تسارعت الخطى نحو استعادة صندوق الضمان قدرته على تغطية الدواء بالنسب القانونية، بعدما بدأ تنفيذ خطّة اللجنة الفنية التي تتيح إعادة التغطية إلى 95% من ثمن أدوية الأمراض السرطانية و80% من ثمن سائر الأدوية، بكلفة سنوية تبلغ 82.6 مليون دولار.
يأتي ذلك بعدما تدنّت التغطية إلى نحو 10% بسبب الانهيار النقدي، ما دفع المضمونين إلى تمويل ثمن الأدوية من جيوبهم الخاصة أو امتناعهم عن شرائها.
سيبدأ تطبيق الخطّة على مراحل، أولاها بعد أسبوعين وتشمل تغطية نحو 3315 دواءً من أصل أكثر من 5000 دواء أقرّها الصندوق في لوائحه الجديدة التي تعتمد لوائح وزارة الصحّة، وهي أدوية مخصصة للأمراض السرطانية والعلاجات الكيميائية.
وتغطية الضمان بموجب هذه الخطّة ستكون على النحو الآتي: بعد تصنيف كل دواء في مجموعات تبعاً لتركيبته العلمية، سيدفع الضمان للمشمولين بالتغطية 80% من ثمن الدواء الأرخص في كل مجموعة أو 95% إذا كان الدواء لعلاج السرطان.
وتقضي الخطة بـ«اعتماد أقل سعر دواء في كلّ تركيبة علمية»، أي أن الضمان لن يدفع هذه النسبة من ثمن كل دواء، بل سيعتمد على «سعر مرجعي» لكلّ دواء. فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك 5 أصناف من تركيبة كيميائية واحدة يتراوح سعرها بين دولارين و10 دولارات، سيدفع الضمان 85% من الأدنى، أو 95% من أدنى سعر إذا كان للأدوية السرطانية.
إذاً، كيف سيتم تمويل هذه الخطّة؟ في الواقع، الضمان لم يقرّ موازنة 2024 بعد، فضلاً عن أن نفقات التقديمات الصحية تعدّ معقودة حكماً بحسب قانون الضمان وأنظمته المالية، علماً أن الضمان الاجتماعي لديه تدفق من الاشتراكات تقدّره الخطة بنحو 216 مليون دولار أو ما يوازي 19300 مليار ليرة.
السؤال المشروع، هو لماذا لم يبدأ تطبيق الخطة بشكل كامل، طالما أنه تم إعداد كل لوائح الأدوية التي يحتاج إليها الصندوق لبدء هذا العمل؟ الإجابة تتطلب مراجعة لسنوات الأزمة حين كانت إدارة الضمان تقف متفرّجة.
واستمر هذا الأمر إلى أن أصرّ وزير العمل مصطفى بيرم على تعيين لجنة فنية بمهمة إصلاحية كانت باكورتها دراسة علمية وافية تتضمن 4 سيناريوات لإعادة تغطية الفاتورة الدوائية للمضمونين.
ووافق مجلس الإدارة على اعتماد السيناريو الرابع من الخطة قبل نحو ثلاثة أشهر الذي يقضي بتعديل جذري في آلية تسعير الأدوية بعد تصنيفها إلى فئات تبعاً لتركيبتها العلمية.
على هذا الأساس، أعدّت اللجنة الفنية (رغم أن مثل هذا الأمر ليس ضمن عملها ومسؤولياتها) لوائح الأدوية التي سيعتمدها الضمان بدلاً من اللوائح القديمة.
اللوائح الجديدة مطابقة للوائح وزارة الصحّة، أي أن الادوية المعتمدة في وزارة الصحة صار الضمان يعتمدها كلّها بعدما كان «ينتقي» منها لأسباب غير واضحة.
ثم جرى اعتماد سعر الدواء الأرخص في كل مجموعة تتضمن تركيبة علمية متماثلة.
