مقالات

ما قبل وما بعد 27 أيلول..

لم تندلع الحرب بين لبنان و”إسرائيل” في 27 أيلول/سبتمبر 2024، باغتيال سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله، ولا في 23 أيلول/سبتمبر 2024، بتفاقم التصعيد الخطير من العدو الصهيوني بسرعة، ولا سيما في الجنوب، الضاحية الجنوبية وبعلبك، بل إن الحرب – بلغة القانون الدولي – قائمة منذ سنة، أي من 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، مع بدء العمليات العسكرية والأعمال الحربية على الحدود الدولية بين المقاومة اللبنانية و”الجيش” الإسرائيلي. لكن ما الذي يمكننا الإدلاء به حول اغتيال هذا القائد التاريخي، الكبير والعظيم، في ذلك اليوم الأسود، وما قبله وما بعده؟

في التوقيت السياسي والتقدير العسكري

عندما اتخذت السلطة الإسرائيلية، بمستويّيها السياسي والعسكري، والمتمثلة والمتجسدة بالكابينت الإسرائيلي، قرارها تصعيد العنف مع لبنان على الجبهة الشمالية بمواجهة حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان وتوسيع نطاق الحرب وإطالة أمدها، هي كانت بصدد تغيير وضعيتها السياسية والعسكرية.

هي ليست بالمسألة البسيطة، ولا بالمهمة السهلة، من زاوية الحسابات ذات الصلة بالمصالح الإسرائيلية.

في التوقيت السياسي والتقدير العسكري، فإن مراجعة الوضعية وإعادة النظر بها، ومن ثم إعادة تكييفها، عبر إعادة التموضع، ونقل مركز الثقل في الحرب، وهي لا تزال مندلعة في غزة، من الجبهة الجنوبية إلى الجبهة الشمالية، ترتبط بتقدير الموقف في الميدان وعلى الجبهة وفي الداخل، ناهيك عن الاعتبارات المتصلة بالاقتصاد والسكان.

من هنا، عندما حسمت وحزمت “تل أبيب” أمرها بتصعيد المواجهة مع لبنان، هي كانت تدرس حساباتها الداخلية والخارجية، السياسية والعسكرية والاستراتيجية. وهي كانت تعتبر أن حرب غزة انتهت بالتقييم السياسي، لا التقدير العسكري فحسب؛ ذلك إنه لم تعد هناك أهداف عسكرية، إذ استنفدت الأوراق والاحتمالات والفرص، وكذلك الوقت، ولم يعد يجدي أي شيء، مع التنبيه لصعوبة احتساب النتائج المباشرة وغير المباشرة بميزان الأرباح والخسائر.

عندما أدركت “إسرائيل” أنه لم يعد هناك أي أفق سياسي للمعركة العسكرية في غزة – المقصود الحل العسكري بالقوة العسكرية ضد حركتي المقاومة الإسلامية والجهاد الإسلامي – ذهبت “إسرائيل”، ومعها أميركا، إلى المواجهة المفتوحة مع حزب الله، بنية ضربه وتفكيك بنيته التحتية، حسم الموقفين العسكري والسياسي في الشمال بالقوة العسكرية، وربما أكثر من ذلك، ابتداء بتغيير قواعد الاشتباك، وانتهاء بتغيير قواعد اللعبة، والتسلل إلى المعادلات والتوازنات والحسابات الداخلية بطريقة سافرة وفاضحة.

من الجبهة الجنوبية إلى الجبهة الشمالية

كان وزير الحرب الإسرائيلي يواف غالانت أعلن مؤخراً توجّه “إسرائيل” إلى الانتقال من الجبهة الجنوبية إلى الجبهة الشمالية، بمعنى انتقال مركز الثقل في الحرب من الجنوب مع غزة إلى الشمال مع حزب الله في لبنان. فكان الإعلان السياسي بخلاف رغبته وإرادته في الآونة الأخيرة؛ ولكنها رغبة وإرادة الحكومة الإسرائيلية واليمين المتطرف فيها.

تجدر الإشارة إلى أن “تل أبيب” لا تواجه معارضة من واشنطن على القرار والتوجّه بالتصعيد في لبنان وضد حزب الله، بل إن أميركا تغطي هذا المخطط وتدفع نحوه، على اعتبار أن الحكومة الإسرائيلية لا يمكنها منفردة خوض غمار المغامرة أو المقامرة من دون الضوء الأخضر من الإدارة الأميركية، ومن دون الغطاء الأميركي والتغطية الأميركية للعدوان الإسرائيلي على الدولة اللبنانية والشعب اللبناني، لا المقاومة اللبنانية فحسب.

وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أعلن مؤخراً نية “إسرائيل” وقرارها تغيير الوضع القائم في الشمال، لإعادة المستوطنين إلى المستوطنات في شمالي الكيان الإسرائيلي بالقوة العسكرية، وإرغام المقاومة على التراجع عن الحدود الدولية وإخلاء تلك المنطقة والانسحاب حتى نهر الليطاني، في تحدٍّ سافر، غير آبه بالشرعية الدولية.

إن اتجاه “إسرائيل” نحو تصعيد التوتر وتصاعد العنف على الجبهة مع لبنان يعني سقوط الخيار السياسي، أو إسقاطه من قبل “إسرائيل” حتى إشعار آخر، بمعنى تعثّره وتعذّره لمصلحة الخيار العسكري الذي يفرض نفسه مع انفجار وانفلات الجبهة الشمالية بين “الجيش” الإسرائيلي والمقاومة اللبنانية.

قد لا تقف الأمور عند هذه الحدود، هي تبقى رهناً بالتطورات المتلاحقة والمتسارعة. وعليه، قد تصبح احتمالية الذهاب بعيداً بالمواجهة في الميدان إلى النهاية، واردة، بل مرجّحة، على ضوء المستجدات الميدانية، بمعنى مدى قدرة المقاومة على الصمود أولاً، وعلى الإيذاء والإيلام ثانياً.

من القصف الجوي إلى الهجوم البري

تعتمد “إسرائيل” في عدوانها على لبنان سنة 2024  السيناريوهات نفسها إبان عدوانها سنة 2006. هي تسلك الطريق نفسها في حرب لبنان الثالثة، كما صار يُصطلَح على تسميتها، على غرار حرب لبنان الثانية، كما كان يُصطلَح على تسميتها. ولكنها أضافت إلى خططها العسكرية وأهدافها السياسية سلسلة من العمليات والاغتيالات الأمنية في البلد.

باشر العدو الإسرائيلي عدوانه بالقصف الجوي في المرحلة الأولى. انتقل بعدها في المرحلة الثانية إلى القصف الجوي العنيف وبطريقة خاطفة وغادرة. حاول العدو الصهيوني – وهو لا يزال يحاول – إرباك المقاومة وإرهاب الناس، من خلال تسديد الضربات الجوية المتلاحقة والمتسارعة. وقد أفاد عدد من المسؤولين الإسرائيليين بذلك، وبوجوب استئناف واستكمال شنّ الغارات والضربات عبر سلاح الجو الإسرائيلي، بالوتيرة والإيقاع نفسيهما، دونما هوادة، ولا توقّف، ولا تراجع، ولا تباطؤ، بقصد الضغط الأقصى على الحزب والبلد.

مع ذلك، يدرك العدو الإسرائيلي أن الاعتماد حصراً على سلاح الجو، من الطائرات الحربية إلى الطائرات المسيّرة، عبر القصف الجوي لجنوبي لبنان وشمالي البقاع والضاحية الجنوبية، يكاد يكون غير مسبوق، في مشهدية مهولة ومروّعة، قد لا يكون كافياً ووافياً بميزان التقدير العسكري والاستراتيجي، لأجل حسم المعركة في الميدان وإنهاء الحرب على الجبهة، وبعد إنجاز وإحراز رزمة المقاصد والأهداف.

هكذا انتقل العدو الصهيوني إلى الهجوم البري في المرحلة الثالثة. ويخوض غمارها “الجيش” الإسرائيلي في مواجهة المقاومة اللبنانية، وإن كانت رقعة الاشتباك أو الالتحام البري المباشر ضيّقة، على خلفية محاولات “الجيش” الإسرائيلي الاستطلاع بالنار، عبر التسلل البري قبل الولوج للتوغّل أو الغزو البري، هذا بحال استطاع الدخول البري أولاً، ثم الاجتياح والاحتلال ثانياً، أي البقاء لإملاء شروط سياسية على أرضية الوقائع الميدانية.

تبقى الإشارة إلى أن الحكومة الإسرائيلية، حين أعلنت بدء “الجيش” الإسرائيلي التوغل البري، لم تنجرف للإعلان عن الغزو البري، واكتفت بالإعلان عن عملية برية محدودة. هي لم تذهب بعيداً في المبالغة والمغامرة والمخاطرة برفع سقوف التقديرات والتوقّعات لعدم إلزام ولعدم إحراج نفسها أمام الرأي العام الإسرائيلي، وكي لا تنزلق إلى مستنقع المحاذير الميدانية، وإن حظيت بإجماع الكيان الإسرائيلي، من الموالاة للمعارضة و”الجيش” والإعلام والجمهور.

