كتبت صحيفة “الجمهورية”: في الوقت الذي تتتبّع فيه كلّ المراصد الإقليمية والدولية مصير المفاوضات الرامية إلى إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والمحاولات العقيمة لإخراجها من حقل المطبات التي تُزرع في طريقها، بدا المشهد أمام منعطف يَضع المنطقة برمّتها على حافة تحوّلات شديدة الخطورة، ظهرت تجلياته في الحرب الجديدة التي بدأتها اسرائيل على الضفة الغربية.
الفصل الجديد من الحرب على الضفة، جاء متزامناً مع استضافة الدوحة أمس، لجولة جديدة من المفاوضات حول وقف إطلاق النار في غزة.
وتوقيته، على ما تجمع القراءات والتحليلات، يعزّز المخاوف ليس على مفاوضات إنهاء الحرب في غزة فحسب، بل من محاولة اسرائيلية لخلق واقع جديد منضبط في سياق خطة لإسقاط النموذج التدميري والتهجيري لغزة على الضفة الغربية، ألمح إليها وزير الخارجية الإسرائيلية يسرائيل كاتس الذي يرى أنّه: “يجب التعامل مع التهديد في الضفة مثل غزة، وتنفيذ إجلاء مؤقت للسكان، فهذه حرب على كل شيء”.
قبل نقطة الصفر
هذا المستجد، تقدّم على ما عداه من اهتمامات ومتابعات؛ المستويات السياسية الديبلوماسية اللبنانية التي تحاول أن تتلمس اتجاهات الرياح الحربية، خصوصاً أنّ الهجوم الإسرائيلي على الضفة، وكما يقول مسؤول كبير لـ “الجمهورية” يُشكّل في ما يبدو، الفصل الثاني والأخطر من الحرب الإسرائيلية بعد تدمير غزة، وإعدام الحياة فيها، لأنّه يقرّب المنطقة من احتمالات وسيناريوهات ليس أقلها التهجير الجماعي”.
بحسب المسؤول عينه فإنّ “المنحى الحربي الذي تنتهجه حكومة بنيامين نتنياهو، وجديده بالأمس في الضفة، يؤكّد بما لا يقبل أدنى شك ما هو مؤكّد من البداية، أي نسف مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، بالتالي إعادة الأمور إلى ما قبل نقطة الصفر، مع ما قد يحمله ذلك من تطوّرات ومخاطر وربما مفاجآت أبعد من الميدان الفلسطيني”.
ورداً على سؤال حول التأكيدات الاميركية بأنّ باب المفاوضات لم يُقفل بعد، وأنّ احتمالات بلوغ اتفاق على وقف إطلاق النار في غزة ما زالت قوية، قال: “التأكيدات شيء، وما يجري على الأرض شيء آخر.
كانت غزة أولاً، وكان التعويل على أن تنجح المفاوضات في بلوغ تسوية ووقف لإطلاق النار ينسحب تلقائياً على سائر ساحات المواجهة، وفي مقدّمها جبهة جنوب لبنان.
الأميركيّون أبلغونا بأنّهم مُصمِّمون على إنجاح المفاوضات، وأمّا الآن فأضيفت إليها الضفة، التي ليس معلوماً أي اتجاه ستسلكه، وما هو مُخطَّط لها. فأيّة مفاوضات يمكن التعويل عليها أمام هذا الوضع؟”.
تعميم التوتر
إلى ذلك، وفيما تخوّف مصدر حكومي من أن يتسبّب العدوان الإسرائيلي المستمرّ على غزة والمستجد على الضفة بتعميم توترات إضافية على سائر جبهات وساحات المواجهة، كشف مصدر ديبلوماسي لـ “الجمهورية” عن معلومات أميركية تفيد بأنّ واشنطن تعارض توسّع نطاق المواجهات، وأنّ الديبلوماسية الأميركية تمارس ضغوطاً كبيرة لاحتواء التصعيد في غزة والضفة”.
