مقالات

ما يُريده “الكيان”.. وما يَردّه حزب الله

في هذه الصورة التي ترونها أعلاه كان نتنياهو يقف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي 2023، وقبل “طوفان الأقصى” بأسبوعين، يحمل خريطة المنطقة وفق رؤيته قريبة الأجل، حيث يظهر نتنياهو مناطق مكسوة باللون الأخضر الداكن للدول التي تربطها اتفاقات سلام مع “إسرائيل”، أو تلك التي تخوض مفاوضات لإبرام اتفاقات سلام معها، كـ مصر والسودان والإمارات والسعودية والبحرين والأردن.

فيما طغى اللون الأزرق، الذي يحمل كلمة “إسرائيل”، على خريطة الضفة الغربية المحتلة كاملةً، بما فيها قطاع غزة وربما أيضاً قسم من جنوب لبنان، مع غياب تام لأي إشارة لأرض أو دولة فلسطينية.

لم تكن تلك الحادثة فريدة من نوعها؛ فوزير مالية الحكومة الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش، سبق أن ذهب أبعد من ذلك وعرض خريطة “إسرائيل” في باريس، لكن إضافة إلى ضمّه كل الأراضي الفلسطينية ضم الأردن كذلك، وعلّق: “لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وهو اختراع وهمي لم يتجاوز عمره الـ100 سنة”، سموتريتش نفسه علّق حالياً بأن الأهمية الاستراتيجية لما يجري في لبنان، أكبر بكثير من الإنجاز الضخم الذي ستحققه “إسرائيل” ضد “حزب الله”

لسنا هنا في صدد إبراز دلائل على توسعية “إسرائيل” ورغبتها في قضم الأراضي الفلسطينية، لكن فهم الاستراتيجية التي تدير الكيان، فنتنياهو يعمل على إدامة الحرب وفق رؤية مختلفة عن الأهداف التي أعلنها في بدايتها، تتلخّص في رغبته في تغيير ملامح الشرق الأوسط، والبقاء في غزّة، وضمّ الضفّة الغربية، وتماهياً مع ذلك، المسار الذي تتضح معالمه بمرور الأسابيع ينسجم مع توسيع جبهات الضفّة الغربية ولبنان، بعد غزّة.

في الواقع، لم تترك “إسرائيل” سبيلاً إلا وحاولت خلاله توسيع دائرة حربها، فيما وضع حزب الله منذ اللحظات الأولى قواعد واضحة ودقيقة لمرحلة الإسناد التي فتحها مع غزة، بيد أن “إسرائيل” اتخذت قرار التصعيد وحاولت جر لبنان إلى الحرب معها بخطوات تصعيدية متلاحقة، وعندما لم تنجح في الاستفزاز وحافظ الحزب على انضباطه في الرد والتعاطي اتخذت الخطوة بنفسها.

ولا بد في هذا السياق من التذكير بما تريده “إسرائيل” بعيداً من الهدف المعلن والظاهري بعودة سكان مستوطني الشمال، فما هي أهدافها قصيرة ومتوسطة وبعيدة الأجل؟

=تسعى “إسرائيل” لتدمير حزب الله وبنيته وبيئته؛ استهداف منظومة الاتصالات واستهداف أجهزة “البيجر” واللاسلكي” واغتيال الشخصيات القيادية الميدانية من فؤاد شُكر وصولاً إلى إبراهيم عقيل وقادة فرقة “الرضوان”، وتدمير منصات صواريخ للحزب في مناطق عدة في بعلبك والهرمل وجبل لبنان وحتى سوريا، أي إن “إسرائيل” لم تعد تسعى فقط لضمان عدم وجود تهديد صاروخي من حزب الله على مسافة عدة كيلومترات من الجنوب، بل هي تريد إنهاء منظومته الصاروخية بشكل شامل، لئلا تشكل تهديداً مستقبلياً، من أي مكان.

=تسعى “إسرائيل” إلى إنشاء منطقة عازلة في الجنوب حتى خط الليطاني. ما يعني نقل خطوط المواجهة مع حزب الله وحلفائه من الحدود اللبنانية- الفلسطينية عند الخط الأزرق إلى حدود نهر الليطاني. ولهذه الغاية، تعمل على مسح المنطقة الحدودية بالقصف المكثف بغية القتل المقصود للمدنيين والترهيب المتعمّد وصولاً إلى التهجير الممنهج، لتأسيس أرض المعركة أمام خيار الدخول البري الذي يعد التحدي الأبرز، إذ قد يؤدي إلى إخلاء المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني من سلاح حزب الله، ليصبح النهر هو خط التماس الجديد بدلاً من الخط الأزرق، وتصبح الحرب دائرة في داخل الجغرافيا اللبنانية، لا على الحدود بين لبنان والأراضي المحتلة، وذلك وفق العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي تؤكد ضرورة خوض المعارك في أراضي الآخرين.

وعليه، فإن لبنان يشهد انتقالاً إلى مستوى جديد من الحرب، ما يعني أن ما ينتظر لبنان، خصوصاً المنطقة الواقعة جنوب الليطاني، سيكون أكبر وأخطر مما يجري اليوم.

لكن الأمور تقاس بتطورات الميدان لا خطط الغرف المغلقة، فمعرفة ما تخطط له “إسرائيل” شيء وأن تنجح في ذلك شيء مختلف تمام، إذ إن هناك طرفاً آخر في كل هذه المعادلة، يواجه ويقاوم، ويدرك كما تدرك “إسرائيل” أنّ هذه المعركة أكبر من عودة المستوطنين إلى الشمال.. قد يبدو من الحكمة ألا يتخلى حزب الله كلياً عن انضباطه في رد الفعل؛ لاعتقاده بأن الحرب الشاملة ليست حتمية، لكنه حالياً يضبط إيقاع ردوده وفق ثلاثية أساسية وذكية هي المكان بالمكان (ضاحية بيروت الجنوبية/ ضاحية تل أبيب) والهدف بالهدف (مقر الموساد)، والأداة صاروخ باليستي.

ففيما يروّج الإسرائيلي لفكرة أنه لم يستهدف الضاحية، بل هدفاً محدداً فيها، على الرغم من أن ضحاياه في أغلب هجماته من المدنيين والأطفال، يؤكد الحزب أنه استهدف هدفاً “محدداً” في “تل أبيب”، وقال في بيانه إن المقاومة استهدفت بصاروخ باليستي “قادر1 ” مقراً في الموساد، مسؤولاً عن الاغتيالات وتفجيرات “البيجرز” واللاسلكي.

إننا الآن أمام امتحان صعب وطويل تصاغ فيه معادلات دقيقة بطرق صعبة، تريد “إسرائيل” بكل شراسة رسم حدود الدم حولها، ويردّ لبنان بكل دقة بموازنة معايير النصر المضمون.

المصدر: الميادين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى