بعد مقال الأسبوع الماضي الذي تناول أزمة الطاقة الكهربائية ووجوب الانكباب على معالجة نهائية جذرية لها، والذي كان موجهاً إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، حصل لقاء طويل معه حول هذا الموضوع، كانت سمته الشفافية التامة وقيل فيه كل شيء عن ظواهر هذا الملف وبواطنه.
يملك رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في ملف الكهرباء ما يكفيه للقول إنه قام فعلاً بما كان على عاتقه في هذا الصدد.
ولكن ما دامت الأمور تقاس بنتائجها وأزمة الكهرباء المزمنة لا تزال على حالها، فإن الجلسة معه لم تقتصر على عرض أبرز ما في جعبته من معطيات، ولم تكن الغاية منها تبرير الذات أو إلقاء اللوم على الآخرين، بل كان انتقال إلى مناقشة مكامن المشكلة وأسبابها وسبل حلّها.
ولهذا كان لا بد نشر ما يفيد القارئ راهناً ومشاركته في توجهات الحلول.
أسباب استعصاء أزمة الكهرباء كثيرة، ولكن من الضروري اعتماد منهج تبسيط الأمور من دون التغاضي عن المهم منها، وإلّا استمرّت الإقامة في الاستحالة، وبالتالي ينبغي التركيز على أهم تلك الأسباب والمشاكل، وهي:
– مشكلة قانونية تنظيمية تتعلق بالهيئة الناظمة أو “هيئة تنظيم قطاع الكهرباء” ولم يتم حتى اليوم تعيين أعضائها وتفعيل عملها، وقد أصبحت موضوع تجاذب وخلاف سياسي حادّ بين من يطالب بتفعيلها لتحلّ محلّ وزير الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان في بت العديد من الأمور، ومن يرفض ذلك قبل تعديل صلاحيات تلك الهيئة حفاظاً على دور الوزير وصلاحياته.
– مشكلة سياسية تتعلق بتوزيع منشآت توليد الطاقة الكهربائية جغرافياً واشتراط إقامة معمل في سلعاتا، بالإضافة إلى معملين آخرين في الزهراني ودير عمار، وما يتطلبه ذلك من استملاك للأراضي اللازمة لإقامة المعمل.
وقد خرجت مراراً إلى العلن نقاشات حول وجود أراضٍ مملوكة للدولة في تلك المنطقة، بما يعني انتفاء الحاجة إلى استملاكات جديدة، ولم تتبين حتى الآن حقيقة الأمر، وهذا ما سوف يُسأل عنه وزير الطاقة وأي شخص معني بالملف لبيان الحقيقة وإزالة العوائق.
– مشكلة مالية تتعلق بطرق تمويل إقامة معامل توليد الطاقة الكهربائية أو غيرها من طرق الإنتاج، في ظل عدم توفر المال اللازم من خزينة الدولة أو من مؤسسة كهرباء لبنان، وقد تبيّن بالفعل أن لدى رئيس مجلس الوزراء عروضا قدّمتها جهات خارجية مستعدّة للتمويل ولبناء معامل إنتاج بطريقة BOT أي من دون نفقة من الخزينة، وتتضمن بيع الطاقة بسعر يقارب ثلث سعرها الحالي، وقد بدا عليه أسف وألم صادق لتعثّر تلك الحلول، ولم يتردّد في التعبير عن استعداده للتمويل بقدراته الخاصة إذا لزم الأمر وصولاً إلى حلّ نهائي لهذه المشكلة المزمنة.
وهنا لا بد من استيضاح المعنيين أسباب عدم السير بمثل هذه الحلول، وتبيان الحقائق من دون الوقوف عند سيل المواقف الإعلامية السابقة وما أثير من اتهامات في إطار سياسة تبرئة الذات وتجريم الخصوم التي تعتمدها القوى السياسية في لبنان.