وأشار المصدر عينه إلى تلمّس إشارات أميركية صريحة تعكس ارتياح الإدارة الأميركية إلى انخفاض احتمالات الحرب الواسعة بين إسرائيل و”حزب الله”، وهو أمر يساعد ويرفع من احتمالات الحل الديبلوماسي.
وتفيد بأنّ واشنطن ستواصل جهودها بشكّل مكثّف في هذا الاتجاه، مع تأكيدها أنّ على جميع الأطراف تجنّب القيام بأية خطوة تصعيدية من شأنها أن تؤزّم الوضع أكثر وتدفع إلى حرب واسعة لا مصلحة لأي طرف فيها”.
في السياق عينه، أجاب مصدر قيادي في “حزب الله” رداً على سؤال لـ “الجمهورية”: “نحن من الأساس عبّرنا عن موقفنا بأنّنا لا نريد الحرب مع جهوزيتنا الكاملة للتصدّي لأيّ عدوان إسرائيلي.
وإنّنا في اسنادنا لغزة منذ بداية العدوان عليها، وصولاً إلى الردّ على اغتيال الشهيد القائد فؤاد شكر.
وضعنا في حسباننا بالدرجة الأولى تجنيب لبنان والمدنيِّين مخاطر العدوان الإسرائيلي.
ومواجهتنا ستستمر حتى وقف العدوان الإسرائيلي على غزة”.
ورداً على سؤال عمّا حققه الردّ على اغتيال شكر، خصوصاً في ظل الأصوات المشكّكة بنجاح هذا الردّ، أوضح المصدر القيادي في الحزب: “في هذا الردّ تمكّنت المقاومة من فرض “معادلة الردع” في وجه العدو.
ولسنا مضطرّين لأن نسمع أو نركن لما ينعق به المشكّكون، فليقولوا ما يشاؤون، والأمين العام السيد حسن نصرالله أكد بوضوح وثقة أنّ عدداً معتداً به من المسيّرات، وصلت إلى القاعدتَين الإسرائيليتَين اللتَين تم استهدافهما قرب تل ابيب، أي أنّها أصابت أهدافها خصوصاً قاعدتَي غليلوت والدفاع الجوي في عين شيميا.
والعدو يتكتم على نتائج ما حصل، وفي اعتقادنا أنّه على الرغم من الحظر الإسرائيلي، لن يطول الوقت حتى تخبّر هذه النتائج عن نفسها بنفسها”.
التمديد لليونيفيل
في سياق متصل بالجبهة الجنوبية، صوّت مجلس الأمن الدولي بالإجماع أمس، على التمديد سنة لمهمة قوات اليونيفيل العاملة في منطقة الجنوب اللبناني.
بناءً على مشروع أعدته فرنسا.
وحول هذا الموضوع أبلغ مصدر ديبلوماسي “الجمهورية” إنّ “هذا التمديد تقرر على نحو ما هو معمول فيه في قرار التمديد العام الماضي من دون أيّة تعديلات جوهرية”.
مشيراً إلى أنّ لبنان أكّد في ملاحظاته حول التمديد الجديد ضرورة إندراج مهمة اليونيفيل ضمن روحية وجوهر القرار 1701، وأولوية التنسيق الدائم في أي خطوات وإجراءات عملانية، بين اليونيفيل والجيش اللبناني”.
يشار في هذا السياق إلى حركة ملحوظة للسفيرة الأميركية في لبنان ليز جونسون، التي زارت رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب، الذي التقى أيضاً السفير الفرنسي في لبنان هيرفيه ماغرو.
وأحد نقاط البحث كان موضوع التمديد لقوات اليونيفيل في الجنوب التي تنتهي ولايتها آخر آب.
استعجال أميركي للرئيس
سياسياً، توازت التوترات على الجبهة الجنوبية، مع جمود أو تجميد ملحوظ للحركة السياسية وسائر الملفات التي تحظى بالأولوية، وفي مقدّمها الملف الرئاسي، الذي لا يبدو له أثر على مائدة المتابعات.