وبحسب دراسة اللجنة الفنية، فإن إعادة التغطية الصحية للدواء وفق قاعدة «السعر الأدنى في كل مجموعة علمية» سيكلّف الضمان 7400 مليار ليرة أو نحو 82.6 مليون دولار مقارنة مع 112 مليون دولار إذا اعتمدت القواعد السابقة.
الرقم الأخير هو حصّة الضمان من الكلفة الإجمالية المقدرة بنحو 150 مليون دولار، لأن الدولة تدفع 25% من فاتورة التقديمات الصحية أو ما يوازي 37 مليون دولار.
ورغم أن مجلس الإدارة أقرّ الخطّة كاملة، إلا أنه ليس واضحاً لماذا عرضت إدارة الضمان على مجلس الإدارة تطبيقها على مراحل تبدأ بإعادة التغطية إلى الأدوية السرطانية، ثم إلى سائر فئات الأدوية.
فالخطة ستؤدي إلى وفر مالي بنسبة 30% من فاتورة الدواء التي كان الصندوق يدفعها قبل الأزمة، أي أن تطبيق الخطّة بلا تجزئة هو الخيار الأفضل، علماً أنّ لدى الصندوق أموالاً تغطّي تطبيق الخطة كاملة أكثر من ضعفَي الكلفة.
لكن لم يناقش الأمر في مجلس الإدارة، بل أصدر الأخير بياناً يربط بين «الإمكانات المتاحة» وبين تطبيق الخطة.
وبحسب رئيس اللجنة الفنية في الضمان مكرم غصوب، فإن الضمان هو الآن «في مرحلة إنقاذية تقضي بالمسارعة إلى تغطية أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية، ولاحقاً أدوية الأمراض الأخرى، بانتظار أن تدفق الأموال اللازمة (التي تجبى من الاشتراكات بشكل شهري) لإعادة كلّ التغطية إلى ما كانت عليه».
إذاً، أيّ أدوية سيعتمدها الضمان كمرجع، وما هي الآلية التي ستعتمد في الصندوق لاسترداد المضمون ما دفعه، أي صرف حصة الصندوق من سعر الدواء، وهل ستقوم الخطة على تغطية الدواء «الجنريك» بدل «البراند»؟ «علينا أن ننسى فكرة الدواء البراند والجنريك أولاً»، يقول غصوب شارحاً: «سيعتمد الضمان من الآن وصاعداً كلّ لائحة الأدوية الخاصة بوزارة الصحة، ولن يكون هناك لائحة أدوية خاصة بالضمان الاجتماعي مختلفة عن لوائح الصحة».
إذ كان مستوردو الدواء يسجلون أدويتهم مرتين، مرة في وزارة الصحة ومرة في الضمان.
ويلفت إلى أن الخطّة تؤمن العدالة، إذ كان «الثري يشتري الدواء الأغلى ثمناً، ويقدم فاتورته للضمان الذي يردّ له نسبة 80% من سعر الدواء مهما كان سعره، بينما يشتري الفقير دواءً رخيصاً، ويردّ له الضمان أيضاً النسبة نفسها التي تساوي مبلغاً أقلّ».
أما الآن وتبعاً للسعر المرجعي سيحصل الجميع على سقف واحد للسعر، وكل من يريد أن يشتري الدواء الأغلى عليه أن يموّل ذلك من جيبه الخاص.
وفقاً لغصوب، فإن الخطّة تؤمن «الشفافية، إذ ستكون لوائح الدواء متاحةً أمام المضمونين لمعرفة المبلغ الذي سيردّه الضمان بناءً على فاتورتهم».
الأهم من ذلك كلّه، أن آلية التسعير بعد اعتماد لوائح الأدوية في وزارة الصحة ستفتح الباب أمام التنافس بين مستوردي الأدوية لخفض أسعارهم للجمهور.
هم الآن يرغبون في بيع أدوية يروّجون لها بدعم من شركات التصنيع العالمية، لذا كلما خفضوا أسعارهم لمنافسة الدواء الأرخص في كل مجموعة زادت فرص المبيع.