من يريد الحرب على لبنان؟
بعد حديث الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في عاشوراء 2024، الذي حذر فيه الصهاينة من استمرار استهداف المدنيين بعد استشهاد أخ وشقيقتيه في بنت جبيل، ومزارعين يعملون في الأرض وأطفال في الجنوب اللبناني، يجب أن نبدأ بالحذر حول من يصعّد في دولة الكيان، أهو الكيان أم هم من وراء الكيان؟
تصعيد استهداف المدنيين في قضائي بنت جبيل ومرجعيون وحتّى في قرى صور الحدودية وراءه هدف صهيوني واضح، وهو دفع سكان الجنوب للهجرة إلى ما وراء الليطاني، وهذا الكلام يمكن أن نستشفه من سلسلة الاستهدافات المتكرّرة للشريط الحدودي في جنوب لبنان: عيتا الشعب، رامية، بنت جبيل ورمزيتها، ربّ الثلاثين، الخيام، أطراف النبطية، يارين، وطيرحرفا.
ومنذ بداية الحرب بدأت “إسرائيل” باستهداف قرى أعمق في داخل الجنوب اللبناني المحتل، حتّى وصلت عمليات الاغتيال التي نفذت إلى النبطية وخيزران، ومنذ اغتيال الشهيد صالح العاروري، رئيس المكتب السياسي في حماس، لم تتجرأ “إسرائيل” بكلّ ما يمثله هذا الكيان من قوة دولية، على ضرب الضاحية الجنوبية في جنوب لبنان حتّى مساء 30 تموز حيث ضربت مرة أخرى في الضاحية.
هذا التصعيد في العمق اللبناني ليس عملًا جزئيًا بل يقع ضمن خطة محكمة يضعها الصهيوني والأميركي معًا من أجل الدخول في معركة شاملة.
الهجوم على اليمن، على ميناء الحديدة وفي هجوم الضاحية ليل أمس وفي اغتيال القائد إسماعيل هنية، في إيران، والذي تزامن مع ضربة بابل في العراق، ليست رسائل اعتباطية، إنها رسائل لمحور كامل، ويمكننا أن نضم إليه بالتأكيد ما حدث في الجولان السوري في اغتيال العدو الأطفال العشرة في الجولان، وما حدث في اليوم التالي لضربة الضاحية من استهدافات في ضاحية السيدة زينب، في ريف دمشق.
يمكننا أن نفهم من ذلك إما أن ما وقع رسالة حرب، أو هو رسائل ردع مفترضة، وبانتظار الرد على الكيان الصهيوني، والذي يرى كثيرون أنه يجب أن يكون في آن واحد، فإن ذلك إما ستكون نتيجته ردًّا أميركيًّا على تعنت “إسرائيل”، على الطريقة التي تصرف بها كيسنجر، الذي قاد السياسة الأميركية بحذر قبل التدخل العسكري الأميركي في حرب تشرين التحريرية 1973، حيث انتظر ليتلقى الكيان ضربة قوية قبل أن يأخذه باتّجاه عملية السلام مع مصر مجبرًا وليس مختارًا، وبالتالي هي عملية ردع أميركي؛ وهذا مستبعد، ولكنه وارد بحسب القراءة السياسية التي تعتمد على طرق اتّخاذ القرار بحسب المنحى التاريخي، أو هي رسالة حرب صهيونية بدعم أميركي وهذا محتمل أيضًا، خاصة بعد سلسلة المسرحيات التي قدمها رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، في الكونغرس الأميركي، والتي وإن كانت مسرحية، إلا أنها تمثل حقيقة الموقف الأميركي والرسالة التي وجهها إلى العالم عبر مجلس المتحدثين عن الشعب الأميركي “الكونغرس”.
رسائل الحرب التي يوجهها الكيان إلى المواطنين الأميركيين ليست جديدة.
فعلى سبيل المثال ومنذ التاسع من تموز/ يوليو بثت حلقة من برنامج يبث على أخبار CBN، بعنوان “Jerusalem Dateline” بمعنى بتوقيت القدس، وهي حلقات مثل باقي الحلقات التي تعرض في البرامج التي تبث للمواطن الأميركي المتدين بخاصة حول أخبار “إسرائيل”.
