بعيد الإعلان عن وقف إطلاق النار بين «حزب الله» والكيان الإسرائيلي، والذي أنهى العدوان الإسرائيلي الذي كان الهدف منه «القضاء» على قدرات المقاومة، يقرّ عدد من المسؤولين في الغرب بأنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان لم تكن «الحل الشافي» لـ»الخطر» الذي يشكّله «حزب الله»، ويجب التحول، بالتالي، نحو توجيه الضغط إلى الداخل اللبناني، للتوصل إلى «تسويات سياسية»، تقوّض الخطر المشار إليه. كذلك، أعاد انتهاء الحرب في لبنان، إلى الواجهة بقوة، الحديث عن ضرورة التوصل إلى حلّ لـ»الهجمية الإسرائيلية» في غزة، بل وإلى «تسوية» للقضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق، يرد في تقرير نشرته مجلة «تايم» الأميركية، السؤال التالي: «هل ستحقق الرقابة والضمانات الأميركية لإسرائيل استقراراً دائماً على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية المضطربة؟ أم أنها ستوفّر مجرد استراحة أخرى بين الحروب، يعيد خلالها حزب الله تجميع صفوفه، بعدما تم ضرب قيادته؟». ويردف التقرير أنّ إسرائيل، وبعد تجربة الترتيب الذي أنهى حرب عام 2006، بالاستناد إلى القرار 1701 نفسه، «تشكك» في ذلك، لا سيما أنّ «حزب الله نما بشكل أكبر بكثير» بعد تلك الحرب، بمساعدة الدعم الإيراني، فيما غض الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل «أبصارهما» عن ما تقدم. ولمعالجة هذه «المخاوف»، قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل «خطاباً جانبياً»، منفصلاً عن الاتفاق، ينضوي على حق تل أبيب في «التدخل» للتصدي لأي تهديدات تواجهها. على أنّه طبقاً للمجلة الأميركية، فإنّ ضمانات واشنطن ولجنة المراقبة التي تقودها، «لا يمكن أن تفعل الكثير، من دون شريك راغب وقادر في بيروت، أي حكومة لبنانية مستعدة للعمل مع المجتمع الدولي لتوسيع سيادة الدولة، وفرض ضوابط على الحدود، وكبح ما تبقى من قوة جيش حزب الله».
ولا يعتبر أصحاب هذا الرأي أنّ الجيش اللبناني يمكن أن يكون، لوحده، الشريك الموعود، من دون «توجيهات من رئيس ذي عقلية سيادية»، وحكومة إصلاحية، ترفض تلويح «حزب الله» بالأسلحة الإيرانية تحت شعار مقاومة إسرائيل، على حدّ زعمها. وينصح هؤلاء واشنطن، بمساعدة مبعوثها إلى الشرق الأوسط، عاموس هوكشتين، على العمل على إدارة الحياة السياسية في لبنان بشكل يضمن اتخاذ مثل تلك الخطوات، بالاستعانة بفرنسا والسعودية، «اللتين مارستا تقليدياً نفوذاً كبيراً في لبنان، ولديهما سجل حافل في الوساطة بين الأطراف اللبنانية المتشاحنة»، لا سيما أنّ كلتيهما تتمتعان حالياً بـ»علاقة براغماتية»، وإن كانت «عدائية»، مع إيران، التي لا يزال لديها «دور مهم في لبنان والمنطقة».
وينسحب، على ما يبدو، «عدم اليقين» لدى السلطات الإسرائيلية على الرأي العام في إسرائيل أيضاً، إذ أشار استطلاع رأي قبل ساعات من إعلان الهدنة في لبنان، إلى أنّ نصف الإسرائيليين يعتقدون أنّ «حملة جيش الدفاع الإسرائيلي، والتي استمرت قرابة 14 شهراً ضد حزب الله، انتهت من دون انتصار واضح». ورداً على سؤال من «القناة 12» العبرية، قال 20% من المُستطلعين إنّ «الجيش الإسرائيلي» فاز، مقابل 19% اعتبروا أنّ «حزب الله» هو المنتصر، بينما رأى 50% منهم أنّه «لا يوجد فائز واضح»، ولم يختر الـ11% الباقون أياً من الطرفين.
من جهته، يلفت «المجلس الأطلسي»، في تقرير، إلى أنّه كان من المفترض أن يكون «التوغل في لبنان للتخلص من قدرات حزب الله، قوياً وقصيراً»، لكنه سرعان ما بدأ في التباطؤ، مضيفاً أنّ «مقتل كبار القادة وإصابة آلاف المقاتلين والقوة الجوية الساحقة الإسرائيلية، كل ذلك أظهر، حتى اليوم الذي تم فيه إبرام الاتفاق، أنّه غير قادر على وقف صواريخ حزب الله أو موت الجنود الإسرائيليين». ويتابع التقرير أنّه «رغم أن إسرائيل كانت تكافح لحماية أرضها، فإنّ حزب الله اللبناني كان يقاتل، بدوره، من أجل أرضه». وطبقاً لأصحاب هذا الرأي، قد يعتمد نجاح اتفاق وقف إطلاق النار على عنصرين متغيريين أساسيين، أولهما وصول دونالد ترامب إلى السلطة، وعلاقته مع إيران التي «ستسعى إلى الحدّ من العزلة التي قد ينتهجها تجاهها»، وثانيهما أنّ نتنياهو يشعر على الأرجح أنّه ما من وقت طويل أمامه، نظراً إلى أنّ ترامب لن يقبل بالتعامل مع «سجين»، وأنّه لمس استعداد نتنياهو للاستمرار في إحراج القيادة الأميركية بشكل صارخ، رغم التزام بايدن تجاهه. وبعدما أسهم هذا الالتزام في «تقويض عمر بايدن السياسي»، فإنّ سجلّ ترامب يُظهر أنّه من غير المرجح أن يرتكب الخطأ نفسه. وعليه، أصبحت هناك حالياً «مساحة» لإعادة النظر في ما يحصل في غزة، لا سيما أنّ ترامب لم يُلمّح إلى اعتقاده بأنّ «المذبحة المستمرة» هي «أفضل ما يمكن أن تفعله إسرائيل»، ما قد يمهّد الطريق أمام «طرق أخرى» لمقاربة الحرب.
وينسحب الرأي المشار إليه على تقرير في «معهد الشرق الأوسط»، الذي اعتبر أنّ التوصل إلى وقف إطلاق نار مع لبنان كان أسهل من التوصل إلى اتفاق مع «حماس»، إلا أنّه يجب التساؤل عما إذا كان بنيامين نتنياهو، «وبعدما نجا بحياته السياسية حتى إجراء مفاوضات مع حزب الله»، سيكون مستعداً لـ»المخاطرة بصفقة مماثلة مع (حماس)»، لا سيما أنّه في كلتا الحالتين، يبقى «القضاء الكامل» على أي من هذين الخصمين «بعيد المنال»، وإن نجحت إسرائيل في «إضعافهما». ويلفت التقرير إلى أنّ إدارة جو بايدن المنتهية ولايتها حققت «فوزاً ديبلوماسياً قيماً وهي في طريقها إلى المغادرة»، متسائلاً عمّا إذا كانت إدارة ترامب القادمة، ستكون قادرة على البناء على ذلك الفوز، لا سيما أنّ الأخير يُنذر بإمكانية التوصل إلى صفقة محتملة بين إسرائيل «وحماس».
الاخبار -ريم الهاني