قبل 27 عاماً، وتحت جنح الظلام، تجهّزت مجموعة عسكرية مؤلفة من 16 ضابطاً وجندياً من وحدة «شييطت 13» للقيام بعملية أمنية «خاصة» في نقطة تبعد نحو خمسة كيلومترات عن الشاطئ، قبالة بلدة أنصارية الساحلية بين صيدا وصور.
نزلت القوة من زوارق خاصّة، وسار الجنود مئات الأمتار، متجاوزين عوائق بين البساتين، ومعتمدين مساراً جرى إعداده مسبقاً، وحملوا معهم عبوات ناسفة لزرعها في طريق يسلكه أحد كوادر المقاومة.
لدى وصول القوة إلى نقطة محددة، تولّى ضابط وجندي فحص المنطقة المقابلة، قبل أن يعطيا إشارة الأمان لبقية عناصر القوة.
وبعدما اجتازت القوة مسافة مئتي متر، دوّى انفجار ضخم، تلاه بثوان انفجار آخر، قبل أن تنهمر النار على أفراد القوة التي تلقّت الدعم فوراً عبر فرقة إنقاذ خاصة جاءت من البحر، وأخرى بالمروحيات. واستغرق الأمر إلى ما قبل الفجر بقليل، ليجمع هؤلاء جثث وأشلاء كل عناصر القوة الـ16، قبل أن يغادروا مخلّفين بعض الأشلاء والأسلحة في المكان.
تحقيقات العدو ركّزت على معرفة الأسباب التي جعلت حزب الله يعرف الخطة مُسبقاً. لكن ما أهمله العدو، هو أنه لم يعتقد بأن المقاومة تفكّر جيداً في طريقة المواجهة العسكرية معه، فتصرّف على أساس أن التفوّق التقني وسلاح الجو كفيلان بإنجاز المهمة.
وهو الخطأ نفسه الذي كرره في عدوان تموز 2006، خصوصاً عندما اعتقد بأن طائراته أجهزت على معظم القوة الصاروخية للمقاومة، قبل أن يطلب من الجيش التدخّل لتنظيف المكان!
خلال الساعات الـ24 الماضية، كانت قوات الاحتلال الخاصّة التي استُقدمت إلى الجبهة الشمالية تعيش، كما كل إسرائيل، حالة «نشوة» جرّاء الإنجازات التي حقّقها الجيش والاستخبارات ضدّ قيادة المقاومة العسكرية، وصولاً إلى اغتيال الامين العام للحزب الشهيد السيد حسن نصر الله. وقد سمع هؤلاء الجنود طلباً مباشراً من قيادتهم: لقد أجهزنا على قادة حزب الله، ودمّرنا غالبية قدراته العسكرية، وما عليكم سوى التوجّه فوراً وتنطيف المكان!
يتكل العدو على تفوق تقني وجوي ويتجاهل البر… وجنوده كانوا في صدمة
الجنود الذين ينتمون الى القوات الخاصة يعرفون عن لبنان. صحيح أن معظمهم لم يقاتل سابقاً هنا، لكنّ في دروسهم العسكرية مقرّراً كبيراً اسمه «الحرب مع لبنان».
رغم ذلك أساؤوا التقدير بأن عملية التقدّم لن تحتاج سوى إلى بعض المدرّعات. غير أن ما حصل هو أن الجنود تقدّموا بفارق ساعات على المحاور الثلاثة، ليصطدموا بكمائن متنوّعة، استخدم فيها المقاومون عبوات وقذائف صاروخية عادية وموجّهة، الى جانب قذائف الهاون والمدفعية المباشرة، فيما كانت قوات المقاومة تقصف المناطق الخلفية التي أتى منها الجنود، أو المتوقّع أن يأتي منها الدعم. والحصيلة كانت سقوط نحو 60 ضابطاً وجندياً بين قتيل وجريح، فيما لم تكن نتائج المواجهة الليلية قرب عيترون، أمس، قد توضّحت بعد.
عملياً، ما حصل أمس، يشير إلى عدة أمور: أولها، أن مجموعات المقاومة المنتشرة في منطقة الحافة الأمامية لم تغادر مواقعها رغم تعرّضها للقصف والمطاردة الجوية منذ 360 يوماً، وهذا ما ذكره الإعلام العبري أمس، عندما أشار إلى أن البلدة التي تعرّضت فيها القوات الإسرائيلية إلى كمين (العديسة)، كانت قد تعرّضت لـ650 غارة خلال الشهور الماضية.
كما يدلّ على أن خطط المقاومة وتقديراتها لتحرّكات جنود العدو كانت دقيقة، وانها استخدمت ما يتطلّبه الميدان من أسلحة مناسبة تعطّل العملية المعادية وتكسر العنجهية التي سيطرت على قادة العدو وجنوده. وهي نتيجة ستفتح الباب أمام تعديلات إجبارية لخطط العدو في العمليات اللاحقة، علماً أن تغيير الخطط لا يمكن أن يكون مخالفاً لطبيعة ساحة المعركة.
ما يقودنا إلى النتيجة التي وعد الشهيد السيد نصرالله «أهل المقاومة» وأعداءها بها، وهي «تحطيم الجيش الذي يفكّر بالدخول إلى لبنان».
هي ضربة أولى، دفعت بنيامين نتنياهو إلى فكّ ربطة العنق، والعودة إلى اللباس الأسود والوجه العبوس.. أليس هو من تفاخر بقدرات جيشه، ودعا أعداءه إلى التواضع؟