقيادة الجهود الدولية لدعم بناء القدرات والتنمية الاقتصادية في مختلف أنحاء لبنان، وتعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة».
علماً أن «الاستقرار والازدهار» يتطلبان سلماً أهلياً وعلاقة وطيدة بين اللبنانيين والانصهار الوطني بين الشعب الذي يشكل مصدر كلّ السلطات والجيش اللبناني.
غير أن بعض المصطلحات الواردة في نص الاتفاق قد يُفهم منها الدعوة إلى القمع والتعامل بشدة مع حزب لبناني ومناصريه من دون أن تكون هناك أي إشارة إلى قمع الاعتداءات الخارجية على المدنيين اللبنانيين وعلى ضباط الجيش اللبناني وعناصره الذين استشهد أكثر من 40 منهم بسبب الاعتداءات الإسرائيلية.
وفي الفقرة الثانية نقرأ «ستمنع حكومة لبنان حزب الله وجميع الجماعات المسلحة الأخرى داخل أراضيها من القيام بأي عمليات ضد إسرائيل»؛ وفي الفقرة السابعة يرد أن على القوات العسكرية والأمنية اللبنانية «مراقبة ومنع أي دخول أو حركة غير مصرّح بها للأسلحة والمواد ذات الصلة (…) ووقف أي إنتاج غير مصرّح به للأسلحة»، و«تفكيك جميع المرافق غير المصرّح بها التي تشارك في إنتاج الأسلحة والمواد ذات الصلة، وضمان عدم إنشاء أي مرافق جديدة من هذا النوع في المستقبل»، و«تفكيك جميع البنية الأساسية والمواقع العسكرية غير المصرّح بها، ومصادرة أي أسلحة تتعارض مع هذه الالتزامات».
وتصف الفقرة التاسعة (ب) دور «اللجنة الفنية العسكرية للبنان (MTC4L) لتعزيز قدرة القوات المسلحة اللبنانية وتدريبها على تفتيش وتفكيك المواقع والبنية الأساسية غير المصرّح بها، سواء فوق الأرض أو تحتها، ومصادرة الأسلحة غير المصرّح بها، ومنع وجود الجماعات المسلحة غير المصرّح بها». ولا ينص الاتفاق على أي تنسيق داخلي بين اللبنانيين أنفسهم لتنفيذ الالتزامات من دون وجود عقبات أو مشكلات أو صعوبات.
علماً أن لحزب الله نواباً منتخبين بأصوات مئات آلاف اللبنانيين ولديه وزراء في الحكومة وهو شريك أساسي في الجمهورية اللبنانية وفي تحديد مستقبلها.