في الاغتيالات والعمليات الأمنية

كنا أشرنا إلى أن “إسرائيل” ستتجه إلى تفعيل العمل الأمني مع استمرار العمل العسكري بطبيعة الحال، سواء كان داخل فلسطين المحتلة، أو كان في لبنان وسوريا وسواهما، في إشارة إلى إيران، بالنظر إلى حالة المراوحة العسكرية، أو بالأحرى وصول خيار الحسم العسكري إلى أفق مسدود، واستنفاد كلّ أشكال وأساليب القوة العسكرية المفرطة في غزة.

تكرّرت العمليات والاغتيالات الأمنية مرات عديدة، من سوريا والعراق إلى إيران، مروراً بلبنان وفلسطين. ما يعنينا العمليات والاغتيالات الأمنية لـ “إسرائيل” في لبنان، ولا سيما الجنوب والضاحية الجنوبية. فقد شهدنا سلسلة من العمليات والاغتيالات الأمنية في خضم العدوان بعد الطوفان.

كان الاغتيال الأول في 2 كانون الثاني/يناير 2024، وأدى إلى استشهاد صالح العاروري. وكان الاغتيال الثاني في 30 تموز/يوليو 2024، وأدى إلى استشهاد فؤاد شكر. وجاءت العملية الأمنية المزدوجة في 17 و 18 أيلول/سبتمبر 2024. وحصل الاغتيال الثالث في 20 أيلول/سبتمبر 2024، وأدى إلى استشهاد إبراهيم عقيل. وحصلت محاولة الاغتيال الرابعة في 24 أيلول/سبتمبر 2024، وفشلت بتصفية علي كركي الذي عاد واستشهد في 27 أيلول/سبتمبر 2024 مع السيد حسن نصر الله.

تجدر الإشارة إلى أن نجاح العمليات الأمنية عموماً، والاغتيالات الأمنية خصوصاً، يكمن في التفوّق التكنولوجي لـ “إسرائيل”، ومن ورائها الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، ومعها المملكة المتحدة، وبالتالي قدرة “إسرائيل” على الاختراق التكنولوجي أكثر من الاختراق البشري، من دون أن تنفي وتلغي الفرضية الأولى بالاختراق الأمني المتصل بالتفوّق التكنولوجي الفرضية الثانية بالاختراق الأمني المتصل بالعنصر البشري.

جريمة اغتيال قائد المقاومة اللبنانية

إن استشهاد السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله وقائد المقاومة الإسلامية في لبنان، جريمة موصوفة، كاملة ومكتملة، غير ناقصة وغير منقوصة. هي نكسة، نكبة، كارثة، مأساة وفاجعة. هي كلّ ذلك. هي جريمة مدانة ومستنكرة بكلّ المعايير. وقد أحدثت صدمة، إذ نزل الخبر كالصاعقة على رؤوس وقلوب الملايين من جماهير المقاومة. كان وقع الخبر ثقيلاً على الصدور والنفوس والأذهان.

لم يكن أحد ليصدّق أو ليتوقّع وقوع الحادثة، حصول الحدث، وورود النبأ وانتشاره على هذا النحو بين الناس. لقد أصيب كثيرون بالذهول من هول الصدمة والفاجعة. فمن زاوية السيكولوجيا السياسية، هي جريمة خطيرة. أخطر ما فيها أنها جريمة تطال الوعي الإدراكي، الفردي والجماعي، للناس كافة بصرف النظر عن الانتماءات   الدينية،   الاتجاهات   السياسية    والتموضعات والاصطفافات الحزبية عامة، وللفئة السياسية والشريحة الاجتماعية من موالي ومناصري الحزب والمقاومة خاصة.

هي ليست مجرد جريمة مادية. هي ليست جريمة عادية، ولا جريمة عابرة. هي جريمة سياسية، مكتملة الأركان والأوصاف. اقترفت “إسرائيل” الجريمة لأسباب سياسية بامتياز. هي ليست المرة الأولى، إنما المرة الثانية، التي تقوم فيها “إسرائيل” باغتيال الأمين العام لحزب الله، بالعودة إلى اغتيال السيد عباس الموسوي سنة 1992، أو التي تقوم فيها بتصفية قادة المقاومتين اللبنانية والفلسطينية وضباط حرس الثورة الإيرانية.

