أخبار لبنان

عن الكوميديا في كلام “المتأمركين”

“المَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ طَيِّ لِسَانِهِ”، فإذا تحدّث ظهرت معالم ثقافته وأخلاقه ومعارفه. وحين يجري الكلام في القضايا العامة، يصبح دليلًا كاشفًا لا على شخصيّة الناطق فحسب، بل على كلّ خياراته ودوافعه في تأييد قضيّة ما أو معاداتها.

في الآونة الأخيرة، ولا سيّما بوجود المنصات الإعلامية، التقليدية والإلكترونية والتي تتيح للمرء التحدّث بما يشاء وساعة يشاء، يطفو على سطح الإعلام أحيانًا كلام يشي بأصحابه وخياراتهم.. الحرب قائمة والمعركة بين الحقّ والباطل شديدة الوضوح، وكلّ كلام حولها هو في الواقع مرآة روح قائله: وإن كان كلام أهل الحقّ كأفعالهم، يحكي حكاية أرواحهم التي تقاتل، فكلام من يخاصمونهم لا يرقى لمستوى خصومة ونديّة، بل يأتي كوميديًا قادرًا على إضحاك الجمهور رغم ثقل الحرب ومعبّرًا عن جهل عميق وخواء ثقافي وفكريّ واضح.

في الواقع، يتنافس الخائبون على التعبير عن عدائهم للمقاومة بشكل يجعلهم أحيانًا يتحدّثون بعيدًا عن أيّ منطق، كأنّهم في ساعة إتاحة “مايكروفون” وكاميرا لهم يفقدون شيئًا من القدرات الذهنية بحدّها الأدنى؛ على سبيل المثال لا الحصر، أدّى السؤال الذي طرحته افتراضيًا النائب نجاة صليبا على السيد نصر الله في مقطع انتشر كثيرًا في اليومين الأخيرين إلى موجات ضحك حقيقية.. فسؤالها بقدر استعراضيته يوحي بأن السيدة صليبا تجهل طبيعة وحقيقة عمل المقاومة، ولم تستمع يومًا لأي خطاب صادر عن حزب الله: تتساءل الأستاذة في الجامعة الأميركية عن مصدر تمويل حزب الله، ثم تسأله عن سبعين مليار دولار ضائعة، على ما يبدو في تلميح لكون حزب الله استخدمها في صناعته العسكرية وفي تمويل “ألويته”. مرّ يومان على انتشار المقطع ولم يزل قادرًا على إضحاك الجمهور.. وهي نقطة تُسجّل لصليبا الناشطة البيئية التي قرّرت أن تحكي “سياسة”!.

وبالطريقة نفسها، ينجح مكرم رباح، الأستاذ المحاضر أيضًا في الجامعة الأميركية، في إثارة ضحك الناس عبر تصريحاته التي تعبّر عن إصابته بنوبات إنكار على الهواء مباشرة.. لا يريد أن يصدّق الواقع المشهود فيهرب إلى توهينه وإنكاره وهي حالة شائعة ومعروفة لدى بعض مرضى الصدمات الكبيرة ولا سيّما حين يراكمون عددًا من الخيبات المتلاحقة: العالم كلّه يتحدّث عن خطر مسيّرات المقاومة على كيان الاحتلال، ومكرم لم ينه بعد نوبة الإنكار والتي يردّد خلالها كلّما تعثّر بميكروفون: “هيدي مسيّرات أعراس”.

بدوره، يصر فارس سعيد على خوض معاركه الوهمية ضد إيران وحزب الله. وينتظر أن تستضيفه شاشة كي يعبّر بالصوت والصورة عن نفس المضامين التي يصحو من أول الفجر لكتابتها كمنشورات تشي بأن الرجل انفصل تمامًا عن الواقع ويعجز عن فهم حقيقة المشهد. تارّة يقاتل طواحين هواء في خياله ويدّعي أنّها معركته ضد “الاحتلال الإيراني” وطورًا يكيل الاتهامات لحزب الله ويرفع شارة النصر ابتهاجًا، مبديًا الشعور بالاعتزاز العظيم لانتصاره في معركة وهمية لم يدرِ بها أحد سواه.

تطول القائمة، والمشترك بين كلّ أسمائها هو الخيبة؛ إعلاميون وسياسيون وناشطون تتمحور كلماتهم وخطاباتهم حول الهجوم على المقاومة، علمًا أنّ كلّ ما يصدر عنهم يأتي خاليًا من أيّ منطق عقلاني، خاويًا من أي إشارة صدق أو مؤشر يوحي بخصومة شريفة. وسواء استضافتهم الشاشات المعادية صراحة للمقاومة أو استخدموا منابرهم الافتراضية للتعبير عن حالهم، نراهم يبقون عالقين في بؤرة اللا منطق، يحصدون خيباتهم المتلاحقة، ويتكلمون.

المصدر:العهد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى