يُعوّل كثيراً على المفاوضات التي تُستكمل اليوم في القاهرة بشأن وقف إطلاق النار في غزّة، ولم ترد إيران أو حزب الله حتى الآن على “إسرائيل” لارتكابها عمليتي اغتيال القياديين اسماعيل هنية وفؤاد شكر لعدم نسف هذه المفاوضات.
ويبدو أنّ إعطاء الفرصة لوقف إطلاق النار لا يعني أنّ المقاومة لن تردّ، سيما أنّ القطاع وجبهة لبنان الجنوبية بحاجة الى وقف إطلاق النار بعد أكثر من 10 أشهر على اندلاعها.
فهل تنجح المفاوضات الجارية اليوم، وهي لا تزال معلّقة على معبري رفح وفيلادلفيا، أم سيتمّ ترحيلها الى ما بعد النتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل، ما يعني الاستمرار في حرب الاستنزاف؟!
مصادر سياسية مطّلعة أكّدت أنّ المفاوضات في جولتها الأولى في 16 و17 آب الجاري، وفي جولتها الثانية في 24 و25 منه، يمكن أن تؤدّي الى جولة ثالثة في حال لم يتمّ التوصّل الى إبرام اتفاق بين حماس و “إسرائيل”، سيما أنّ الأميركي عبر وزير خارجيته توني بلينكن يبذل الجهود من أجل حصول وقف إطلاق النار.
غير أنّ رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو لا يريد في المقابل، إهداء مثل هذا النصر لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وهو يعوّل على الرئيس المقبل، علّه يكون دونالد ترامب، الأمر الذي يجعله يُعيق المفاوضات، ويطيلها لأشهر عديدة بعد، ويستمر في حرب الاستنزاف في قطاع غزّة وعند الجبهة الجنوبية في لبنان.
وأشارت المصادر الى أنّه في ما يتعلّق بالخيارات المفتوحة ما بعد انتهاء المفاوضات اليوم، ثمّة ردّ من حزب الله وآخر من إيران على عمليتي اغتيال هنيّة وشكر.
فإذا ردّ الحزب على “إسرائيل”، ستردّ هذه الأخيرة على الحزب.
وإذا جرى استيعاب الردّ والردّ على الردّ، على ما أفادت المعلومات، أي جرى احتواء الأمر، تعود الجبهة الجنوبية الى الوضع الذي كانت عليه منذ 8 تشرين الأول الفائت.
أمّا إذا كان هناك محاولة للتصعيد، ولتوسيع الاشتباك على كامل جبهة المقاومة وفي العمق أي في الداخل اللبناني والداخل الفلسطيني المحتلّ، فنكون قد دخلنا في مرحلة توسيع الحرب.
وهذا ما يقوم المفاوضون اليوم بالتهديد به خلال المفاوضات، علماً بأنّ أحداً لا يريد توسيع الحرب لأسباب عديدة، باتت معروفة.
فعند الجبهة الجنوبية، إذا ضربت “إسرائيل” الداخل اللبناني أي بلغ القصف مناطق عديدة، على ما تابعت المصادر نفسها، فبالطبع سوف يردّ الحزب بقصف مناطق لم تصلها صواريخه حتى الآن، مثل “تل أبيب” وحيفا وسواهما.
كذلك سيتمّ تعطيل العمل في منصّات الغاز قبالة الساحل الفلسطيني، لا سيما في حقلي “ليفيتان” و “تمار”.
وفي المقابل، سوف تُدمّر “إسرائيل” في لبنان، ولكن سيكون هناك دمار داخل فلسطين المحتلّة أيضاً.
وهذا الأمر غير مسبوق وقد يدفع عددا كبيرا من المستوطنين في “إسرائيل” الى المغادرة بشكل نهائي، وفق المعلومات، لأنّها ليست وطناً لهم.
فثمّة 50 في المئة من “الإسرائيليين” يملكون جنسيات أجنبية، والباقون يمكنهم الذهاب الى الدول الأوروبية من دون حاجتهم الى أي تأشيرة دخول.
من هنا، فإنّ المغادرة المعاكسة واردة جدّاً بعد قصف حزب الله، ما من شأنه التأثير في وجود “إسرائيل” كدولة.
وهذا يُمثل أحد المخاطر الأساسية من توسيع الحرب على لبنان.
كما سيكون هناك مخاطر أكبر في حال قرّرت “إسرائيل” توسيع الحرب على إيران، تستهدف الأساطيل الأميركية في المنطقة والخليج وسواها، ما يؤدّي الى انهيارات كبيرة.
كذلك ، فإنّ المقاومة بحدّ ذاتها هي مشروع، على ما أوضحت المصادر، ولا تقتصر فقط على الأشخاص.
وقد سبق لـ “الإسرائيلي” أن اغتال مسؤولين بارزين في حركة حماس وحزب الله خلال العقود الماضية وصولاً الى اغتيال شكر وهنيّة، وقبلهما صالح العاروري وسواهم، إلّا أنّ عمل المقاومة وأهدافها لم تتغيّر.
وهذا ما على “الإسرائيلي” الذي يضع من بين أهدافه “القضاء على قادة حماس أو المقاومة”، أن يأخذه بالاعتبار خلال المرحلة المقبلة، في حال فشل المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار.
كما تُعتبر المقاومة، بحسب إيديولوجيتها العقائدية أنّ الاستشهاد يوصل الى مشروع النصر الإلهي.
لهذا ترى المصادر عينها، أنّ محور المقاومة يقاتل اليوم بغضب، ولكن بحكمة وشجاعة وجرأة، لتلافي جرّ المنطقة الى حرب موسّعة لا تُحمد عقباها.
وينتظر ما ستؤول اليه المفاوضات، كما ردّة فعل “إسرائيل” على ردّ اغتيال شكر ليتخذ الموقف المناسب، سيما أنّها هي التي تريد شنّ حرب شاملة على المنطقة، وإقحام حزب الله فيها.
فإذا وسّعت “إسرائيل” ضرباتها، سيوسّع الحزب ضرباته، غير أنّها ليس من مصلحتها فتح الحرب على لبنان، وهي لا تزال غير قادرة على إنهاء الحرب في قطاع غزّة
ولفتت المصادر الى أنّ الحزب يتجه الى تسديد ضربة عسكرية محدودة ولكن ذات تأثير كبير، من دون أن تؤدّي الى شنّ حرب موسّعة على لبنان.
ولكن لا أحد يعلم ما الذي سيكون عليه ردّ العدو، وما هي الذرائع التي ينتظرها لتوسيع الحرب على لبنان، على غرار ما حصل في حادثة مجدل شمس التي اتهم الحزب بها، رغم نفيه لذلك.
فقد تذرّعت “إسرائيل” بإطلاق صاروخ على مجدل شمس ووقوع ضحايا مدنيين، لتغتال شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت.
ثمّ سارعت للقيام بالوساطات لكيلا يأتي الردّ قويّاً عليها.
من هنا، تختم المصادر إذا كانت “إسرائيل” فعلاً لا تريد توسيع الحرب، أن توافق اليوم على مقترحات حركة حماس التي قدّمتها في 2 تمّوز الماضي، ولا تضع العصي في دواليب الاتفاق، الذي تسعى إليه أميركا والدول الإقليمية والعربية المعنية بإعادة الأمن والهدوء الى منطقة الشرق الأوسط، بدلاً من الذهاب الى حرب موسّعة وشاملة لن يسلم منها أحد.