أخيرًا، عادت الحياة إلى اللجنة الخماسية المعنيّة بالشأن اللبناني، والتي تضمّ كلاً من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ودولة قطر وجمهورية مصر، وذلك بعد اللقاء الذي عقد في الرياض، بين الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان مع مستشار الديوان الملكي نزار العلولا، المكلّف بالملف اللبناني في الإدارة السعودية، بحضور السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، ولو بقي دون إعلان رسميّ.
وعلى الرغم من أنّ التسريبات حول اللقاء الذي يندرج في خانة التنسيق الفرنسي-السعودي حول الشأن اللبناني، بالنظر للدور الذي تلعبه كلّ من باريس والرياض على الساحة اللبنانية، لم تكن “حاسمة”، إذ تأرجحت بين تفاؤل وُصِف بالمُبالَغ به، وتشاؤم لم يبدُ مبنيًا على وقائع صلبة، فإنّ كلّ المعطيات تقاطعت على أنّه جاء ليؤسّس لحركة جديدة على الخطّ الرئاسي تستعدّ لها “الخماسية”، ستكون باكورتها لقاء مرتقب للسفراء يوم السبت المقبل.
يقول العارفون إنّه من المبكر لأوانه الحديث عن زيارة مجدولة فعلاً إلى بيروت للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، الذي تعود آخر زياراته إلى العاصمة اللبنانية، إلى شهر أيار الماضي، حين صُنّفت مهمّته بالاستكشافية والاستطلاعية ليس إلا، بتكليف من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ولم تأتِ نتائجها “مشجّعة” عمليًا، علمًا أنّها أدرِجت حينئذٍ في خانة “التحضير” للقمّة بين ماكرون والرئيس الأميركي جو بايدن.
ولأنّ زيارة لودريان الأخيرة إلى بيروت التي خرج منها “غير راضٍ” عن النتائج المحققة، جاءت بعد سلسلة من الزيارات التي تشابهت في العنوان والمضمون، بنتيجة التصلّب في مواقف مختلف الأفرقاء من الاستحقاق الرئاسي، وغياب أيّ مرونة في التعاطي معه، فإنّ العارفين يشيرون إلى أنّ أيّ زيارة جديدة يمكن أن يقدم عليها الرجل يجب أن تقترن بمقوّمات النجاح سلفًا، أو بالحدّ الأدنى بتغيير ملموس على الأرض، يجعلها مختلفة عن سابقاتها.
لهذه الأسباب، فإنّ هذه الزيارة تبقى بحكم “المؤجّلة” وفق العارفين، علمًا أنّ أيّ حديث “جدّي” بشأنها معلّق بانتظار اجتماع سفراء “الخماسية” السبت المقبل، الذي يفترض أن يحدّد الخطوط العريضة للتحرك المستجدّ للجنة، والذي قد يقوم على جولة استطلاعية جديدة على مختلف الأفرقاء، في ضوء المتغيّرات التي حصلت في الأشهر الأخيرة، علمًا أنّ “مصير” زيارة لودريان سيترتّب على نتائج هذه الجولة، وما يمكن أن تفرزه على الأرض.
لا يعني ما تقدّم أنّ “لا جديد” بالمُطلَق تحقّق في الفترة الأخيرة، يمكن للجنة “الخماسية” أن تنطلق منه، وهي الباحثة عن مساحات مشتركة بين الأفرقاء يمكن الولوج منها لإحراز تقدّم، لكنّه يعني بالحدّ الأدنى أنّ أيّ “تغيير ملموس” لم يطرأ بعد، فالاتصالات السعودية الفرنسية على أهميتها ليست هي التي يمكن أن تنتج رئيسًا للبنان، طالما أنّ مواقف الأفرقاء لا تزال متباعدة، وأنّ كلّ معسكر لا يزال متمسّكًا بمقاربته للاستحقاق، البعيدة عن كلّ البعد عن مقاربة الآخر.
مع ذلك، ثمّة من يعتقد أنّ المبادرة “المعدَّلة” التي طرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري في الفترة الأخيرة يمكن أن تشكّل “نقطة الانطلاق” لحراك “الخماسية” المستجدّ، ولو أنّ هذه المبادرة لم تلق الصدى الطيّب في صفوف المعارضة، حيث يشير العارفون إلى أنّ التعديلات التي أدخلها بري على مبادرته لاقت في مكانٍ ما، ما طرحته اللجنة “الخماسية” سابقًا، ما قد تعتبره الأخيرة “مَدخَلاً” لتقريب وجهات النظر، وربما تليين المواقف في مكانٍ ما.
ويشير العارفون إلى أنّ تحرّك “الخماسية” سيستند أيضًا إلى مبادرة “الاعتدال” التي يُعتقَد أنّها ستعود بدورها إلى الصعود في الأيام القليلة المقبلة، باعتبار أنّ فرصتها تبقى أكبر من غيرها، وهي التي قد تشكّل “نقطة وسط” بين مبادرة بري وخريطة طريق المعارضة، في وقتٍ قد لا يكون التغيّر في موازين القوى، مع خروج أربعة نواب من “التيار الوطني الحر”، ومساعيهم لتشكيل تكتّل نيابي جديد، في صلب حسابات “الخماسية” الرئاسية أيضًا.
قد يسأل سائل عمّا تغيّر عمليًا حتى تصبح زيارة لودريان إلى بيروت على الأجندة، بعدما وُضِعت جانبًا لأشهر طويلة، وقد يحيل هذا السؤال إلى سؤال آخر، عن مغزى إنعاش حراك “الخماسية” اليوم، بعد جمود نسبيّ طال كثيرًا. قد لا تتوافر الإجابات على مثل هذه الأسئلة، طالما أن “أم الصبي” لا تزال تراوح مكانها، في إشارة إلى المعنيّين الأوائل بالاستحقاق، أي القوى السياسية المحلية، ما يزيد من جرعة التعقيد على استحقاق معقّد بما يكفي!