– المملكة اليهودية الثانية هي مملكة الحشمونائيم (استمرت لغاية سنة 37 قبل الميلاد). وقد استمرت هذه المملكة 77 عاماً كمملكة موحدة. وفي العقد الثامن من عمرها، بدأ الاقتتال الداخلي على العرش، ما دفع المتحاربين إلى اللجوء إلى روما للحماية. وبعدها، أصبحت مملكة الحشمونائيم تابعة للإمبراطورية الرومانية.
وفي محاولة لتبديد هذا القلق الوجودي، وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الإسرائيليين، في عام 2017، بالعمل على تخطي عقدة العقد الثامن، قائلاً: “سأجتهد كي تبلغ إسرائيل عيد ميلادها المئة، لأن مسألة وجودنا ليست مفهومة ضمناً، وليست بديهية، فالتاريخ يعلمنا أنه لم تُعمَّر دولة للشعب اليهودي أكثر من 80 سنة”.
أما اليوم، وبالرغم من الوحدة الظاهرية، فإن الانقسامات الإسرائيلية العميقة قد تجعل مسألة الاحتراب الداخلي مسألة وقت فحسب.
إن ما يظهره الإسرائيليون من “وحدة” اليوم، لا يمكن أن يُبنى عليه، لأنه ينطلق من مبدأ معروف في العلاقات الدولية وعلم الاجتماع السياسي، ويسمى “متلازمة الالتفاف حول العلم”، وهو مفهوم يستخدم لشرح زيادة الدعم الشعبي “قصير الأمد” لحكومة دولة ما أو قادتها السياسيين خلال فترات الأزمات الدولية أو الحروب.
وتشير نظريات الحرب إلى أن أحد أسباب الحروب قد تكون محاولة أحد الزعماء استغلال ظاهرة “الالتفاف حول العلم”، فيقوم بافتعال أزمة دولية لتحويل الانتباه عن القضايا المحلية وتعزيز معدلات شعبيته عندما تبدأ في التدهور.
وعليه، وبالرغم من أن استطلاعات الرأي الحالية تظهر نوعاً من “الوحدة الداخلية” الإسرائيلية وتأييداً لسياسات اليمين المتطرف وحكومة نتنياهو، لكن هذا لا يلغي أنه بمجرد أن تنتهي الحرب (مهما كانت نتائجها العسكرية التكتيكية)، ستكون “إسرائيل” أمام أخطار استراتيجية كبرى، في ظل تحوّلها إلى “دولة” منبوذة عالمياً.
بعد الحرب، ستعود الانقسامات الداخلية أكبر مما كانت، وقد تؤدي فعلاً إلى احتراب إسرائيلي داخلي في ظل قيام بن غفير بتسليح المستوطنين المتطرفين، وسعي اليمين لتحويل “إسرائيل” إلى “دولة توتاليتارية” يمينية متطرفة، خصوصاً إذا ما عانى الاقتصاد الإسرائيلي من أزمات حادة، وهو أمر متوقع بشدة بعد الحرب.
إن ما سبق يدفع عدداً من الباحثين الإسرائيليين إلى التنبيه إلى أن الفلسطينيين واللبنانيين وحتى إيران ليسوا التهديد الحقيقي لـ”إسرائيل”، بل إن الانقسام والاستقطاب داخل المجتمع الإسرائيلي، ونمو اليمين المتطرف يشكل تهديداً وخطورة أكبر على مستقبل المشروع الصهيوني في “إسرائيل”.
ليلى نقولا- الميادين