تمثّل الجريمة ضربة تحت الحزام من “إسرائيل” للمقاومة في لبنان، وضربة خلف الخطوط الحمر. هو الأمر الذي نبّهنا منه قبل بدء التصعيد وتصاعد العدوان بشكل كبير وبإيقاع سريع ومتسارع. فقد لفتنا إلى أن المرحلة العتيدة ستشهد تسديد مثل هذه الضربات تحت الحزام وخلف الخطوط الحمر، وتبادل تسديد مثل هذه الضربات بين الطرفين المتحاربين وعلى جانبي الحدود، بحال لجوء وركون المقاومة إلى هذا الخيار إزاء العدوان والتصعيد، ومع إمعان “إسرائيل” وإفراطها باعتماد القوة المادية ضد المدنيين والأماكن المدنية، لا الأهداف العسكرية، في عمق الجبهة الداخلية.

إن اغتيال سماحة السيد حسن نصر الله أخطر جريمة في تاريخ البلد. هو كان أهم وأبرز شخصية من دون منازع ومن دون مبالغة. وهو من أهم وأبرز الشخصيات في العالمين العربي والإسلامي. الجريمة نالت من قائد تاريخي استثنائي، ما يعكس حجم الضربة ومقدار الخسارة. هي تعيدنا بالذاكرة السياسية إلى الوراء، إذ نستذكر ونستحضر اغتيال الرئيس رفيق الحريري سنة 2005، وتفجير مرفأ بيروت سنة 2020، في مشهدية وطنية، تثير التساؤلات حول كيفية ارتكاب هذه الجرائم وهوية المجرم أو المجرمين.

في الخلفيات والأبعاد والمفاعيل والتداعيات، قد يكون من المفيد الإضاءة على بعض الملاحظات، بقصد التأمّل والتفكّر لإماطة اللثام عن الوقائع والحقائق. سنكتفي الآن بتسجيل وتدوين عدد من الأسئلة التي تحتاج للرد عليها والإجابة عنها. وقد يكون الزمن أو الوقت كفيلاً بأداء المهمة، التي تبدو مستحيلة، في الكشف عن المعلومات والخيوط والجوانب والمضامين ذات الصلة بالوقائع والحقائق بشأن الجريمة.

كيف تمكّنت “إسرائيل” من اغتيال سماحة السيد الشهيد برغم الإجراءات والتدابير الأمنية حوله؟ هل يمكن لـ “إسرائيل” وحدها القيام بالعملية الأمنية؟ هل ثمة جهات أخرى ضالعة بالجريمة، كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة؟ هل ثمة داتا تمّ تسريبها للأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية والأميركية لاختراق الحزب والمقاومة؟ ما الذي يُحاك بعد هذه الجريمة؟ وما الذي ينتظرنا على المدى القريب عسكرياً وعلى المدى البعيد سياسياً؟

في الحرب النفسية على الجبهة الداخلية

اتخذت الحرب النفسية منحى أكثر خطورة في 23 أيلول/سبتمبر 2024، حين شرع “الجيش” الإسرائيلي بتنفيذ قرار الحكومة الإسرائيلية بتصعيد وتوسيع العدوان. وأدى القصف الجوي العنيف، المتكرر والمتسارع، والعمليات والاغتيالات الأمنية، إلى إثارة وإشاعة حالة الهلع والذعر بين الناس وحيث حضور الحزب والمقاومة، أي البيئة الحاضنة والقاعدة الموالية، بل حالة الهستيريا مع حلول ساعات المساء والليل الأولى.

أدى العدوان الإسرائيلي منذ ذلك اليوم إلى ترهيب وترويع الناس. أرادت “إسرائيل” من الحرب النفسية، المقرونة بالحرب الإعلامية، تثبيط الروح المعنوية للشعب بصورة عامة، والجنوبيين والبقاعيين بصورة خاصة. وكانت “إسرائيل” تراهن عبر ضرب المعنويات للناس على انهيار الجبهة الداخلية بشكل عام، وانهيار الجبهة المعنوية بشكل خاص، بطريقة عميقة وعلى نطاق واسع، وإن بصورة متفاوتة. أحدثت الحرب النفسية فعلها في الأيام الأولى، وبلغت الذروة في 27 و28 أيلول/سبتمبر 2024، مع استشهاد السيد حسن نصر الله، إذ لامست الجبهة المعنوية الداخلية عتبة الانهيار!

