مقالات
حكايات لم تُروَ عن الشهيد هادي نصر الله
في الذكرى السابعة والعشرين لاستشهاد السيد هادي نصر الله نجل الأمين العام لحزب الله، يُعيد موقع “العهد” الإخباري نشر مقابلة أجراها مع أخيه السيد جواد قبل أعوام، يتحدّث فيها عن السيد هادي الشاب المتواضع، الحنون، صاحب الإحساس المرهف، والمجاهد العاشق للشهادة.
وفي ما يلي نص المقابلة:
ثمّة لحظات نجد فيها أنفسنا عاجزين عن الكتابة. يحدث أن نكتب أمراً لتوصيف واقع، فنجد أن هذا الواقع فوق الوصف. نكتب ثمّ نمحو، علّنا نعثر على المصطلحات المناسبة في المكان المناسب. هذه اللحظات بطبيعة الحال لا تحدث لدى كتابتنا للمقالات السياسية او الاقتصادية أو ما شابه.
هذه اللحظات تعترينا عندما نكون في حضرة الشهداء؟ فنسأل أنفسنا من أين نبدأ بالحديث وكل الطرق التي تؤدي اليهم جميلة، مزروعة بالشهامة والإباء، وفيها الكثير الكثير من الحكايا التي لطالما بحثنا عنها بشوق وشغف.
لطالمنا انتظرنا أي تفصيل يدلنا على شخصية هؤلاء الشهداء. قد تمضي عشرات السنين، وتبقى تلك التفاصيل التي تدل عليهم حيّة في وجداننا تزرع فينا الكثير من الدروس والعبر.
من منا لا يهتم بمعرفة المزيد عن شخصية الشهيد السيد هادي حسن نصر الله؟. أعوام كثيرة مرّت على استشهاده في مواجهات جبل الرفيع ولا تزال ذكراه توقظ فينا الأمل بقادة قدّموا فلذات أكبادهم على درب هذه المسيرة، بقادة قدّموا مصلحة المسيرة على الأبوّة، فتماسكوا وحمدوا الله على هذا القربان.
يتحدّث السيد جواد أخ الشهيد لموقع “العهد الإخباري”، فيطول الكلام عن شهيد تميّز بشخصية قيادية، محبّبة، وامتلك رجاحة عقل وكاريزما وجاذبية قلّ نظيرها في أبناء جيله. عن شاب لم يتعدّ بعد مرحلة المراهقة لكنّ تصرفاته تخطّت عمره بأشواط.
وفي غمرة الحديث الذي استحضر فيه جواد ذكريات تعود لأكثر من عقدين من الزمن، حضر طيف الشهيد، وتداخلت الحكايا عن هادي الطفل، والمراهق، والشاب. صاحب الفكر القيادي والعقل الراجح.
الأخ الحنون الذي يحمل الطيبة والرأفة، والابن البار الهادئ والمتعلّق بوالدته حتى الرمق الأخير، تماماً كما تعلّق بأقربائه وجيرانه ورفاقه، وأجاد منذ الصغر بناء العلاقات مع المحيط. عن المجاهد “الأمين” الذي يحفظ أسرار العمل الجهادي، ويُخلص له. عن الابن المتماهي مع والده القائد الذي أخذ منه الكثير من الصفات.
هادي “قلب المنزل”
الغوص في شخصيّة الشهيد هادي والإحاطة بكافة تفاصيلها ليس مسألة سهلة.
يستذكر جواد نباهة وذكاء الشهيد هادي منذ الصغر، فهو الذي كان يُحرّك الجميع بعينيه من سكون وهدوء. هادئ في طبعه، وفي أوقات اللعب أيضاً، لكنّه صاحب المخططات التي يُنفّذها رفاقه.
فعندما يطرح فكرة لعب معيّنة يتحرّك الجميع لتنفيذها بلا سؤال. كل ذلك نظراً للشخصية القيادية التي كان يمتلكها الشهيد الذي كان يوصف بـ”الدماغ المحرّك”، رغم صغر سنّه.
ووفق جواد، يصح أن نطلق على هادي لقب “قلب المنزل”، فهو الذي كان يُعطيه الحيوية والحركة.
تعلّق بوالدته كثيراً وتعلّقت به كان يحمل في قلبه لهفةً لا توصف على والدته والعكس صحيح.
امتلك همّة عالية جداً، فلطالما كان يستيقظ باكراً لمساعدها وإعانتها في شؤون المنزل سعياً وراء راحتها.
وما يُميّز هادي أيضاً إطاعته لوالديه، فمثلاً في إحدى المرات فكّر بشراء سيارة، قال له والده السيد حسن في حينها ” أفضّل عدم شراء سيارة، ولو من أموالك، علينا أن نشعر مع الناس، ونتساوى مع شباب المقاومة و أبناء الحي، وأن لا نتميّز عنهم بأمورنا المادية”.
حينها لم يأخذ السيد وقتاً لإقناع هادي الذي سرعان ما نزل عند رغبة أبيه، واستبدل فكرة السيارة بدراجة نارية يتنقّل بها، فهادي من شدّة تعلّقه بالسيد وحبه له يستحيل أن يرفض له طلب، وهو الوالد النموذجي والأب القدوة والمثال. وفي هذا الصدد، يلفت السيد جواد الى أنّ سماحة السيد لطالما أوصاه وأخوته بضرورة العمل بقيمة المداراة انطلاقاً من مفهومها الحقيقي.
فالمداراة الحقيقية هي أن يتخلى الفرد عن شيء يحبه ويعني له الكثير، لا أن يتخلى عن أمر لا يكترث له في الأساس.
تعلّق هادي كثيراً بأخوته خصوصاً الأصغر محمد علي. يعود جواد ليتحدّث عن “الضجيج” الجميل الذي يُحدثه هادي في المنزل.
فرغم هدوئه، شكلّ دينامو البيت، من خلاله يعم الضحك والبسمة والحيوية في الأرجاء، وعند غيابه يحل السكون والهدوء.
مرتان ذهب فيهما الى الدورة غابت الحيوية عن المنزل، -يقول جواد- خاصة أن الوالد وفي أغلب الأوقات غائب عن المنزل، نظراً للعمل القيادي الذي أخذ الكثير من وقته،والذي جعل الوالدة تتولّى تربيتنا.
صاحب الكاريزما والجاذبية