حتى أنّ المعنيِّين المباشرين بهذا الملف يقاربونه كبند ثانوي مؤجّل إلى ما بعد جلاء الصورة من قطاع غزة امتداداً إلى جبهة جنوب لبنان.
إلّا أنّ الساعات الأخيرة شهدت تطوّراً لافتاً للانتباه على هذا الصعيد، تجلّى في إشارات أميركية صريحة وواضحة تستعجل حسم الملف الرئاسي في لبنان.
وبحسب ما كشفت مصادر موثوقة لـ “الجمهورية” فإنّ هذا الاستعجال المتجدّد عكسه ديبلوماسي أميركي في أحد المجالس، إذ قدّم مقاربة بالغة الجدية والأهمية، لصورة الوضع اللبناني من جوانبه المختلفة، بدءاً من الملف الجنوبي وصولاً إلى الملف الرئاسي.
ووفق المصادر الموثوقة فإنّ الديبلوماسي الأميركي أكّد في مستهل كلامه على المسلّمة الأميركية لجهة الحرص على لبنان واستقراره، وعكس أنّ واشنطن تنظر بارتياح إلى انخفاض احتمالات الحرب بين إسرائيل و”حزب الله”، وأنّها تتطلّع إلى وقف لإطلاق النار ووقف الهجمات وإشاعة الهدوء والاستقرار على الجانبَين اللبناني والإسرائيلي من الحدود.
على أنّ ما لفت في كلام الديبلوماسي الأميركي، تناوله باستغراب كلّي تأخّر اللبنانيِّين في حسم الملف الرئاسي، وبدا في كلامه وكأنّه يدعو الأطراف في لبنان إلى أن يلتقطوا المبادرة ويستغلّوا الظرف الحالي ويبادروا إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وأكّد أمام محدثيه أنّه خلافاً لكل ما يقال ويشاع، لا يوجد على الإطلاق، أي مانع خارجي من أي مصدر كان يمنع اللبنانيِّين من انتخاب رئيسهم.
واستنتجت المصادر من كلام الديبلوماسي الأميركي تحبيذه التوافق على رئيس للجمهورية، إذ أشار إلى الاصطفافات الرئاسية المعروفة والفيتوات والاعتراضات المطروحة على بعض الأسماء، بالإضافة إلى المواصفات المختلف عليها من هذا الجانب أو ذاك، وأضاف ما مفاده أنّ من مصلحة اللبنانيِّين عدم التحجّر عند هذا الحَدّ، لأنّ الحل ممكن، خصوصاً أنّ في لبنان جمعاً كبيراً من الشخصيات التي تتوفّر فيها مواصفات ترضي جميع الأطراف. ولا يعتقد أنّ اختيار أيّ منها لرئاسة الجمهورية أمر صعب.
كما استنتجت المصادر أنّ على لبنان ألّا يفوّت فرصة انتخاب الرئيس في الوقت الحالي، فالولايات المتحدة لا تضع الملف الرئاسي من ضمن أولوياتها في الوقت الحالي، ومردّ ذلك إلى انهماكها من جهة بتطوّرات الحرب في غزة، إلى جانب انهماكها في انتخاباتها الرئاسية.
ومعلوم في حالة كهذه أنّ الإدارة الأميركية تتراجع فعاليتها في المرحلة الرئاسية الانتقالية كما هو حال إدارة الرئيس جو بايدن حالياً.
وأمّا سائر الدول فمشدودة كلها إلى الحدث الفلسطيني، بالإضافة إلى أنّ لكل منها أولوياتها واهتمامها في هذه المرحلة.
وهذا الجو كان في إمكان اللبنانيِّين أن يجيّروه لمصلحتهم عبر التوافق على انتخاب رئيس، وهو أمر ما زال ممكناً.
علماً أنّ لا مصلحة في مزيد من التأخير بل فيه ضرر، لأنّ ما هو ممكن اليوم، قد يصبح مستحيلاً كلّما تأخّر الوقت.