الحلقة تضمنت لقاء مع ضابط صهيوني سابق، الميجر آمياد كوهين، مدير مركز هيروت، والذي يضمّ مجموعة من المفكرين الصهاينة، والذي تحدث وبعقلانية ظاهرة، إذا ما أردنا توصيفها بحسب أدائه، عن ضرورة العودة إلى احتلال الجنوب اللبناني حتّى حدود الليطاني، لأن بقاء هذه المنطقة بيد لبنان يمنح حزب الله اليد العليا، لأنها عبارة عن مجموعة تلال مشرفة على فلسطين.
هذا النوع من الأخبار والتحليلات يملأ اليوتيوب، وخلال تصفحه يبدو عدد البرامج التي تتحدث عن أمن الكيان وضورة دعمه أكبر من أن تحصى، وكما نراها نحن يراها الأميركي والأوروبي وجميع المتحدثين باللغة الإنكليزية، وهي تترافق اليوم في معظمها مع كتابة ما يقال في أسفل الشاشة من أجل توضيح ما يقوله المتحدث دون مواربة متعلّقة باللهجات المختلفة، وهذا أمر ليس بالقليل، لأن تأكيد الكلام بالكتابة والقراءة يجعل تركيزه في الدماغ أعمق تأثيرًا.
ولكن السؤال الكبير هو: نحن نفهم لماذا يريد “الإسرائيلي” الحرب، والسبب الأساس، هو عمق الإحساس لديه بأن استمرارية وجوده باتت على المحك، وأن “الإسرائيلي” لا يستطيع إيقاف الحرب دون انتصار، وكان يريد فرض الانتصار من خلال ارتكاب الجرائم ضدّ المدنيين، والمجازر التي يرتكبها، والتي ستجعل المقاومات تقف عاجزة بسبب عدم قدرتها على إيقافها، مما سيدفعها لإيقاف الحرب درءًا للمزيد منها، وهذا ما دفع المقاومة المنتصرة في حرب تموز العام 2006، ونحن نعيش أيامها اليوم، إلى وقف الحرب، في حين أنها كانت قادرة منذ ذلك الوقت على الاستمرار في المعركة حتّى تحرير مزارع شبعا وكفر شوبا، وحتّى القرى اللبنانية السبع، ولكن الحرب توقفت من أجل الناس ولتخفيف العبء عنهم.
ولكن السياسة الصهيونية النتنة باستهداف المدنيين لا يمكن التسامح معها والقبول بتكرارها مرة بعد مرة، مع العلم أن استهداف المدنيين وليس المقاومين فقط هو سبب أساسي في الحروب التي قادها الكيان في لبنان وفي الاجتياحات المتكرّرة لقطاع غزّة والضفّة الغربية، فالصهيوني يقود عملية تفريغ ممنهجة للأرض.
وعلينا أن نفهم أنه إذا ما توقفت الحرب بشروط المقاومة، فإن الكيان سيكون ابتداءً من تلك اللحظة مكسر عصا، ولا حاجة للأميركي به، لأن الأخير يحتاجه من أجل حماية مصالح شركاته التي تعمل في المنطقة العربية وبالذات في تنقيب النفط والغاز في شواطئ فلسطين وغزّة وخاصة في منطقة عسقلان حيث تعمل وبدأب شركة شيفرون العملاقة وأخواتها.
وهذه الشركات التي تؤمن الغاز للكهرباء للصهاينة على طول وعرض فلسطين شبه متوقفة عن استخراج الغاز، وبالتالي عن العمل منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وما تبقى من أعمال الشركات الصهيونية والأميركية فيه مهدّدة بالتوقف عن العمل دون حاجة المقاومات لضرب قطاع الكهرباء، وبالتالي إن ما يحدث في فلسطين اليوم أصبح مكلفًا أكثر من قدرة الأميركيين الذين باتوا على حافة إعلان إفلاس الدولة، وقد كتبنا في هذا الأمر، وبسبب كلفة الحرب الباهظة على اقتصاد الكيان وعلى جيب الأميركي على حد سواء.