عمد العدو الصهيوني مع بدء العدوان إلى استهداف القيادة أولاً، بحيث لا تستطيع التقاط أنفاسها واستعادة توازنها، وتفقد زمام المبادرة وقدرة التحكّم والسيطرة، مع الإطاحة بعدد من القادة ورأس الهرم. وعمد العدو الصهيوني إلى استهداف القدرات العسكرية في جناحيها ثانياً، أي القدرات البشرية والمادية، في محاولة للنيل من القدرات القتالية واللوجستية. وتعمّد العدو الصهيوني استهداف المدنيين والمنشآت المدنية ثالثاً. وهو لا يزال يضرب الجبهة الداخلية والبيئة الاجتماعية والقاعدة الشعبية.

في الردّ الإيراني على العدوان الإسرائيلي وما بعده

جاء الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي في 1 تشرين الأول/أكتوبر 2024، واتخذ شكل الهجوم الصاروخي. كان الرد على اغتيال السيد الشهيد حسن نصر لله قبل بضعة أيام، وعلى اغتيال الرئيس الشهيد إسماعيل هنية، والذي تأخّر لإعطاء الأميركيين والأوروبيين، الفرصة الكافية والوقت الكافي لإقناع أو لإرغام الإسرائيليين على الموافقة على وقف العدوان والقبول بوقف إطلاق النار.

في توصيف الردّ الإيراني، قامت إيران بتسديد ضربات صاروخية لـ “إسرائيل”. فأطلقت عدداً كبيراً من الصواريخ الفرط صوتية على أهداف عسكرية فيها. بلغ عدد الصواريخ الفرط صوتية أكثر من 200 صاروخ. سُمّيت العملية “عملية الوعد الصادق 2″، عطفاً على “عملية الوعد الصادق 1″، حين أقدمت إيران على ضرب “إسرائيل” بالصواريخ والمسيّرات في 13 نيسان/أبريل 2024 للردّ على اعتداء “إسرائيل” على قنصلية إيران في سوريا. وتبنّى حرس الثورة الإسلامية العملية الثانية، كما تبنّى العملية الأولى، بإشراف المرشد الأعلى، سماحة السيد علي الخامنئي، وبتوجيه منه.

في تقييم الرد الإيراني، أدت الضربات الصاروخية الإيرانية إلى تدمير عدد من الأهداف العسكرية في “إسرائيل” كلياً أو جزئياً، ومنها عدد من القواعد العسكرية والطائرات الحربية. كان الردّ الإيراني قوياً ومدوياً، في مشهدية تاريخية لسقوط الصواريخ على “إسرائيل”، شكّلت علامة فارقة بمسار الجولة وتاريخ الصراع، سواء من قبل إيران، أو من قبل الدول والجيوش والحركات العربية والإسلامية، أي الجيوش العربية سابقاً، والحركات الإسلامية لاحقاً.

بالنسبة لاستشراف ما بعد الرد الإيراني، بات ثابتاً ومعروفاً للمراقبين والمتابعين والمعنيين أن “إسرائيل” تعتزم الردّ، بالتواطؤ مع أميركا التي لا تتخلى عنها وتقف إلى جانبها في التفكير والتخطيط للخطوة.

بالمقابل، بات ثابتاً ومعروفاً للقاصي والداني بأن إيران تعتزم الرد بكل بقوة. فما هي احتمالات الردّ الإسرائيلي وأهدافه وأشكاله؟ وما هي احتمالات الرد الإيراني بعده وأهدافه وأشكاله؟ وما هي احتمالات التصعيد والحرب وفرص التهدئة والتسوية؟

أعادت الجريمة خلط الأوراق. هي كسرت قواعد الاشتباك ونسفت قواعد اللعبة. لن يكون ما بعد اغتيال السيد الشهيد كما قبله. هي محطة مفصلية بين مرحلتين. ستكون لهذه الجريمة تداعيات عميقة.

لا يعي كثر حجم الحدث التاريخي بميزان التقييم الاستراتيجي. وما يزيد الطين بلة التحليلات السوريالية والسفسطائية، المتسرّعة والمتهورة، بخلفيّات فئوية ولأسباب شعبوية. هذا الأمر يقود – في السيكولوجيا السياسية – إلى شيوع حالة من الإرباك والتخبّط والتيه واضطراب الوعي والإدراك. لقد طويت صفحة، لتُفتح صفحة جديدة، مجهولة المفردات والملامح، مع الفراغ من كتابة هذه السطور وتحرير هذه المقالة.

المصدر: الميادين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى